يُعد ويليام فوكنر من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في العديد من الأعمال الأدبية، حيث صدر عنه مجموعة من المؤلفات الأدبية المتنوعة مثل الدواوين الشعرية والنصوص السينمائية والمسرحية والروايات، ومن أكثر الروايات التي حققت له شهرة واسعة حول العالم ونسبة مبيعات عالية هي رواية الناهبون، والتي تم تجسيدها في العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما ترجمت إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد تم العمل على إصدار الرواية سنة 1962م.
نبذة عن الرواية
تُعتبر الرواية من آخر الروايات التي قام الكاتب بتأليفها، وقد تناولت في مضمونها الحديث عن ذكريات الماضي، كما حصلت الرواية بسبب تحقيقها لأعلى نسبة مبيعات على إحدى أشهر الجوائز العالمية والتي تعرف باسم جائزة بوليتزر، حيث أن تلك الجائزة كانت أيضاً عن فئة الأعمال الخيالية لسنة 1963م، وقد سبق وأن حصل على ذات الجائزة عن كتابه حكاية خرافية؛ وقد جعل ذلك الأمر منه واحد من أهم وأشهر المؤلفين الثلاثة الذين حصلوا على تلك الجائزة أكثر من مرة، وعلى العكس من أعماله السابقة، فقد تم اختيار طريقة السرد في هذه الرواية على أن تكون في طريقة مباشرة مع تجنب التراكيب الأدبية المعقدة، والتي عُرفت بها الغالبية العظمى من أعماله الشهيرة.
كما وصفت بأنها من الروايات البيكارسكية أو ما تُعرف بالروايات الشطارية، وهو نوع من أنواع الأدب الذي يعود في أصله إلى الأدباء الإسبان، وعلى هذا النحو تبدو الرواية سريعة ومرحة وفكاهية، ولكنها ليست بطريقة مميزة عند تمعن النظر في موضوعها، وعلى أثر ذلك غالبًا ما كان يتجاهل زملاء وأصدقاء الكاتب روايته تلك؛ وذلك لأنهم كانوا يعتبرونها من أقل الأعمال بلاغة وإتقان، بينما الكاتب على الرغم من سماعه لكافة آراء زملائه إلا أنه كان يشير إلى الكتاب الذي يحتوي الرواية أنه الكتاب الذهبي لمقطعة يوكناباتا، والذي أنهى معه مسيرته الأدبية.
رواية الناهبون
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية في العقد الأول من القرن العشرين، حيث أنها تسرد قصة أحد الفتية الصغار والذي يدعى لوسيوس بريست، وقد كان ذلك الفتى من أقارب عائلة مكاسلين إدموندز الذين تطرق الكاتب للكتابة عنهم في مجموعته القصصية، حيث أنه في أحد الأيام قد هبط مع أحد الرجال والذي يدعى موسى وبرفقة أحد أصدقاء العائلة المقربين وأحد الموظفين بالإضافة إلى حارس شخصي والذي يدعى بون هوجانبيك، إلى إحدى المدن والتي تعرف باسم مدينة ممفيس، حيث كان الحارس بون يرغب في الزواج من إحدى الفتيات التي تدعى الآنسة كوري، وقد كانت تلك الفتاة من الفتاة المشهورات بحس الجمال والمظهر، حيث أنها ذات ملامح براقة وملفته لأي رجل يشاهدها، كما أنها كانت تمتلك شخصية جذابة للغاية.
وقد كان الحارس بون على معرفة بها من قبل، كما كان يتردد عليها في كثير من الأوقات حينما كان إنسان ثري ويمتلك مالاً كثيراً، ولكن حينما نظر الحارس من حوله ووجد أنه أصبح لا يملك أي وسيلة نقل من أجل الوصول إلى مدينة ممفيس، ولهذا سلك في طريق السرقة والنهاب، وأول شيء قام بسرقته كانت السيارة التي تعود ملكيتها إلى جد لوسيوس، وقد كانت تلك السيارة مشهورة جداً في تلك المقاطعة؛ وذلك لأنها كانت أول سيارة تدخل إلى تلك المقاطعة، كما تم اكتشاف بعد ذلك أن هناك أحد الرجال ممن يمتلكون بشرة سوداء ويدعى نيد مكاسلين، وقد كان من عائلة الكهنة، وهو رجل يعمل إلى جانب الحارس بون في إحدى إسطبلات الأحصنة التي تعود ملكيتها كذلك إلى جد لوسيوس، هو بذاته من قام بمساعدة تلك المجموعة من أجل السفر بعيدًا.
وحينما وصلت المجموعة إلى مدينة ممفيس، أقام كل من بون ولوسيوس في أحد البيوت التي تعمل في أمور غير أخلاقية، وقد كان في ذلك البيت تقيم كذلك الآنسة كوري، كما كانت كوري من الفتيات التي تدير شؤون هذا البيت، وفي ذلك الوقت كان نيد قد اختفى في أحد الأجزاء من المدينة وقد كان ذلك الجزء من المدينة يوصف بأنه الجزء الغامض والأسود، ولكن بعد مرور فترة وجيزة كان نيد قد رجع، وكان ذلك بعد أن قام باستبدال السيارة، حيث حصل ذلك جراء قيامه بالمراهنة في إحدى سباقات الخيول التي كانت تقام في تلك المدينة.
ومنذ ذلك الوقت تنقلب حياة البيت الذي تقيم به المجموعة رأسًا على عقب؛ وذلك بسبب إقامتهم الدائمة فيه وسلوكياتهم وتصرفاتهم، وفي ذات الوقت كان قد ظهر ابن شقيق الآنسة كوري، وقد كان شاب في مقتبل العمر، كما أنه كان ذات شخصية محنكة وذكية ويمتلك الكثير من الخبرة في مختلف مجالات الحياة، وفي أحد الأيام اضطر للمغادرة مع عمته كوري للعمل في مكان آخر، وهنا تبدأ بإدارة البيت إحدى الفتيات التي تدعى الآنسة ريبا، وتلك الأنسة كانت سيدة ذات شخصية صارمة كما كانت تتميز بالنضوج والعقلانية، وحين أمسكت بزمام الأمور في البيت سرعان ما استدعت أحد الرجال الذي يدعى السيد بنفورد وقامت بتوظيفه في منصب المدير العام والمدبر للبيت، كما أنه أشار الكثير من الأدباء إلى أن شخصية ريبا هي ذاتها التي كانت قد ظهرت في الروايات السابقة للكاتب.
والجزء الأخير من الرواية يتضمن المحاولات التي كان يقوم بها لوسيوس من أجل المشاركة في الرهائن التي كانت تقام في سباق الخيول؛ وذلك من أجل أن يتمكن من كسب ما يكفي من أموال لمساعدة أحد أقاربه وشراء السيارة مرة أخرى بدل تلك التي خسرها نيد، وفي ذلك الوقت يلحق الحارس بون بالآنسة كوري، ويبقى طوال الوقت يتغزل بها، بينما لوسيوس والذي كان في السابق أحد الصبيان الصغار الثريين من مدينة ممفيس، حيث أصبح شاب يحيط به مجموعة من الحراس الشخصيين، وقد كان في اللحظة التي هرب بها من المدينة مع المجموعة هي أول مرة يتواصل فيها مع العالم الخارجي وتلك الطبقة من المجتمع.
وينطوي جزء كبير من الرواية على المحاولات التي كان يقوم بها لوسيوس من أجل التوفيق بين رؤيته المتميزة والمثالية للحياة مع الواقع الذي واجهه في هذه الرحلة، والتي جسدت صراعه بين الفضيلة وغير الفضيلة، حيث أنه في الكثير من الأحيان كان يلتقي مع الفتيات الأكبر والأصغر منه سناً، وقد كان يتعجب من عجزهن في ذلك المجتمع، ومع الأيام يلتقي بأوتيس وهو ابن شقيق كوري، إذ كان فتى أكبر منه سناً وعمل كحارس له، والذي تحول من فتى صالح إلى فتى يجسد أسوأ جوانب الإنسانية، فقد كان يحطّ من مكانة وقيمة النساء، كما أنه كان لا يحترم أحدًا من الأشخاص المحيطين به ويقوم بابتزاز أصحاب البيت ويقوم بسرقتهم ونهابهم.