يُعتبر الكاتب والأديب جونتر جراس وهو من مواليد دولة ألمانيا من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، حيث أنه صدر عنه العديد من الأعمال والمؤلفات الأدبية المميزة، ومن أهم أعماله التي لاقت انتشار واسع حول العالم وحققت نسبة مبيعات عالية هي رواية طبل الصفيح، والتي تم تجسيدها في العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد تم العمل على نشرها سنة 1959م.
رواية طبل الصفيح
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول قصة حياة الشخصية الرئيسية وهو شاب يدعى أوسكار، حيث أن أوسكار قد روى قصة حياته من وجهة نظره للحياة التي عاشها فقد كان هو ذاته الراوي، ففي أحد الأيام تم احتجاز أوسكار في أحد المستشفيات الخاصة بالأمراض العقلية والنفسية، وقد كانت تلك الفترة لمدة عامين متتاليين وعلى وجه التحديد ما بين عام 1952م إلى عام 1954م، ففي البداية كان أوسكار من مواليد سنة 1924م، وقد كانت ولادته في إحدى القرى التي تعرف باسم قرية دانزينغ الحرة، والتي كانت تعرف لدى الجميع بأنها تقع ضمن مدينة غدانسك، والتي بدورها تابعة إلى جمهورية بولندا.
وفي ذلك الوقت كان أوسكار من الأشخاص الذين يمتلكون قدرة خارقة على التفكير والوعي والإدراك كل أمر من حوله، وفي أحد الأيام قرر أنه لا يرغب في أن يتقدم في العمر؛ وذلك بسبب سماعه لوالده أنه عزم على فتح بقالة ويصبح بقالاً ويضع أوسكار إلى جانبه للعمل مع في البقالة، وقد كان أوسكار إلى جانب كل المميزات التي يتميز بها لديه صفة سيئة وهي قدرة عارمة في تحطيم الزجاج مع الصراخ بصوت عالي، حيث كان يستخدم تلك الصفة كسلاح له، ولهذا أعلن أوسكار نفسه بأنه من بين الأشخاص الذين اكتمل نموهم الروحي حين لحظة الولادة وأنهم يحتاجون إلى أي شيء من أجل إثبات أنفسهم فقط وأنه فقط يرغب في الثبات على سن الثالثة من العمر من الداخل.
ومنذ ذلك الوقت كان أوسكار قد احتفظ بمكانة الطفل بداخله في الفترة التي كانت فيها بدايات الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أنه قد تقدم بالعمر الذي فاق قدرته ودخل بالعديد من العلاقات العاطفية مع الفتيات من مختلف الدول الأوروبية بعد انتهاء الحرب، إلا أنه بقيت الهدية التي كان قد تلقاها عيد ميلاده الثالث من أهم الأمور المهمة في حياته، وقد كان يعتبرها كنزه العزيز، وكانت درجة اهتمامه بها هو أنه مستعد إلى أن يموت مقابل الحفاظ عليها.
ومع مرور الوقت اكتشف أوسكار أن لديه والدين افتراضيين، وهما زوج والدته الذي يدعى ألفريد، والذي بدوره كان يعمل كعضو في أحد الأحزاب التابعة إلى النازيين والذي يترأسه شخص يدعى جان وهو من أصول بولندية يقيم في قرية دانزينغ، حيث أنه في أحد الأيام تم إعدامه أثناء دفاعه عن المكتب البريدي البولندي الذي كان يقع في القرية، وقد كان ذلك أثناء فترة الغزو الذي شنّ على جمهورية بولندا 1939عام، وبعد وفاة والدة أوسكار، تزوج السيد ألفريد من سيدة تدعى ماريا، وهي سيدة كانت أول عشيقة سرية لأوسكار، وبعد أن تزوجت ماريا من السيد ألفريد انجب ابن أوسكار المحتمل وأطلقت عليه اسم كيرت.
لكن هنا بدأت تسيطر على أوسكار خيبة أمل، حيث أن حينما بدأ الطفل بالنمو اقترب من الانضمام إليه في عدم النمو الداخلي إذ بقي المشاعر الداخلية إلى أوسكار وكأنه ما زال في سن الثالثة، وأثناء قيام الحرب انضم أوسكار إلى إحدى الفرق التي كانت معنية بالأقزام، والتي كانت بدورها تسعى للترفيه عن القوات الألمانية في خط الجبهة والتخفيف من ضغوطات وتوترات الحرب، لكن بعد أن تم قتل قوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي من خلالها توفيت عشيقته الثانية والتي تدعى روزيتا في غزو نورماندي، ومنذ تلك للحظة عاد أوسكار إلى أسرته في القرية وقد أصبح زعيم لإحدى العصابات الإجرامية من الشباب.
وقد كانت تلك العصابة من أقرب ما تكون إلى ما تعرف بقراصنة إديلويز، وفي تلك الأثناء كان قد احتل الجيش الأحمر التابع إلى الاتحاد السوفييتي قرية دانزينغ، وهنا قامت القوات الغازية بإطلاق النار على السيد ألفريد، وبعد إلقاء القبض عليه أثناء قيامه ببلع دبوس وقد كان ذلك الدبوس هو شعار الحزب؛ وقد قام ببلعه من أجل تجنب اكتشاف كونه نازياً، وبعد انتهاء الحرب غادر أوسكار وزوجة أبيه المفترضة الأرملة وابنها القرية البولندية إلى مدينة دوسلدورف، وهناك بدأ ينخرط في عمل عرض الأزياء، وفي أحيان أخرى كان يعمل في حفر شواهد القبور، وفي لحظة ما عزم أوسكار على الابتعاد عن تلك المدينة والعيش بعيداً عن ماريا وابنها كيرت، وقد كان ذلك بعد أن حصل بينهم العديد من التوترات والتي كانت تتصاعد يوماً بعد يوم.
وبعد رحيله وقع في حب شقيقة روزيتا والتي كانت جارته، لكنه فشل في تطويعها لإقامة علاقة عاطفية معه، ومن هنا توجه للعمل في الموسيقى، إذ سعى من أجل أن يثبت نفسه إلى أحد أصدقائه المقربين والذي يدعى كليب ويعمل كخبير في مجال الموسيقى والآلات الموسيقية ويعزف على طبله، كما بدأ أوسكار مع كل من كليب وشخص آخر يدعى شول وهو عازف على آلة القيتار من أجل تشكيل فرقة موسيقية، وقد أطلق عليها اسم نهر الراين الثلاثية للجاز، وهم الثلاثة يدعوهم السيد شموه كاسم موحد في أي موعد يرغبون في العزف.
وفي أحد الأيام تم دعوتهم للعزف على الآلات الموسيقية في حفل أقيم في أحد النوادي الذي يعرف باسم نادي قبو البصل، وبعد انتهاء الحفل وقيامهم بالأداء الموهوب والمميز والذي حصل على إعجاب العديد من الجمهور المتواجدين في المسرح، حققوا شهرة واسعة وكبيرة، كما أنه أصبحت الأموال والنقود تسير بين أيديهم بوفرة، ومن هنا بدأت تنهال عليهم العديد من الدعوات من أجل إحياء الحفلات، وفي إحدى جولاته الراجلة عثر أوسكار على أحد أصابع اليد، إذ كان ذلك الإصبع مقطوع وبه خاتم، وبعد النظر والتحديث به جيداً تأكد أن ذلك الأصبع يعود إلى شقيقة روزيتا.
وهنا وضع في تفكيره اعتقاد واحتمال كبير في أن تكون قد تعرضت لجريمة قتل، وفي تلك الأثناء التقى أوسكار مع شخص يدعى فيتلار، وبعد لقاءات عدة بينهم أصبحت تربطهم علاقة صداقة قوية، وعلى إثر قوة العلاقة وترابطها بينهم سمح أوسكار لنفسه أن تتم إدانته زوراً وبهتاناً بجريمة قتل لم يكن هو في الحقيقة من قام بها، بل السيد فيتلار، وفي النهاية تم إيداعه في أحد المستشفيات التي تختص بالأمراض النفسية، وقد مضى هناك ما يقارب العامين، وخلال تلك المدة قام بكتابة مذكراته.