هذه الرواية من أبرز الروايات التي تم من خلالها تجسيد قصة كانت قد حصلت على أرض الواقع في الحقيقة، ولاقت صدى عالي على مستوى العالم هي رواية المعروفة باسم عازف البيانو، فقد تم تأليفها من قِبل الكاتب والأديب فلاديسلا سبيلمان والذي تعود أصول إلى جذور يهودية، كان يعيش في مدينة وارشو بولاندا خلال الفترة التي قامت بها الحرب العالمية الثانية، وأكثر ما أشتهر به هو عشقه للموسيقى وعزفه على آلة البيانو وقد ألف العديد من الروايات الموسيقية.
نبذة عن الرواية
تعد الرواية ترجمة حقيقية لقصة واقعية حدثت مع المؤلف، حيث تناول موضوع كيفية النجاة من الحرب هو وأسرته حينما قامت الحكومة الألمانية بفرض السيطرة الكاملة على المدينة التي يعيش فيها، حيث تناولت الرواية الأحداث الواقعة ما بين سنة 1939م إلى 1945م، وقد تم توثيق القصة من خلال مذكرات الكاتب، كما تم العمل على تجسيدها في فيلم سينمائي يتضمن العنوان نفسه للرواية، وتم العمل على ترجمة الرواية إلى العديد من اللغات العالمية منها اللغة الإنجليزية واللغة الألمانية، كما تم تكريم مجلة وينجيت للرواية ومنحها الجائزة الخاصة بها.
رواية عازف البيانو
في البداية كانت تدور أحداث الرواية حول وصف الأوضاع العائلية لفلاديسلا، فهو من الأشخاص الذين يملكون حس عالي في الموسيقى ويعشقونها، فقد كان يمتلك بيانو خاص به، وفي فترة من الفترات كان تلك العائلة تسكن في أحد الأحياء اليهودية يعرف باسم وارشو غيتو، حيث حلت بها أوضاع بائسة جداً، مما اضطرهم إلى بيع جميع الممتلكات الخاصة بهم، بما في ذلك البيانو الخاص بفلاديسلا، لكن فلاديسلا لم يزعجه ذلك الأمر؛ لأنه يمتلك وظيفة خاصه به، فقد كان مرتاح جداً في مكان عمله.
كانت المدينة في تلك الفترة تعج شوارعها بعمليات التهريب، كما كان قد حلّ فصل الشتاء ونتيجة للحالة التي يعيشها أهل المدينة من فقر وجوع، فقد زاد الشتاء من بؤسهم ومجاعاتهم، وعلى أثر ذلك تفت بينهم العديد من الأمراض ومن بينها مرض التيفوئيد، حتى أصبحت الشوارع ممتلئة بعدد كبير من الوفيات، فقد كان الأشخاص يموتون خلال سيرهم بالشوارع، مما جعل المدينة تفوح منها رائحة الجثث والموت فقط.
وفي تلك الأثناء ومن الأمور التي زادت من دمارهم وبأسهم هو سماع سكان المدينة لأصوت قنابل قادمة من جهة دولة ألمانيا، هنا تأكدوا أن الحرب مع الألمان قادمة لا محالة، وبعدها بدأ يظهر السلاح الألماني في شوارع المدينة وبدأت المدفعيات تتكاثف في الشوارع، ومن هنا بدأت أوضاع تسير باتجاه الدمار الكامل، حيث بدأ الألمان بتقديم قوائم عديدة مكتوب عليها القواعد والتعليمات والمقاييس التي يسمح لليهود بالسير عليها، ومن يخالف تلك التعليمات يلقى الحساب العسير، وبدأوا التعامل معهم وكأنهم لاجئين في تلك المدينة وليسوا السكان الأصليين، حينها بدأ العمل في تدمير المدينة من جميع الجوانب من قِبل المان، وحين يقوم أي شخص بمقاومتهم سرعان ما يبرحوه بالضرب والقتل حتى يلقى حتفه.
بدأ الجيش الألماني يتعاملون بكامل التحقير والاستهزاء والسخرية من الشعب اليهودي، ولا يجعلون أي شخص منهم أي يعمل في أي مجال سوى العبودية والخدمة لهم، بدأت الأمور تسير بحياة سكان تلك المدينة للأسواء فالدمار والاضطهاد والظلم يزاد يوماً عن يوم، وفي أحد الأيام زادوا الألمان في تعنتهم وطغيانهم فأخذوا يقتحمون البيوت ويدمرونها ويقتلون الأفراد بأعنف الأشكال ويلقون بهم في الشوارع ويدعسون على جثثهم، ثم بعد ذلك بفترة قصيرة ادعوا الألمان أنهم سوف يختارون عدد من العائلات اليهودية من أجل إعادة توطينهم من جديد، ومن بين تلك العائلات كانت أسرة فلاديسلا، وعند ركوبهم في القطار الذي يقودهم اكتظت الأعداد وركب الأفراد فوق بعضهم البعض، مما جعل فلاديسلا يرغم على الفراق عن عائلته، ثم بعد ذلك علم فلاديسلا أن عائلته قد أرسلت ليس من أجل التوطين وإنما لتلاقي حتفها.
كانوا الألمان الذين يديرون العمالة الجسدية آنذاك يتعاملون معهم بكل وحشية وقسوة وظلم، والتي أجبر فلاديسلا على الانضمام إليها فقد كانوا يمدون للعمال غذاء قليل للغاية وهو عبارة عن عينات فقط، لا يمكن أن تقديم متطلبات الجسم، فقد كان العمال لا يقوون على الاستمرار في العمل، لكن كان حين يقوم أي عامل عن التقاعس عن عمله والتباطء فيه سرعان ما يبرحونه ضرباً، مما جعلهم يعملون الأشغال التي توكل إليهم جراء الخوف والرعب من الألمان.
ومع مرور الوقت وقبل قدوم فصل الشتاء أصبح فلاديسلا يقلق بشكل كبير فهو يعلم ما يحدثه الشتاء بسكان المدينة، كما أنه في فصل الشتاء وفي ظل الأعمال الشاقة التي يقوم بها سوف يصاب في قضمه جراء الصقيع بين يديه مما تجعله غير قادر على عزف آلة البيانو، حينها فكر بحادثة تعمل على لوي في كاحله بشكل متعمد منه؛ وذلك من أجل أن يبعدوه عن العمل في الخارج، إذ يصبح شخص غير صالح للعمل في الخارج، وهنا يجعلوه يعمل في الداخل فينقذ نفسه من الألم الذي يسببه برودة الصقيع في تلك المنطقة.
ومع مرور الأيام خرجت شائعات حول أنّ الحكومة الألمانية سوف تختار عد من العائلات التي سوف يعيدوا توطينها من جديد في مدينة غيتو، ولما سمع فلاديسلا بذلك الخبر عزم على الفور باتخاذ فعل صارم للهروب والاختفاء عن الأنظار وبالفعل فعل ذلك، وبينما هو مختفي عمل فلاديسلا محاولات عديدة من أجل الحصول على الطعام حتى ولو كان شحيح فقد أصبح يعاني من المشاكل صحية، حيث كان يلح على الأفراد بشكل كبير من أجل تأمين الطعام له، ولكن الأفراد لم يتمكنوا من المجيء بشكل يومي.
بدأ الجيش الألماني يواجهوا بعض الصعوبات والتحديات من قِبل الأفراد وهذا ما جعله يمد ببصيص من الأمل، على الرغم من أنّ السلام لسكان تلك المدينة من الأمور الصعبة والبعيدة المنال، فقد كانوا قد فقدوا الأمل في نهوض الجيش الأماني عنهم، حصلت مواجهة بين الشعب الألماني والأفراد واندلع تمرد كبير بينهم، مما جعل الألمان يشعلون النار في ذات المبنى الذي يختبئ فيه فلاديسلا، لكنه لم يفكر بالفرار والتزم مكانه.
بدأت المشاكل تزداد كل يوم أكثر فأكثر، مما أشعر فلاديسلا باليأس وفقدان الأمل حتى عمل على تناول كمية كبيرة من الحبوب القاتلة من أجل الانتحار، لكنه دخل في غيبوبة ولم يمت، فقد استيقظ بعد غيابه عن الوعي والمبنى مشعل بالنيران في اليوم التالي، واستمر في محاربة الصقيع والجوع وفقدانه للوعي أثناء اختبائه من الجنود الألمان، إلى أن جاء أحد الضابط من الجيش الألماني وتم العثور عليه، لكنه لم قوم بقتله، بل قدم له كامل المساعدة وأنقذ حياته، وسعى في جلب الطعام وقد له مدفئة، وعند انتهاء الحرب سعى فلاديسلا مرارا وتكراراً للوصول إلى الضابط الذي قدم له المساعدة لكنه لم يوصل إليه، إذ أراد أن يتشكره جراء ما فعله معه.