يُعتبر المؤلف والأديب ميغيل دي أونامونو وهو من مواليد دولة إسبانيا من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، حيث أنه له باع طويل في كتابة الروايات والقصص القصيرة والمقالات، وأكثر ما اشتهر به هو كتابة المقالات، كما كان له تأثير كبير على الكُتاب من بعده، ومن أكثر الروايات التي اشتهر بها هي ضباب، حيث أنه تم عرض الرواية في العديد من الأفلام السينمائية، كما أنه تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية، كما تم العمل على نشر الرواية في سنة 1914م.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية في مضمونها الحديث حول موضوع القلق الذي ينشأ داخل الإنسان جراء التفكير الكثير والمستمر في أهم السنن الكونية وهما الموت والقدر، وقد اعتبر الأدباء والخبراء وحسب التقارير التي قامت بها صحيفة إلموندو الإسبانية أن تلك الرواية تندرج ضمن قائمة أفضل مئة رواية للقرن العشرين، حيث أن المؤلف قد اتبع في الرواية أسلوب مختلف عن باقي الروايات التي صدرت في وقتها، حيث أنه قام بعمل دمج بين أحداث من نسج الخيال وأحداث كانت قد حصلت على أرض الواقع بالفعل.
وقد تم تجسيد ذلك من خلال شخصية خيالية إلى جانب شخصية واقعية وهي شخصية المؤلف ذاته، كما قام المؤلف باتباع أسلوب سرد وحوار تقني وحديث مختلف عن أسلوب من سبقه من الأدباء والمؤلفين، إذ قام بالإدلاء بأوصاف تتسم بالضبابية، سواء كان ذلك من ناحية وصف الشخصيات أو من ناحية وصف الأماكن في الرواية، وفي نهاية الرواية فتح المؤلف المجال أمام القارئ؛ وذلك حتى يسهم باختيار النهاية التي يراها مناسبة من وجهة نظره.
رواية ضباب
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول إحدى الشخصيات التي تدعى أوغوستو، وقد كان ذلك الشخص ما زال في مرحلة الشباب وهو من الأشخاص الذي ولدوا وحيدين في العائلة، بحيث أنه لم يكن يمتلك لا شقيق ولا شقيقه، وقد كانت عائلته من الأسر التي تتميز بوضع مادي متوسط، وفي تلك الفترة كانت والدته قد توفيت من فترة بسيطة، بينما والدة كان قد توفي من فترة طويلة، وبعد وفاة والدته التي لم يكن لديه أحد سواها في هذه الحياة، ومنذ ذلك الوقت بدأ يعيش حياته بالعديد من الأزمات التفكيرية، حيث أن حياته أصبحت محاطة بإطار التفكير في الوجودية.
وفي أحد الأيام ومن محض الصدفة يتعرف على إحدى الفتيات، وقد كانت تلك الفتاة محترفة في العزف على آلة البيانو وتدعى إيوخينيا، ويوماً عن يوم يعجب في الفتاة أكثر فأكثر، إلى أن جاء اليوم الذي وقع به في حب وعشق الفتاة، وهنا يعزم على التقدم وطلب الزواج منها، لكنها في تلك اللحظة قابلت طلبه بالرفض؛ وقد كان السبب في ذلك إلى أنها على الرغم من أنها تراه إنسان مثقف وواعي ويناسبها، إلا أنه من سوء حظه أنها كانت مخطوبة لرجل آخر، ومن هنا شعر أوغوستو بالإحباط واليأس من الحياة بأكملها.
لكن في يوم ما كانت تترد على منزله فتاة تقوم بجلب ملابسه التي يرسل بها إلى الكوى، وتلك الفتاة كانت تدعى روساريو، إذ كان في كل يوم حينما تجلب الملابس يتحدث معها قليلاً ومن هنا نشأت بينهما علاقة صداقة، ومن هنا يثير داخله العديد من التساؤلات حول النفس التي تتحلى بها الأنثى، كما كان تدور في داخله التفكير في حقيقة ماهية المرأة، وكان يتساءل لما المرأة لديها مدى واسع من الثقة التي تعطيها للآخرين، إذ حينها كان يعتقد أن جنس النساء حين تتقابل مع أي شخص من جنس الرجال أنها سرعان ما تضع ثقتها به، وهذا ما يجعل المرأة تعاني من إقامة العلاقة مع الآخرين، إذ يرى أن الرجل من القليل أن تنقطع علاقته بمن حوله، فهو في طبيعته لا يقدم الثقة الكاملة لديه في أي شخص يقابله أو يقيم معه علاقة، مهما كانت نوع العلاقة التي تربطه بالآخرين.
وفي أحد الأيام جاءت عازفة البيانو إلى صديقها أوغوستو تشكو له من مشكلة كانت قد حدثت بينها وبين خطيبها، ومن هنا أراد أن يقوم بإجراء اختبار لمشاعرها اتجاه خطيبها في مثل تلك الحالة التي تعاني منها، ومحاولة منه أن يقوم برؤية رد فعلها، حيث يقوم بعرض الزواج عليها، وما اندهش منه أوغوستو أنها سرعان ما قابلت طلبه بالموافقة، وهنا سألها مراراً وتكرارً أن موافقتها السريعة ليست بسبب الخصام الذي حدث بينها وبين خطيبها، وهنا تؤكد له أن هذا الأمر ليس له علاقة بموافقتها على طلبه.
ويوماً بعد يوم اقترب موعد الزفاف، إذ يصاب أوغوستو بصدمة كبيرة ألا وهي أنه قبل أيام بسيطة جداً قبل زواجهما، يتلقى رسالة موجهة إليه من قِبل عازفة البيانو، وفي تلك الرسالة تخبره أنها عزمت على الهروب مع خطيبها السابق؛ وذلك من أجل أن يتزوجا ويستقران ويؤسسان لنفسهم حياة جديدة خاصة بهم، حيث أن خطيبها كان قد حصل على عمل ممتاز، وفي تلك الأثناء دخل أوغوستو في حالة اكتئاب، حيث أنه كان هو من قام بتأمين العمل لخطيبها، ومن تلك اللحظة أدرك وفهم أوغوستو أنه ما كان سوى مجرد ضحية تم النصب والاحتيال عليه واستغلاله والتلاعب به من كلا الطرفين، وهذا كان السبب في دخوله في دوامة من المشاعر والأحاسيس المتناقضة والعبثية، وكل تلك المشاعر التي كانت تعتريه عززت لديه الرغبة في الانتحار.
وبينما كان الشاب يمر في حالة نفسية سيئة أودت به إلى أزمة حادة حاول أن يخرج منها بشتى الطرق، ومن هنا بدأ ينغمس في قراءة المقالات، ومن ضمن المقالات التي قرأها كانت ترجع إلى الفيلسوف ميجيل دي أونامونو، وقد كانت تلك المقالة تتحدث عن الانتحار، وعلى أثر ذلك انتقل أوغوستو إلى المدينة التي يقيم بها المؤلف، حيث أراد أن يقابل الفيلسوف، وهناك يكشف له اونامونو أن ما هو ليس إلا شخصية تم نسجها من خياله في الرواية التي أراد كتابتها وتأليفها.
ومن هنا يدور بين الكاتب والشاب حوار عن الوجودية، وقد كان ذلك الحوار قد تعمق بشكل كبير في ذلك الموضوع. وعلى أثر ذلك طلب الشاب من المؤلف أن يقم بإنهاء حياته، وأن يقوم بإخراجه من أحداث الرواية بأي شكل من الأشكال، لكن دون أن يتطرق إلى الانتحار، فقد أنهكه التفكير في تلك الحياة المأساوية، وهنا بالفعل يقوم الكاتب بإعادة الشاب إلى بيته، وهناك يلقى حتفه إذ توفى على أثر نوبة قلبية وهو يقطن بجوار كلبه، وتنتهي الرواية بكثير من الاحتمالات لدى القراء والأدباء، فهناك من أدلى بأنه توفي منتحراً، وهناك من أشار أنه توفي بسبب حادث صحي عرضي، لكن الكاتب قال أنه هو من قام بإنهاء حياة البطل بنفسه.