يُعتبر فيودور دوستويفيسكي الروسي من أهم وأبرز الكُتاب الذي لمع اسمه وسطّر عبر التاريخ، حيث أنه أبدع في مجال الكتابة والتأليف، وقد صدعت رواياته بين جموع القراء والأدباء، ومن أكثر الروايات التي حققت نسبة مبيعات عالية هي رواية قلب ضعيف، والتي تم تجسيدها في العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما ترجمت إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد تم العمل على إصدار الرواية سنة 1848م.
نبذة عن الرواية
تم تصنيف الرواية من قِبل الأدباء والنقاد أنها من الروايات القصيرة لدوستوفيسكي، ولكنها كانت من أكثر الروايات التي تحمل عمق في الفكر، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول أحد الشباب من صغار الموظفين، ولكنه كان راضي تمام الرضا عن وضعه الاجتماعي والمادي، كان مسؤوله في العمل يستغله فيسند إليه عمل كثير وضخم، ولكنه في يوم ما وقع في حب فتاة فينشغل بحبها وينسى عمله، يضخم الشاب خطئه في التأخر عن تسليم عمله إلى مسؤوله في الوقت المطلوب، ويحسب ذلك جريمة إلى المحسن له، مما يتسبب له بالارتباك والإصابة بحالة من الانفعال الشديد، ثم يهوي به ذلك إلى حافة الجنون.
رواية قلب ضعيف
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول الشخصية الرئيسية وهو شخص يدعى فاسيا، وهو من صغار الموظفين، لقد كان في مقتبل العمر ويفيض بالعديد من المزايا وأخلاق الخير والمحبة، وقد كان راضي عن مصيره والحياة الت يعيشها، على الرغم من أن راتبه لا يزيد على خمسة وعشرين روبلا بالعملة الروسية في الشهر، وبناء على الميزات التي يتصف بها وطيبته الزائدة، إلّا أنّ مديره والذي يدعى السيد جوليان كان يستغله إلى حد كبير، إذ عهد إليه المزيد من الأعمال الإضافية، وعلى الرغم من أنه لم يدفع له أجر هذه الأعمال الإضافية من قبل ما يقارب على الأربعة شهور، ولكنه كان ينهض بكامل العبء في جد واجتهاد وحماسه، حتى أنه إذا كافئه مديره بخمسين روبلاً فاض قلبه بالشعور بالشكر والامتنان.
وقد كان يفيض قلبه باستمرار بالسعادة العارمة؛ بسبب وجود أحد الأصدقاء إلى جانبه، ذلك الصديق عزيز عليه إلى حد كبير يدعى اركاد، وفي أحد الأيام كان الشاب يحب فتاة إلى حد الجنون، وقد عزم على خطبتها وبالفعل تمت الخطبة، ولكن بعد ذلك تغير به الكثير من الأمور، حيث أنه على الرغم من المكانة التي كان ينعم بها لدى مديره، إلّا أنه كان قلبه الضعيف وقد ناء إليه بحمل كل هذه السعادة، إذ أهمل إنجاز العمل الذي عهد به إليه المدير؛ وقد كان ذلك لأنه قضي كامل أوقات فراغه عند خطيبته، وقد كان ذلك الأمر ما جعله يشعر بالإثم تجاه رئيسه.
ومن هنا بدأ الجنون يستولي عليه شيئاً فشيئاً، كما أصبح يهرب من العمل الذي بات لا يطيق إنجازه، بالإضافة إلى هروبه من الحب الذي يري أنه لا يستحقه، والهروب من الشعور بالإثم، والذي بدوره كان يرهقه أشد الإرهاق، وهنا أبدع الكاتب في تصوير المشهد، حين يصور الشاب البريء المسكين عندما استولى عليه جنونه، حيث كان يجري ريشته بشكل سريع على الورق ولكن دون غط الريشة في الحبر، وأصبح يقلب بالأوراق واحدة تلو الأخرى، إذ بقيت بيضاء لم يخط عليها سطراً واحداً، ظناً منه أنه يعجل بقيامه في العمل، وقد كان مجمل رجاؤه يتخلل في إنجازه للعمل في الموعد المطلوب وتقديمه إلى رئيسه، وقد كان ذلك المشهد مؤثر إلى الحد الذي يكوي النفس حزناً.
وقد ضخّم الشاب المسكين إلى حد كبير خطيئة تقصيره، فشعر في إطار النظام القاسي الذي يسود عهد نيقولا الأول أنه بدأ بارتكاب جريمة التمرد وعدم الخضوع للرؤساء والمسؤولين، وتوقع أن ينزل فيه العقاب الذي ينزل في المجرمين السياسيين، وهو ادخال المجرم إلى الجيش كجندي بسيط لسنوات طويلة، في النهاية تساءلت حشود كبيرة من الأدباء ألا يمكن أن يقال أن الفيلسوف حين صور هذا الفتى الحالم الذي انتهى به إلى الجنون.
كان يعبر عن مخاوفه التي تكن داخله من الوقوع في هوة ذاته في الجنون، وعن الشعور الذي سوف يعقب معاقبته هو أيضاً بالنفي والجندية لمدة عامين، ولكنه تم نفي الكاتب أثناء تواجده في سيبيريا لمدة ما يقارب الأربعة سنوات، ثم بعد ذلك تم تجنيده في الخدمة العسكرية لما يقارب على الأربعة سنوات، لكن بعد إجراء العديد من التوسلات استعاد حقوق النبالة، ولكن مع عدم السماح له بالسفر إلى العاصمتين سانت بطرسبرغ وموسكو.