اعتبر الكاتب والفيلسوف فيودور دوستويفسكي قامة من قامات الأدب، حيث أنه سطّر عبر التاريخ العديد من الأعمال الأدبية التي تميزت بالبلاغة والإتقان في السرد والحبكة، كما ساهم في النهوض بالأدب الروسي إلى حد كبير، ومن أكثر الروايات التي حققت شهرة واسعة حول العالم وحققت نسبة مبيعات عالية هي رواية ربة البيت، والتي تم تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد تم العمل على إصدار الرواية في سنة 1847م.
نبذة عن الرواية
بدأ الفيلسوف في كتابة الرواية في سنة 1847 وانتهت في شهر ديسمبر من ذات العام، في البداية تم نشر الجزء الأول من الرواية في شهر أكتوبر من ذات العام، وتلبية لرغبة وبناء على طلب المؤلف تم نشر الجزء الثاني بعد ذلك بشهر واحد فقط، وقد أشار الأدباء والنقاد إلى أن الرواية تمثل في العديد من النواحي القصص الشعبية الروسية، ومن المحتمل أن يكون دوستويفسكي قد تأثر في كتابتها بالكُتاب العظماء غوغول وهوفمان.
أشار الأديب ألفرد بيم أن عناصر من الرواية كانت مستوحاة من سيرة المؤلف الشخصية، كما أنه عقب نشرها حصدت العديد من الآراء المتباينة، بالإضافة إلى أن الكاتب واجه العديد من الانتقادات بسبب انتحاله الكثير من الأعمال الأخرى، وعلى وجه التحديد أعمال هوفمان، كما انتقد العديد من الأدباء الرواية بشدة إذ وصفوها بأنها عبارة عن هراء فظيع، ولكن التوجه النقدي الحديث في تناول الرواية أحدث تغيير إيجابي، حيث تم النظر إليها أنه عمل مميز من بين مؤلفات دوستويفسكي؛ وذلك بسبب استعماله المكثف للميلودراما والغموض والرهبة والتشويق.
لقد كانت تجري أحداث الرواية في مدينة سانت بطرسبورغ، وتسرد قصة أحد الشباب العلماء الذي عاش طفولة مؤلمة، حيث أنه فقد والديه وهو ما زال طفلاً رضيعاً، وقضى شبابه وهو منطوي على نفسه ومنعزل عن العالم الخارجي، إلى أن وصل به الأمر أن يتم طرده من بيته، وعلى إثر ذلك وقع في حب فتاة متزوجة والتي اكتشف في النهاية أنها مجرد أسيره تم السيطرة عليها باستخدام السحر والشعوذة من قِبل شخص آخر من المحتمل أن يكون والدها الأيديولوجي، وقد كان هذا الرجل الساحر مكتئب وضعيف على الدوام وقد كان يراه العالِم أنه مجرد عراف خبيث وحقود أو أنه رجل ينتمي إلى الصوفية ويتصف بالغموض.
رواية ربة البيت
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول الشخصية الرئيسية وهو رجل يدعى فاسيلي، وقد كان ذلك الرجل هو عالِم منطوي على حبه للكتب والقراءة إلى حد كبير، ولهذا كان باستمرار منعزلاً عن العالم الخارجي، وفي أحد الأيام بعد أن اضطر العالِم المنعزل لمغادرة منزله، قام بالتجوال في شوارع مدينة سانت بطرسبرغ دون أي هدف يذكر، وأثناء تجواله بدأ يفكر في اليأس الذي يعتريه بسبب تجرد حياته من الحب والعاطفة ومرحلة الطفولة البائسة التي عاشها وخوفه على مستقبله الذي لم يكن يعرف عنه شيئاً قط، وقد كان يسير وهو في حالة من الاضطراب والارتباك، إلى أن أوصل به المسير أمام إحدى الكنائس فدخل إليها، وفي الداخل لاحظ وجود رجل كبير في السن ويطلق عليه اسم إيلي، وقد كانت برفقته زوجته التي تدعى كاترينا.
وما لفت انتباه العالِم بأنه على الرغم من أن الزوج في مرحلة الشيخوخة إلّا أن زوجته كانت فتاة يافعة في مرحلة الشباب، وبعد وقت قصير حدث بينه وبين الزوجين مجموعة من الأحاديث، حيث قاده الحديث معهما إلى الإعجاب بهما، وعلى وجه الخصوص الزوجة كاترينا، وقد تواعد العالِم مع الزوجين أن يعود للقائهما عدة مرات، وقد كان هدف العالِم من تلك اللقاءات أن يستضيفوه في منزلهم وتأمين سكن له، وبالفعل أصبح في النهاية ضيفًا في منزل الزوجين، كان الزوج من طائفة المؤمنين القدماء ويتمتع بقدرة عالية على الاستبصار.
هذا الأمر كان يزعج الجيران والشرطة المحلية منه، كما يبدو أن ذلك الأمر يسيطر على زوجته، وفي أحد الأيام بينما كان يدور حديث بين الزوجة كاترينا والعالِم أشارت من خلاله أن إيلي في الحقيقة كان حبيب والدتها في السابق، وأنها لربما تكون ابنته البيولوجية، حيث أنه في يوماً ما قد هرب مع والدتها بعد أن قام بقتل والدها، كما كان هناك اقتراح بأن إيلي قد تسبب في وفاة خطيب كاترينا السابق أثناء هروبه مع والدتها، ولكن هذا الخبر لم يتم التأكد من صحته.
وفي ذلك الوقت وقع العالِم في حب وعشق كاترينا، وقد بادلته ذات الشعور، حصل ذلك أثناء تقديم كاترينا الاهتمام والرعاية له جراء إصابته بحالة من الهذيان، وخلال فترة هذيانه كان العالِم يتجسس على إيلي، وفي أحد الأيام بينما كان العالِم يستلقي على فراشه بسبب مرضه ويروي حكايات إلى كاترينا، فجأة هرع إلى غرفة إيلي، وهنا حاول إيلي إطلاق النار عليه بمسدسه، لكنه أخطأ في إصابته، حاول العالِم إقناع كاترينا إلى أنها بحاجة ماسة إلى الانفصال عن إيلي من الناحية الجسدية والنفسية، وقد ظن أنه نجح في إقناعها بذلك بعد سماعه إلى تغنيها بالحب والحرية.
وفي لحظة ما قامت كاترينا بتقديم الشراب إلى كل من العالِم وإيلي قبل أن تقرر ما ستفعله، وهنا بدأ استخدم إيلي لغة التنبؤ وعلم النفس من أجل إقناعها أن خياراتها عديمة الفائدة، وقد أشار إلى أن تمكن من أن يجعل كاترينا أن تكون حبيسة إلى سيدها، وفي النهاية استنتج العالِم بعد ذلك أنه من المؤكد أن إيلي ما هو ساحر وأن كاترينا هي عبدة له، كما كانت تؤمن هي الأخرى بذلك، ومن أجل تحريرها من ذلك عرض العالِم شراء كاترينا من إيلي، لكن إيلي حذره بتهديد خفي، وأخبره أنه في حال فعل ذلك الثمن سوف يكون سفكًا لدماء المشتري بالإضافة إلى سلعته، وخشية العالِم من عدم قدرته على إقناع إيلي، قرر العالِم قتل إيلي، لكنه فشل بعد سقوط السكين من يده وخضوع كاترينا إلى سيطرة زوجها عليها بالكامل.
وأخيراً بعد إلقاء القبض على إيلي صرّح بعد ذلك للشرطة أن العالِم وكاترينا ما هم سوى شخصان ضعيفان وسوف يستغنيان على الفور عن الحرية في حال حصلا عليها، ولهذا كانت كاترينا تحتاج للخضوع لسيطرة سيدها، وهو لم يستطع قتل رجل أقوى منه حتى مع توفر سبل القيام بذلك.