يُعتبر الكاتب والمؤلف إ. م. فورستر وهو من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية من أهم وأبرز الكُتاب الذين برزوا في القرن التاسع عشر، حيث أنه صدر عنه العديد من الأعمال الأدبية المميزة والمتقنة، ومن أبرز أعماله التي لاقت شهرة واسعة حول العالم وحققت نسبة مبيعات عالية هي رواية ممر إلى الهند أو ما كان يطلق عليها في بعض الأحيان عبور إلى الهند، وقد تم العمل على نشرها سنة 1924م.
رواية ممر إلى الهند
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول الشخصية الرئيسية وهي فتاة شابة تدعى أديل، وهي فتاة من دولة بريطانيا تعمل كمعلمة مدرسة، وإحدى صديقاتها التي كانت كبيرة في السن وتدعى السيدة مور، وفي أحد الأيام قررتا إجراء زيارة إلى إحدى المدن الخيالية والتي أطلق عليها اسم مدينة شاندرا ور، وقد تمت الإشارة إلى أن تلك المدينة تابعة إلى دولة الهند التي كانت خاضعة للقوات البريطانية، وفي لحظة ما عبرت أديل عن رغبتها في الزواج من ابن السيدة مور الذي يدعى روني، وهو ما كان يعمل كقاضي في المدينة.
وفي ذلك الوقت ظهر أحد الأطباء والذي يدعى الطبيب عزيز، وهو طبيب من أصول هندية ويعتنق ديانة الإسلام وما زال في مقتبل العمر، وفي إحدى الليالي كان يتناول وجبة العشاء مع اثنين من أصدقائه الهنود ويتحدث حول ما إذا كان من الممكن أن تكون صديقًا لرجل إنجليزي، وأثناء العشاء وصل طلب واستدعاء من شخص يدعى الرائد كالندر، وهو المسؤول عن الطبيب في المستشفى، وقد كان رجل بغيض ومتغطرس، وعلى إثر ذلك الاستدعاء أسرع الطبيب إلى مدينة كما أمره الرائد، لكنه تأخر بسبب وجود ثقب في إطارات السيارة والصعوبة التي واجهها بسبب الازدحام في تلك المدينة، وهنا كان قد غادر الرائد بعد طول انتظار للطبيب.
وفي تلك الأثناء كان الطبيب في حالة بؤس جراء غضب الرائد منه، وبينما كان يسير في الطريق المؤدي إلى إحدى محطات سكك الحديد، رأى أحد المساجد المفضلة وسرعان ما دخل إليه بشغف، وهناك شاهد سيدة إنجليزية غريبة، وإذ به صرخ بها ألا تدنس ذلك المكان المقدس، وقد كانت تلك السيدة هي ذاتها السيدة مور، وهي من السيدات التي تكن كل الاحترام إلى العادات الدينية، ومن هناك توجهت مور إلى النادي البريطاني، وهناك جلست لتتحدث مع ابنها روني حول ما حصل معها، اعتقد في البداية أنها تتحدث عن رجل من أصول إنجليزية، ولكنه حينما عرف الحقيقية شعر بالغضب.
وفي أحد الأيام قدم إلى مملكة بريطانيا مجموعة من الوافدين، وقد عبروا عن رغبتهم في رؤية مجموعة من الهنود، وهنا دعا رجل يدعى تورثون، وهو ما كان يعمل كجابي للضرائب في المدينة، العديد من الرجال الهنود إلى حفلة أقامها في شقته، ولكن في وقت لاحق تبين أن الحفلة كانت عبارة عن حدث محرج؛ وذلك جراء الخجل الذي اعترى الهنود والتعصب الذي ظهر على البريطانيين، وفي ذلك الحفل التقت أديلا مع شخص يدعى سيرتل، وهو ما كان يعمل كمدير لإحدى الكليات الحكومية للهنود، وهنا تتم توجيه دعوة من السيد سيرتل إلى سيدة تدعى عديلة والسيدة مور لحضور حفل الشاي الذي سوف يقيمه، كما تم توجيه دعوة إلى شخص من أتباع ديانة الهندوسية ويدعى براهمة وأستاذ آخر اسمه نارايان تمت دعوته بناء على طلب السيدة عديلة، كما تم توجيه دعوة إلى الطبيب عزيز كذلك.
وفي حفل الشاي قضي الجميع وقت ممتع في الحديث عن جمال المناطق الأثرية في الهند، ومنذ ذلك الوقت أصبح سيرتل والطبيب صديقين مقربين، وفي ذلك الحفل وعد الطبيب السيدة مور وأديل وعديلة بأخذهن برحلة من أجل رؤية مجموعة من الكهوف في مجمع الكهوف البعيد، وحين وصل روني إلى الحفل وجد أديل تجلس بالقرب من الطبيب وبروفيسور يدعى جو دبول، وعلى إثر ذلك المنظر ففكك الحفلة بشكل وقح، وحين جاء موعد رحلة الطبيب والنساء لاكتشاف الكهوف ووصلوا إلى الكهف الأول شعرت مور برهاب وفوبيا من الأماكن المغلقة، لكن الأسوأ من ذلك هو سماع صدى صوت عالي ومزعج، وهنا رفضت مور مواصلة الاستكشاف، بينما استمر كل من عديلة والطبيب وأديل برفقة مرشد وقد صعدوا إلى الكهوف العليا.
وبينما كان يساعد الطبيب أديل للصعود إلى أعلى التل، سألته عما إذا كان لديه أكثر من زوجة، وهنا انصدم من شدة ملاحظتها، ودخلا بعدها إلى الكهف الثاني، وحينما خرج وجد المرشد وحده في الخارج، وقد أشار الدليل أن أديل دخلت الكهف ولم تخرج، ومن هنا هرع الطبيب للبحث عنها ولكن عبثاً، ومن هنا أشار إلى أنها من الممكن أن تكون ضائعة، ولهذا توجه بالضرب للمرشد، وحين نظر الطبيب من حوله شاهد نظارات أديل وقد كانت مكسورة على الأرض، وقد وضعهم في جيبه.
ومن ثم نظر الطبيب إلى أسفل التل وإذ به شاهد أديل تتحدث إلى فتاة إنجليزية تدعى الآنسة ديريك، وفي ذات اللحظة وصل سيرتل في سيارته، وهنا ركض الطبيب إلى أسفل التل، ولكن الآنسات ديريك وأديل اطلقتا بسرعة كبيرة إلى محطة القطار، وفي ذلك الوقت كانت أديل قد أصيب بعدة جروح، وهنا قرر كل من سيرتل والسيدة مور والطبيب العودة إلى مدينة شاندرا ور من خلال رحلة بالقطار.
وعند وصولهم إلى محطة القطار تم إلقاء القبض على الطبيب، وعند إحالته إلى المحكمة ووجهت إليه تهمة الاعتداء على عديلة في إحدى الكهوف، وفي تلك الأثناء كانت الفترة التي سبقت محاكمته تسودها مجموعة من التوترات التي سببتها المناوشات حول العرق بين جموع من البريطانيين والهنود، وفي المحكمة صرحت أديل أنه كذلك حاول الاعتداء عليها والامساك بها مرات عدة، إلا أنها صدته وأنه أثناء ذلك سقطت نظارتها نحوه.
وبالفعل كانت النظارة هي الدليل الوحيد الذي أمسكت به المحكمة البريطانية بحوزة الطبيب، وعلى الرغم من أنه الدليل الوحيد على الجرم، إلا أنه اعتقد المستعمرون البريطانيون أن الطبيب مذنب، واندهشوا من رأي سيرتل حين عبر عن إيمانه ببراءة الطبيب، وعلى إثر ذلك تم إدانة سيرتل بأنه إنسان خائن للدم، ولكن الشعب الهندي اعتبر أن كل الادعاءات والتهم التي تم توجيهها إلى الطبيب ما هو إلى احتيال، وبدأوا يرددون الشعارات بالترحيب بالطبيب.
وأثناء الأسابيع التي كانت تسبق المحاكمة النهائية للطبيب، كانت مور تشعر بشيء من اللامبالاة، كما أنه تم الملاحظة في تلك الفترة بأنها أصبحت سريعة الانفعال، بالرغم من أنها كانت متأكدة ومؤمنة بشكل مطلق من ببراءة الطبيب، إلا أنها لم تقوم بأي شيء من أجل مساعدته، وفي تلك الأثناء كان ابنها روني منزعج من تأكيد والدته مراراً وتكراراً على براءة الطبيب، وقد كان ذلك الأمر قد جعله مرتعب من بقائها لحضور المحاكمة، وقد استعجل في ترتيب أمور عودتها على الفور على متن إحدى السفن إلى دولة إنجلترا؛ وذلك قبل أن تتمكن من الشهادة لصالح الطبيب في المحاكمة.
ومع الوقت أصبحت مور تهتم بالقضايا التي تخص حياتها؛ وذلك لأنها بدأت تشعر بأن صحتها تسوء يوماً بعد يوم، كما أن علاقتها بابنها تصيبها بحالة من التشتت العقلي والذهني، وما لبثت طويلاً على ذلك الوضع الصحي السيء إلى أن توفيت، وقد كان تغيبها عن الهند وعن القضية الرئيسية في المحكمة، من الأمور التي ضرت بالقضية، حيث أكد جموع من المدافعين القانونيين عن الطبيب أن شهادتها كانت أهم دليل على براءة المتهم.
وأثناء المحاكمة اختلطت عديلة في الذنب، وبينما كان يتم توجيه الأسئلة لها حول كيفية الاعتداء عليها، اتضح لدى أديل أنها تعرضت أثناء وجودها في الكهف لصدمة تشبه الصدمة ذاتها التي شعرت بها السيدة مور، حيث أرعبها صدى الصوت العالي إلى درجة أنها أصبحت متوترة نفسياً ومرتبكة، في تلك اللحظة صرحت أديل أنها أخطأت في تفسير ذلك الصدى، إذ اعتقدت أنه اعتداء من الطبيب عليها، وفي النهاية اعترفت بأنها كانت مخطئة ورفضت القضية.