تُعتبر هذه رواية من روائع الأعمال الأدبية التركية وقد تم تأليفها من قِبل الطبيبة جولسيران أوغلو، وقد كانت الرواية نابعة من قصة حقيقة وواقعية حدثت معها ودونتها في كتاب، وقد تضمن محور الحديث فيها حول سيدة رغب زوجها بالزواج عليها مرة أخرى، مما ثار بها الجنون وقادها إلى التفكير في الانتحار، وقد همّ بها زوجها إلى عرضها على طبيبة نفسية؛ وذلك حتى تردها عن قرارها.
رواية فتاة النافذة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول إحدى السيدات التي تدعى كارا، وقد كانت تلك السيدة تعمل في مجال الطب، وعلى وجه التحديد في مجال الطب النفسي، وقد كانت تلك الطبيبة من الطبيات المشهورات في المنطقة وتمتلك سمعة طيبة، وفي يوم من الأيام بينما كانت في عيادتها الخاصة والتي كانت تقع في أحد الأحياء من قرى دولة تركيا دخلت إليها السكرتيرة وأخبرتها أن المريضة التالية هو شخصية غريبة ولها شكل غريب لم تكن قد شاهدت مثله من قبل في حياتها، وهنا طلبت من الطبيبة من السكرتيرة أن تسمح لها بالدخول، وأول ما دخلت المريضة إلى مكتب الطبيبة وشاهدتها رأت أن سكرتيرتها كانت على حق في وصفها لها.
فقد كان المريضة سيدة تبدو أنها في عمر الخمسينات، وتلك السيدة يبدو من مظهرها الخارجي أنها من الطبقة الارستقراطية الثرية، إذ كانت ترتدي ثياب من طراز فخم وأنيق، ولكنها كان واضح إلى الطبيبة أن ذلك النوع من الملابس والخطوط المسطرة عليها تعود إلى زمن قديم جداً، كما أن تلك المريضة كانت تحمل في إحدى يديها حقيبة من طراز قديم كذلك، وفي يدها الأخرى مروحة كبيرة تبعد بها حرارة الأجواء عنها، ولم تكن تلك السيدة بمفردها، إذ كان برفقتها رجل يتميز بوجود شارب كبير وعضلاته كانت ضخمة جداً، وقد كان يبدو للوهلة الأولى أنه من المرافقين والحراس الخاصين بالمريضة، ومما كان يبدو عليه أنه من طبقة متدنية كثيرًا من تلك الطبقة التي كانت تنتمي إليها المريضة.
وفي تلك الأثناء بعد أن حدقت الطبيبة جيداً في ملامح كليهما، وبسبب خبرتها الواسعة في مجال قراءة التعبيرات الوجه بدا لها أن تلك المريضة قد تم إجبارها من أجل الحضور إلى عيادتها، ولم يكن حضورها بكامل إرادتها وناجم عن رغبتها، وما زاد من شكوك الطبيبة هو أن السيدة أول ما دخلت مكتب الطبيبة همت بضرب المرافق بكامل قوتها باستخدام المروحة التي تحملها بين يديها، وقد تبين للطبيبة أنه من كانت تعتقد أنه الحارس الشخصي للسيدة هو في الحقيقة زوجها.
في ذلك الوقت أول ما فكرت في الطبيبة هو أنه من الأفضل أن تطلب الجلوس مع الزوج قبل أن تقوم بالبدء بجلسات الحوار مع المريضة، وحينما أشارت إليه أنها ترغب في الجلوس معه في البداية، سرعان ما وافق على طلبها وأوضح أن ذلك الأمر بالنسبة إليه أفضل له بكثير من البقاء إلى جانب تلك السيدة، وأول ما بدأت معه الطبيبة في الحديث شعرت بالغضب جراء تصرفاته وسلوكياته وفوق ذلك كله ذلك الكلام الفظيع الذي يصدر عنه، وقد شعرت الطبيبة أن تلك الطريقة التي كان يتحدث بها والنظرة الحادة الواضحة في عينيه تشير إلى أنه إنسان غير مبالي ولا يمتلك أسلوب لطيف ومهذب بالكلام، وما زاد من الأمر تعقيد بالنسبة لها هي تلك الطريقة التي كان يتحدث بها عن زوجته.
ومن خلال الحديث معه أول ما تطرق له هو الحديث عن زوجته، إذ أشار أنها تدعى السيدة نالان، وفي قديم الزمان كانت من الأمور الصعبة المنال بالنسبة إليه، فقد كان يتصورها وكأنها ملكة تم تتويجها على عرش موضوع على أعلى القمم لا يمكن لأي شخص على الاطلاق الوصول إليه مهما كانت مكانته، فكيف إذ كان مثل حالته أمضى حياته وهو عامل فقير.
وقد كان ذلك العامل الفقير يفكر كيف له أن يوقع تلك الملكة في غرامه، وبعد محاولات كثيرة وعديدة في النهاية تمكن من استملاك قلبها ووقعها في شباكه، وحينما أصبحت الملكة مغرمة به إلى حد الجنون أصبح يمشي بين الناس وهو متفاخر بنفسه، فأخيراً وقعت الملكة بحبه، وكان يوعد نفسه على الدوام أنه في حال تزوج منها سوف يجعلها أميرة على قلبه، بالرغم من أنه لا يكن لها أي محبة، وبالفعل تم الزواج بعد فترة وجيزة.
ولكن ما حدث معه بعد كل تلك الجهود التي بذلها من أجل الحظي بحب الملكة أنه وقع في عشق فتاة أخرى، على الرغم من أن تلك الفتاة كانت تحمل صفات على العكس تماماً من تلك الصفات التي تتحلى بها نالان في كل شيء، حيث أن نالان كانت سيدة تتميز بصوتها الرقيق والناعم وجسدها نحيل كعارضات الأزياء، كما أن ملامحها كانت بيضاء ولطيفة وجميلة، وفي كل مرة تتحدث بها معه كانت تبدو وكأنها عصفورة صغيرة تغرد، بينما الفتاة الأخرى كانت تمتلك بشرة سمراء ولا يوجد بها أي ملامح تشير إلى اللطف، فقد كان جسدها ضخم وممتلئ وملامحها تبدو قاسية وقوية، إلا أنه مع كل ذلك يحبها.
وقبل فترة وجيزة صارح نالان بأنه يرغب الانفصال عنها، وذلك بعد أن مرّ على زواجهم ما يقارب العشرة سنوات، ولكن ما حدث هو أن زوجته رفضت هذا الانفصال وبشدة، وحينما فكر بالخروج من المنزل أخذت بمطارته من مكان إلى مكان، وكل ما تشاهده به تهم بالبكاء والتضرع له بأن لا ينفصل عنها، وتبرر ذلك بأنها لا تقوى على العيش بدونه، ومن خلال الحديث المطول بينه وبين الطبيبة علمت كذلك أن هذا الرجل متزوج بالأصل قبل تلك السيدة أيضاً ولديه ثلاثة فتيات صغيرات من زوجته الأولى، وأن زوجته الأولى تعيش في منزلها مع أطفالها ولا تبالي بعلاقاته وخيانته لها، بينما هو خانها وخان تلك السيدة مرة أخرى.
وقد وصلت اللامبالاة بذلك الرجل إلى حد القسوة، وكل ما يخشاه هو أن تقدم زوجته على الانتحار بسببه فقط؛ وذلك لأنها في كل مرة كانت تهدده بالانتحار وتوقعه في المشاكل، وفي نهاية حديثه مع الطبيبة توسل إليها أن تفعل أي شيء حتى تتمكن من منعها وكفها عن التفكير في الانتحار وتثنيها عن محاولاتها للعودة إليه، لأنه لم يعد يرغب في العيش معها مرة أخرى.
وحينما طلبت الطبيبة السيدة للحديث معها عرفت من خلال الحديث معها أنها كانت متزوجة في السابق، وقد تركت زوجها من أجله، وأنه ليس بإمكانها قضاء بقية حياتها دونه وطوال حديثها تذرف الدموع وكأنها طفلة صيرة متعلقة بوالدها، وأخيراً بعد الاطلاع على الحالتين قررت الطبيبة أن تستدعيها إلى جلسات أسبوعية لمعرفة الأسباب والدوافع التي أوصلت بسيدة لا ينقصها مال ولا جمال إلى تلك الحالة، وأيضًا قررت أن تقابل الزوج في جلسات أخرى لأنها كرهت شخصيته وحقدت عليه وأرادت أن تنتصر لبنات جنسها.