مما اشتهر به الكاتب والمؤلف ويليام فوكنر أنه من أبرز الكُتاب الذين تنوعوا في مجال الأدب، حيث أنه كان يصدر عنه العديد من المؤلفات الأدبية في مختلف المجالات، إذ صدر عنه دواوين شعرية ونصوص مسرحية وقصص قصيرة وروايات، وقد طغى على رواياته أسلوب الرعب، ومن أبرز الروايات التي حققت نسبة مبيعات عالية وشهرة واسعة حول العالم هي رواية سارتوريس، والتي تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية، كما تم تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية التي حصدت أعلى نسبة مشاهدات.
نبذة عن الرواية
تم العمل على إصدار الرواية للمرة الأولى سنة 1929م، وقد تناولت الرواية في مضمونها الحديث حول تدهور للطبقة الأرستقراطية في ولاية مسيسيبي، وقد كان ذلك قد حدث بعد الانتفاضة الاجتماعية التي حصلت أثناء الحرب الأمريكية الأهلية، وعند نشر الرواية في بداية القرن التاسع عشر ما كانت إلا مجرد نسخة مختصرة لعمل الكاتب الأصلي، حيث أنه تم إعادة نشر النص بالكامل سنة 1973م، ولكن تحت عنوان مختلف، إذ أطلق عليها اسم أعلام في الغبار، وقد كان جد الكاتب الأكبر والذي يدعى ويليام كلارك يعمل برتبة عقيد في الحرب الأمريكية الأهلية، كما كان نموذج متكامل عن الشخصية الرئيسية في الرواية والذي يعرف باسم العقيد جون سارتوريس.
كما استحدث المؤلف كذلك العديد من الشخصيات الأخرى في الكتاب عن أشخاص محليين من المكان الذي كان بالأصل مسقط رأسه في مدينة أوكسفورد، وقد كان صديقه بين واسون نموذج حقيقي إلى شخصية هوراس بنبو، بينما كان شقيق الكاتب والذي يدعى موري على أرض الواقع تم تقديمه كالنموذج الأول للشاب الذي يدعى بايارد سارتوريس.
كانت بداية ويليام فوكنر الأدبية في فصل الشتاء سنة 1926م، وفي ذلك الوقت كان في التاسع والعشرين من عمره، وأول ما بدأ بالعمل في رواياته حول مقاطعة يوكناباتا، وهنا قدم له أحد الأدباء والعلماء نصيحة في أن يتطرق للكتابة حول مسقط رأسه ولاية ميسيسبي، وبالفعل أخذ فوكنر بتلك النصيحة وتابع بها في رواياته اللاحقة، كما أنه قد تطرق لاستخدام ارضه الخاصة، وقد جعلها مأهولة بالرجال والنساء المستمدين بشكل جزئي من الحياة الحقيقية، كما كان يصفهم كما يجب أن يكونوا.
وبعد مرور عام بالتمام في 1927م اكتملت الرواية التي تتضمن الحديث عن ولاية ميسيسبي، وقد قم بإرسال الأعلام في الغبار وهو مفعم بالحماس إلى هوريس ليفرايت، والذي كان قد قام بنشر أول روايتين له في مدينة نيويورك، وحين قرأها ليفرايت ولم تحظى بإعجابه أبداً، ومن هنا عزم فوكنر على إرسالها مرة أخرى مع توصيته القوية له بعدم عرضها للنشر في أي مكان آخر، وقد كانت في هذه المرة تتميز بالغموض الشديد، كما أنها كانت كثير ما تفتقد إلى الحبكة الجيدة والهيكلية؛ وهنا شعر ليفرايت بأن ليس بإمكان أي شخص على فهمها، وهنا عرض الكاتب الرواية وهو في حالة تحطم على عدد من أصدقائه، والذين شاركوا ليفرايت في الرأي ذاته.
رواية سارتوريس
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول حالة التدهور التي حصلت مع إحدى العائلات من الطبقة الأرستقراطية والتي تدعى عائلة سارتوريس، حيث أن تلك العائلة كانت تقيم في المناطق الجنوبية من ولاية ميسيسبي، وقد كان ذلك قد حصل بعد نهاية الحرب العالمية الأولى مباشرةً، ففي السابق كانت العائلة تمتلك الكثير من الممتلكات والثروة وتقيم في مدينة جيفرسون، وقد كان أفراد العائلة أجمعهم يعيشون في منزل والدهم المتوفى والذي يعرف باسم العقيد جون سارتوريس.
حيث أن العقيد كان يعمل كأحد الضباط المهمين والمميزين ضمن سلاح الفرسان الكونفدرالي أثناء قيام الحرب الأهلية الأمريكية، إذ قام ببناء السكة الحديدية المحلية، كما كان من الأبطال الشعبيين، وقد نجى من تلك العائلة أبناءه وشقيقته الصغرى والتي تدعى فيرجينيا دو بري، والتي في الغالب يناديها الجميع العمة جيني، وابنه الذي يدعى بايارد سارتوريس وهو ما يتم مناداته باسم بايارد الكبير، وابن حفيده الذي يدعى بايارد سارتوريس وهو ما تتم مناداته باسم بايارد الصغير.
وأول مشهد كان في الرواية يبدأ حين يعود العقيد بايارد سارتوريس إلى مدينة جيفرسون بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد كان بايارد شقيق لتوأم يدعى جون، وقد كان كلاهما من أهم الطيارين الحربيين الذين شاركوا في الحرب، إلا أن جون كان قد توفي أثناء اشتعال الحرب، ومنذ عودة بايارد الصغير إلى المنزل وتبدأ مطاردته من قِبل أشباح حول موت شقيقه التوأم، وقد كان ذلك الأمر ما دفع به بالإضافة إلى النزعة مع العائلة إلى التصرفات الطائشة والبليدة والتي قادت به إلى نمط من أنماط السلوك التدميري للذات، وعلى وجه الخصوص في قيادته المتهورة أثناء قيادته إلى سيارة كان قد اشتراها بعد عودته من الحرب.
وفي النهاية تتوصل التصرفات والسلوكيات الطائشة لبايارد الصغير إلى تدهور السيارة من على أعلى الجسور في تلك المنطقة، وبعد أن تم إنقاذه من قِبل سيارة الإسعاف ونقله إلى المستشفى وتقديم العلاج اللازم له يشرف على التعافي من الكسور التي لحقت به، ومن هنا بدأ بالتفكير في تحسين أوضاعه المعيشية وتغيير اتجاهات حياته، وخلال الفترة التي كان يخضع بها إلى العلاجات الطبيعية يتعرف على إحدى الفتيات التي تدعى نارسيسا، وقد كانت فتاة تتميز بصفات جميلة وأخلاق لطيفة، وعلاوة على كل ذلك كانت تتميز بجمال براق ولامع وتدخل قلب كل من يراها، وهنا بدأ يفكر في طلب الزواج منها، وبعد عدة محاولات تم حصوله على الموافقة منها على الزواج به، ولكن لم تكن الفتاة توافق إلا بعد أن أخذت منه مجموعة من الوعود الحقيقية في تغيير مسار حياته.
ثم بعد ذلك تم إقامة حفل الزفاف وتوجهوا بعدها إلى منزل بايارد، وبعد مرور عدة أيام وعلى الرغم من الوعود التي قدمها إلى نارسيسا بالتوقف عن القيادة المتهورة، يقوم بايارد بإدخال السيارة في حطام بالقرب من منزله، وفي تلك الأثناء كان برفقته بايارد الكبير في السيارة، وقد أدى ذلك الحادث إلى التسبب بوفاة بايارد الكبير، حيث أنه من شدة الخوف والهلع التي دخل بها، قد أدى إلى إصابته بنوبة قلبية قاتلة.
ومنذ تلك اللحظة اختفى بايارد الصغير من مدينة جيفرسون بأكملها ولم يعد أي شخص يعلم عنه أي خبر، وقد كانت زوجته في تلك الفترة حامل، لكنه لم يأبه إلى ذلك، حيث أن ما أشعره بالاطمئنان عليها هو أنه تركها برفقة العمة جيني، وبعد مرور العديد من الشهور تم وصول خبر أن بايارد قد توفي، وأن ذلك حصل أثناء قيادته لإحدى الطائرات التجريبية، وقد كان يوم وفاته قد صادف اليوم الذي ولدت به زوجته ابنه.