تطور الأدب في عهد بني أمية واتسعت آفاقه وتنوعت مواضيعه وكان مواكبًا للمجريات الجديدة والطوائف السياسية التي دار بينها صراع دامي، دافعت فيه كل فرقة عن ثوابتها بشتى الأساليب، وكان الأدباء أبرز من خاض في هذه الأحداث لعلو شأنهم ومكانتهم المرموقة فتوجهوا للذود عن كل حزب ينتمون إليه ويبكون شهدائه ويثنون على حكامهم، ولقد اتصف أدب كل واحد منهم بسمات خاصة وفي هذا المقال سنوضح خصائص أدب الخوارج في ذاك الوقت.
التعريف بالخوارج ونشأتهم
الخوارج في معاجم اللغة تدل أنه مشتق من الفعل خَرَجَ حيث يدل على النفاذ من الأمر، وذهب العلماء إلى أنهم مجموعة لهم آرائهم وأفكارهم الخاصة التي خالفوا بها ما هو متداول بين الناس.
وقيل بخصوص نشأتهم أنهم ظهروا بعد مصرع عثمان بن عفان وعصوا علي ورفضوا سياسته لكنهم تمادوا في إراقة الدماء وقتل الأرواح وسرقة الأموال، وتحدث عنهم المؤرخ أحمد شبلي: ” لا يكاد الباحث يجد سببًا حقيقيًا جديرًا بأن يدفع الخوارج إلى إراقة الدماء وإزهاق الأرواح وسلب الأموال وقتل النساء والأطفال.”
ولقد عُرف عنهم تهافتِهم في أخذ الثأر وكذلك التكفير والجهل والإغلال في الدين وسوء الظن ويعود سبب ذلك إلى بعدهم عن الإسلام وعدم فهم عقائده، وكانوا في بداية الأمر متحدين لكن سرعان ما دبّ الخلاف بينهم وتفرقوا وعنهم يتحدث الصلت بن مرة:
قل للمحليين قد قرت عيونكم
بفرقة القوم والبغضاء والهزب
كنّا أُناسًا على دينٍ فغيرنا
طول الجدال وخلط الجد باللعب
ما كان أغنى رجالاً ضلّ سعيهم
عن الجدال وأغناهم عن الخطب
للخوارج آرائهم المتعلقة بالحكم ويذهبون إلى أن السيادة حق لكل مسلم لكن عدم تحكيم أحد من بني قريش، ويحدده الرعية مع الاتفاق فيما بينهم بوجوب عزله إذا ظلم وإذا رفض ذلك وجب قتله ويقول عبد الله الراسبي:
نقاتلكم كي تلزموا الحق وحده
ونضربكم حتى يكون لنا الحُكم
فإن ما اصطَلَحنَّا الحقُّ والأمنُ والسلمُ
وإلا فأنَّ المشرفيَّة محزمٍ
بأيدي رجالٍ فيهم الدينُ والعِلمُ
أبرز شعراء الخوارج
1- عمران بن حطان.
2- قطري بن الفجاءة.
3- الطرماح بن حكيم.
4- مالك بن الوضاح.
5- عتبان بن وصيلة الشيباني.
6- شبيل بن عزرة.
7- عبد الله بن وهب الراسبي.
خصائص شعر الخوارج
تفرّد أدب الخوارج بمجموعة من السمات التي ميزته عن غيره ونذكر منها:
1- الحث على التمسك بعقيدتهم: توضح مقطوعاتِهم الدعوة للتَشبث بالثوابتِ التي تدعو لإهمالِ الحياة الفانية من أجل كسب الآخرة، ومن معتقداتهم أن الإنسان إذا فارق الحياة انتَقل إلى سعادة دائمة وأوضحت هذه الفكرة من خلال رثاء الأمهات لأولادهن ومثال عليه ما نظمته أم عمران الراسبي في رثاء ابنها:
الله أيد عِمرانا وطهرَه
وكان عمران يدعو الله في السحر
يدعوه سرًا وإعلانًا ليرزقه
شهادةً بيدي مِلخادةٍ غدر
وَلِيَّ صَحابَتُهُ عَن حَرِّ مَلحَمَةٍ
وَشَدَّ عِمرانُ كَالضَرغامَةِ الهَصَرِ
2- الزهد: عرف عن أدب الخوارج أنه كثير الحث على الزهد وإهمال الحياة والعزوف عن ملذاتها ويصفونها بأنها نقيصة وينشد الصحاري بن شبيب:
إنني شارٍ بنفسي لربي
تاركٌ قيل لديهم وقالا
بائعٌ أهلي ومالي أرجو
في جنان الخلد أهلاً ومالا
ونظم المرادي في ذلك أيضًا:
يا نفس قد طال في الدنيا مراوغتي
لا تأمنن لصرف الدهر تنغيصا
إني لبائعٌ ما يفنى لباقية
إن لم يَعُقني رجاء العيش تربيصا
وأسأل الله بيع النفس مُحتسبًا
حتى ألاقي في الفردوس حُرقوصا
3- قوة ومتانة الأسلوب: عُرف الخوارج بمتانة أسلوبهم الأدبي بجميع أشكاله.
4- التفرد بالموضوع: تفرد أدب هذه الفرق بطابع خاص والغرض الرئيسي في مقطوعاتِهم الحماسة واختفت لديهم ظاهرة الغزل في مقدمة قصائدهم.
5- انتشار المفردات الغريبة واتباع النمط الجاهلي.
6- خلو أسلوبِهم الأدبي من الصور والمحسنات ويرجع سبب ذلك إلى نظم أكثر مقطوعاتِهم في ساحات الوغى فلم يتسنى لهم فرصة الاعتناء بالصور والمتمعن في مقطوعاتِهم يلحظ الأثر البدوي ومثال عليه قول الطرماح:
ذكرى هوى أضمرته القلو
ب بين النوائط والجائحه
ظعائن شِمن قريح الخريف
من الأنجم الفرُغ والذابحه
7- بروز عصبيتهم القبلية من خلال أبياتهم حيث يتوجهون إلى الثناء على رؤسائهم وإعلاء مكانتهم ومثال عليه مدح الطرماح الأزدي:
أيزيدُ يا ابن درا الحواصن
والعقائل للقبائل
وابن المتوج المتوج
والحلاحيل للحُلاحل
نماذج على شعر الخوارج
قول البهلول بن بشر الشيباني:
من كان يكره من يلقى
منيته فالموت أشهى
إلى قلبي من العسل
فلا التقدُّم في الهجاء
يجعلني ولا الحِذارُ
يُنجيني من الأجل
أبيات القطري بن الفجاءة:
لا يركننْ أحدٌ إلى الإحجام
يوم الوغى مُتخوّفًا لحمام
فلقد أراني للرماح دريئةً
من عن يميني تارةً وأمامي
حتى خضبت بما تحدَّر من دمي
أكناف سرجي أو عنان لِجامِ
أبيات معاذ بن جوين:
ألا أيها الشارون قد حان لامرئٍ
شَرَى نفسهُ لله أن يترحلا
أقمتم بدار الخاطئين جهالةً
وكلُّ امرئ منكم يُصاد ليقتلا
فشدوا على القوم العُداة فإنما
إقامتكم للذبح رأيًا مضّلا
ألا فاقصدوا يا قوم للغاية التي
إذا ذُكرت كانت أبرَّ وأعدلا
وفي النهاية نستنتج إن أدب الخوارج قد تفرد بعدة سمات جعلته يتميز عن باقي الآداب وقد توجهوا إلى تضمين آرائهم وعقيدتهم من خلال مقطوعاتِهم التي نظمت من أجل الحماسة، وقد برز العديد من رواد الكلام المنظوم في حزب الخوارج نذكر منهم الطرماح وبن فجاءة وغيرهم الكثير.