رواية حياة لاثريو دي تورميس

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر الرواية من أبرز وأهم الروايات التي اشتهرت ضمن الأدب الإسباني، وهي من الروايات التي يُجهل مؤلفها، حيث يعود نشرها إلى القرن الخامس عشر، وعلى وجه التحديد في عام 1554م، وقد سرد بها المؤلف السيرة الذاتية الخاصة به.

رواية حياة لاثريو دي تورميس

تدور وقائع وأحداث الرواية ضمن سبعة أجزاء، حيث يسرد بها الراوي والذي يدعى لأثاروا ونزاليك أحداث من حياته منذ بداية ولادته، إذ بدأ الفصل الأول بإخبار لأثاروا أنه أول ما ولد كان من ضمن إحدى العائلات البسيطة والمتواضعة من عامة الشعب، وقد كانت ولادته في إحدى القرى القريبة من مدينة سالامنكا وعلى وجه الخصوص بالقرب من ضفة أحد الأنهار الذي يشتهر باسم نهر تورميس، وقد كان ذلك النهر نفسه الذي ولد عنده ما يعرف بالعظيم آما ديس دي جاولا كما تم ذكر في أسطورته، وقد كان يعتبر نهر تورميس من أهم وأبرز الروافد التابعة نهر دورو من الجهة الغربية، ويمر بمجموعة من المحافظات مثل سمورة وآبيلا وسالامكنا وقشتالة ليون، ومن هنا أخذ المؤلف اسم الرواية.

وقد كان والد لأثاروا والذي يدعى السيد ونزاليك أحد الرجال المتواضعين والذي بدوره يعمل كطحان منذ ما يقارب خمسة عشر عاماً، وقد رزق بهذا المولود الذي ما لبث معه فترة إلا أن فارقه وتركه يتيماً بعد أن تم اتهامه بالسرقة وإيقاع عليه عقوبة بإجباره على خدمة أحد الفرسان ضمن حملة حربية، وعلى إثرها توفي، وبعد وفاة والده قررت والدته والتي تدعى أنثونا الانتقال للإقامة في مدينة سالامنكا، ونظراً لظروف الحياة القاسية وبما أن طفلها ما زال في مرحلة الطفولة، وهذا ما اضطرها إلى مزاولة مهنة الطبخ وتنظيف المنازل؛ وذلك من أجل تأمين الطعام لها وابنها.

وأثناء عملها التقت أنثونا بشخص يدعى زايد وهو أحد الشباب من أصول زنجية، الذي لم يروق لابنها في بداية الأمر، لكن مع مرور الوقت استطاع الزنجي كسب ثقة ومحبة ذلك الفتى، ومن هنا بدأت علاقتهم تتحسن شيئاً فشئياً، ويوماً بعد يوم يتقرب من الأم إلى أن انتقلت للإقامة معه، وخلال علاقتهما أنجبا شقيق لأثاروا، وقد كان ذلك الشقيق أخذ من والده شيء بسيط من لون بشرته ومن والدته شيئاً بسيطاً من بياض بشرتها، وكانت حياتهما تسير على ما يرام إلى أن جاء اليوم الذي تم فيه توجيه تهمه إلى زايد، والتي على أثرها تم سجنه، وبسبب خوف الأم على على طفليها عزمت على ترك عملها والانتقال إلى نُزل بعيد، وفي هذه المرة كان لأثاروا قد أصبح أكبر ويساعدها في بعض المصاريف.

وفي أحد الأيام مر رجل أعمى البصر على الأم وابنائها في النزل، وحين التقى لأثاروا مع الرجل طلب منه أن يرافقه من أجل خدمته، وهنا وافقت الأم إذ ظنت بذلك أن ابنها سوف يتمكن من خلال ذلك العمل متابعة تعليمه إلى أن يصبح رجل مسؤول، غير أن مرافقة ابنها لهذا الرجل الأعمى لم تكن من الأمور الجيدة؛ فلم يكن ذلك الرجل الأعمى يمكنه تعليمه الأخلاق الحميدة والفضائل، حيث كان بعيد كل البعد عنها، وكل ما يعرفه هو فقط المكر والخبث والخداع والاحتيال على الناس والنصب عليهم، كما كان شخص بخيل جداً إلى درجة أنه لا يقدم أي طعام للفتى.

ولم يكن أمام الفتى سوى أن يتعلم منه أساليبه وتصرفاته وبعد مرور وقت قصير أصبح صورة مصغرة عنه؛ وذلك من أجل أن لا يموت جوعاً من بخل الأعمى، وهنا قد بدأ يحمي نفسه من خدعه وشدة تهكمه، وبسبب ذلك انقلب الفتى من أحمق بسيط إلى تلميذ ينافس أستاذه في أساليب المكر والخداع، ومنذ ذلك الوقت والحظ السيء لم يغادر الفتى، فما كاد يتخلص من الأعمى حتى وقع في شباك أحد الكهنة ويدعى ماكيدا، وهو رجل بخيل إلى حد يوصل به إلى أن يُخبئ الطعام في إحدى الخزائن الحديدية، ويترك لأثاروا يتضور جوعاً، إلى أن كان الفتى يوماً بعد يوم يقوم بسرقة الطعام دون علم الكاهن.

وفي أحد الأيام اكتشف الكاهن أمر اختفاء طعامه، فأحياناً كان يظنهُ فأر، وأحياناً أخرى يرتاب من وجود أفعى وبقي حال الكاهن هكذا إلى أن جاء به اليوم الذي حصل به الفتى على نسخة من مفتاح الخزانة الحديدية، وبينما كان الفتى يغط في سبات عميق أخذت أنفاسه تدخل فمه وتخرج مصدرةً صوت كالصفير بسبب إخفائه للمفتاح به، وعلى صوت هذا الصفير استيقظ الكاهن، وأمسك الكاهن العصا وأخذ يقترب من مصدر الصوت أكثر فأكثر، ثم ضرب ضربة قوية ظناً منه أنه قضى بها على الأفعى، إلا أنه رأى لأثاروا غارقاً في دمائه، فاكتشف أنه السارق وغضب منه وطرده من منزله.

وفي الجزء الثالث من الرواية يتطرق به الراوي للحديث عن الفترة التي تلت طرد الفتى، إذ سار في طريقه إلى أن حط رحاله في مدينة طليطلة وهناك التقى بالسيد الثالث، أطلق على سيده اسم الاسكوديرو وهو شخصية مهمة وحاضرة في الأدب الإسبانيّ، وحينما شاهده لأثاروا للمرة الأولى اعتقد أن القدر قد ابتسم في وجهه أخيراً، فبدأت تلال الطعام وعيش الرخاء الذي انتظرها طويلاً، إلا أن لم يدم ذلك الأمر سوى دقائق، وسرعان ما تحطم كل شيء، وهنا أحلامه ذهبت أدراج الرياح.

وقد استيقظ من أوهامه على منزل لا يحوي سوى سرير بالي قديم يأوي إليه السيد ليلاً لينام، وقد عرف منه لأثاروا في وقت لاحق أنه لا يملك حتى فتات الخبز، وأن كل ما يملكه هو أناقته وهيئته النبيلة التي تذكّره بأمجاد أجداده، ولكن لأثاروا الصغير استطاع بما اعتاد عليه وتعلمه أن يفلت من قبضة الجوع ويوفر الطعام لهما، ولم تنقضي فترة قصيرة حتى تركه سيده ورجع من جديد وحيداً في هذا العالم.

ولم يمضِ الكثير من الوقت حتى عثر لأثاروا على السيد الرابع، وقد كان ذلك السيد الذي قص لأثاروا حكايته في الجزء الرابع من الرواية، إذ تحدث عنه لأثاروا هنا بصفات مختصرة؛ فقد كان راهب من أخوية القديسة مريم العذراء للرحمة، كما وصف لأثاروا هذا الراهب حياة الكنيسة، وبأنه كان مأخوذ ببريق من المتع الدنيوية ومولعاً بها، ونظراً إلى أنه كان يقضي وقته في زيارة الناس وتفقد أحوالهم كانت تهترئ أحذية ويغيرها كثيراً، وفي تلك الأثناء قال لأثاروا أنه حصل على زوج الأحذية الأول له من هذا الراهب بسبب مرافقته له في العديد من الزيارات، إلا أنه لم يتمكن من الاستمرار ومجاراة هذه الحياة، ولذلك قرر تركه.

وفي الجزء الخامس تطرق الفتى إلى الحديث عن سيده الأخير أكثر ممن سبقوه، وقد أشار إلى أنه كان محتالاً كبيراً، إذ خدع جموع من الناس ويدنس الحقائق، وقد أطلق عليه اسم بولديرو وهو لقب ديني قديم يُعطى لمن كان يمنح الناس صكوك غفران من الكنيسة والذي بدوره سلمه إلى عناصر الشرطة بيده، ومضى في طريقه.

وفي الجزء السادس من الرواية تطرق لأثاروا في حديثه عن سيد جديد كان يعمل في حرفة صناعة الدفوف، ولكن كان كمن سبقوه من سادة، بينما في الجزء السابع من الرواية قام لأثاروا بالحديث عن سيد آخر والذي كان يعمل كقسيس يقوم بجانب أعماله الدينية ببيع الماء للناس، وحينها قدم إلى لأثاروا خدمه وهو حمار، كما وفر له عدة مناسبة من أجل جلب الماء من النهر ليقوم بدلاً عنه في هذا العمل، إذ يبدو أن قدر لأثاروا أن يصبح يملك الآن ما لم يكن يحلم به من قبل، فقد كان يعيل به نفسه ويشتري منه الطعام والشراب.

كما كان كل ما يجني من نقود وأموال طوال الأسبوع يقدمها جميعها للقسيس، بينما أيام السبت فقد كان يجعلها من نصيبه لوحده، وقد استمر على هذا الحال ما يقارب أربع سنوات، وقد تمكن من خلالها تحسين مظهره الخارجي وشراء ملابس جديدة والذي بدا فيها كالنبلاء، الأمر الذي جعله يترك العمل إذ لم يعد يليق به، وفي النهاية عمل الفتى كمنادي للإعلانات الهامة وتزوج بإحدى الخادمات.


شارك المقالة: