رواية لم يعد بشريا

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه الرواية من أبرز الروايات العالمية التي صدرت عن الأديب الياباني أوسامو دازاي، وقد تناول من خلال مضمون الرواية الحديث حول شاب قرر في يوم من الأيام أن يؤرخ ويدون مراحل حياته في كتاب مذكرات، وقد عزم على تقسيم تلك المذكرات إلى ثلاثة أجزاء، إلا أنه بدلاً من أن يُظهر الجانب الإيجابي والنظرة الجيدة عن نفسه للمجتمع، قام بتصوير تلك الاضطرابات النفسية التي يعاني منها، بالإضافة إلى إبراز أسوأ الوقائع التي حدثت معه في حياته.

قصة لم يعد بشرياً

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول الشخصية الرئيسية فيها وهو شاب يدعى أوبا، وقد كان ذلك الشاب مما هو معروف عنه من قِبل المحيطين به أنه يعاني من الاضطرابات النفسية، وهذا الأمر قد جعل منه شخص غير قادر على الكشف عن ذاته وشخصيته الحقيقية أمام الآخرين من حوله، وبدلاً من أن يظهر شخصيته الحقيقية اضطر أن يعطي عن نفسه نظرة سيئة للمجتمع من حوله، وتلك النظرة هي عبارة عن تجميعه لنقاط ضعفه وأسوأ ما حدث معه في حياته وسردها على الملأ.

وقد قام الشاب أوبا بتقديم تلك النظرة من خلال تدوينها في مذكرات أرّخ بها كامل تفاصيل حياته التي احتوت على نقاط ضعف، وقد كانت تلك الفترة منذ مرحلة الطفولة حتى أن وصل إلى أواخر سن العشرينات، وقد قدم تلك المذكرات من خلال تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء.

وفي الجزء الأول من الرواية كان يتحدث الشاب عن مرحلة الطفولة البائسة التي عاشها، حيث أنه كان يتغلب عليه الشعور بالغرابة من هذا العالم الجديد الذي جاء إليه، كما أنه كان يلاحظ في فترة من فترات الطفولة أنه لم يكن هناك أي فرد من أفراد العائلة يعتني ويهتم به كما تتم العناية والاهتمام بما هم في مثل عمره، وفي الكثير من الأحيان كان يتوغل داخله شعور أن كل من يحيط به يتسم بالأنانية، وذلك لأنه كان يتوجب عليه أن يقوم بالتهريج والمزاح من أجل أن يلفتوا إليه ويشد انتباههم له، كما أنه ينبغي عليه البقاء إلى جانبهم والحديث معهم مطولاً من أجل أن يتمكن من بناء العلاقات معهم.

وفي لحظة من اللحظات بادر إلى ذهنه تلك الحادثة السيئة التي حدثت معه في الصغر، وقد كانت تلك الحادثة من أسوأ ما تعرض له في حياته، حيث أنه تم الاعتداء عليه لمرتين، والاعتداء الأول كان من قِبل خادم في منزلهم، وفي المرة الثانية تعرض به إلى الاعتداء من قِبل خادمة عملت لديهم لفترة ثم غادرت، وفي تلك الأثناء التي تم الاعتداء عليه بها حاول أن يخبر عائلته أو أن يهم بإخبار الشرطة عن ما حدث معه، إلا أنه بعد أن فكر في الأمر جيداً تيقن أن الموضوع لن يعود عليه بفائدة.

وفي الجزء الثاني من الرواية تطرق الشاب للحديث عن مرحلة التعليم المدرسي، حيث أنه كان هناك من ضمن زملائه في الصف طالب يدعى تاكي تشي، وقد كان زميله ذلك يعلم بسر الاعتداء عليه في الصغر، وفي كل يوم كان يزداد خوف وقلق أوبا بشأن أنه من المحتمل أن يقوم زميله بكشف سره واختراق واجهته التي تبدو مبهجة أمام زملاءه، حيث أن أوبا كان مدرك تماماً أن زميله هذا لا يعرف أن يكون صادق في يوم من الأيام، فكل وعد يقطعه على نفسه لا يوفي به وكل سر يؤتمن عليه يبوح به أمام الجميع.

وفي تلك الأثناء كان أوبا يقوي علاقته بتاكي تشي من أجل أن يبقى تحت أنظاره ولا يفشي سرّه، وبين الحين والآخر كان يقوم أوبا بوضع أمام تاكي تشي مجموعة من اللوحات التي تتضمن صور شبيهه بصور الأشباح تم رسمها من قِبل الفنان أميديو موديلياني، كما كان باستمرار يشرح لزميله أنه من خلال تلك الرسومات ينبغي عليه أن يدرك أن هناك عدد كبير من الفنانين يعبرون عن تلك الحقيقة الداخلية الناتجة عن القسوة البشرية من خلال الصدمات النفسية الخاصة بهم.

وفي تلك المرحلة من حياته قام أوبا برسم أول صورة ذاتية له، وقد استوحاها من صور هؤلاء الفنانين، وقد كانت تلك الصورة مروعة إلى حد كبير لدرجة أنه لم يتجرأ على إظهارها أمام أي شخص على الاطلاق سوى تاكي تشي، والذي بدوره كان يقدر الصورة ويرى أنها تعكس الحياة الاجتماعية المخيفة من وجهة نظره، وهذا ما جعله يهمل دراساته الجامعية، فلم يرغب في أن يخوض تلك الحياة، كما أنه كان قد تأثر بشكل كبير بزميله في صف الرسم والذي يدعى هوريك.

وفي يوم من الأيام بدأ مسار حياة أوبا ينحدر إلى نمط فاسد من شرب الكحوليات والتدخين والعلاقات مع الفتيات، حيث أنه في واحدة من تلك العلاقات، بلغت الحالة النفسية والاضطراب به يصل ذروته إلى أن وصل به الأمر أن يقدم على انتحار مزدوج عن طريق ذرف نفسه مع الفتاة في أحد البحار العميقة، إلا أنه سرعان ما تم إنقاذه من قِبل فرق الإنقاذ، وعلى الرغم من أنه نجا إلا أن الفتاة التي حاولت الانتحار معه قد توفيت، وتلك الحادثة كانت أسوأ ما حصل له في تلك المرحلة وتركت بداخله الشعور المؤلم بالذنب.

وفي الجزء الثالث من المذكرات تم طرد أوبا من الجامعة، وفي تلك الفترة أصبح تحت رعاية أحد أصدقاء العائلة المقربين، وفي يوم من الأيام التقى مع سيدة أرملة لديها طفلة، وقد طلبت منه تلك الأرملة أن يكون الأب البديل لطفلتها، ولكن بعد التفكير في ذلك الأمر جلياً لم يقوى على الاستمرار في العيش معهم، وقد تخلى عن الأرملة وطفلها من أجل أن يقضي بقية حياته مع سيدة صاحبة مقهى، وطوال فترة إقامته مع تلك السيدة حاول أن يتفهم ماذا يعني المجتمع بالنسبة للفرد وبدأ بسؤال نفسه وقال: أهو الهروب من الخوف أم من الإنسانية؟

وبعد مرور فترة قصير ملّ من العيش مع تلك السيدة ودخل في علاقة أخرى مع فتاة تدعى يوشينكو، وقد كانت تلك الفتاة في مقتبل العمر، إلا أنه كان يراها ساذجة؛ وذلك لأنها طلبت منه أن يتوقف عن تناول الكحوليات، وفي النهاية انتهى أوبا من سرد أحداث حياته من وجهة نظر إنسان مراقب محايد، والذي من خلال الثلاثة الأجزاء السابقة رأى ثلاث صور يمكن رسمها لحياة أوبا.


شارك المقالة: