شرح الصدر علامة لسعة الضيق.

اقرأ في هذا المقال


الاية:

﴿أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ (١) وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ (٢) ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ (٣) وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرًا (٥) إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرࣰا (٦) فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ (٧) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب (٨)﴾ [الشرح ١-٨]

نزلت هذه السورة في عسر وضيق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مهموماً، ولم يكن هذا نادراً ولا غريباً لمثله عليه الصلاة والسلام، ولمهمته، ومقاصده، وعظمته، وقد حدّث القرآن عن همه كثيراً فقال ﴿لَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ أَلَّا یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ﴾ [الشعراء ٣]،فنزلت السورة تخفف عنه بعض ما يجده وتنفّس عنه كربته، وتذكره من نعم الله سبحانه عليه الدائمة الباقية إلى يوم القيامة العظيمة الجليلة ما ينسيه بعض همومه العارضة الزائلة، وإليه إشارة في قوله (فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرًا ،إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرࣰا) الاستفهام الذي يستخدم للتقرير.

ويظهر أنَّها نالت بعد نجاح وتوفيق وإعانة من الله سبحانه، فقد قال (وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ ، ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ) .

شرح الصدر: توسيعه وبسطه وتفسيحه، وهو من الكلمات البالغة الوجدانية الذوقية التي يصعب ترجمتها وتفسيرها، قال تعالى ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر ٢٢] .

وقد أورد بعض المفسرين في تفسير هذه الآية قصة شق الملائكة صدر النبي صلى الله عليه وسلم وغسلهم إياه وحشوه إيماناً وحكمة ونوراً وطمأنينة ثمَّ خيطَ، ولكنَّ ظاهر الآية لا يشير إليها، فقد صرّح بذلك بعض المحدثين، إلا أنّه لا يبعد عقلاً أن يكون شرحاً حِسياً أخصّ بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وقد أكمل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم شرح الصدر إذ لا يتأتّى عمل جليل في الدنيا بدون انشراح الصدر والإيمان الراسخ والاعتقاد الجازم واليقين الكامل وقوة القلب والثقة بالمبدأ.

والمقصود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرّة العين وحياة الروح، وأكمل الخلق متابعة له أكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال، فهو في ذروة الكمال من شرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه، والله المستعان)

وتفقد بعد ذلك سيرته في القرآن والحديث والتاريخ، تجد هذه الأشراط والصفات فيه بكمالها وتمامها، فهو الموحد الأول والموحد الأكبر، وكان دائم الذكر، يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وكان لا يزال لسانه رطباً بذكراالله، وكانوا يعدون له في المجلس الواحد مائة مرّة ( رب اغفر لي وتب علي إنّك أنت التواب الرحيم) ويقول ( تنام عيني ولا ينام قلبي).

وأمّا الإحسان فحسبك به أنّه هو المنقذ الأكبر والمحسن الأعظم للنوع الإنساني كافة، وأمّا جوده وسخاؤه وإحسانه إلى الناس، فقد كان أعلن أنّ من مات من المسلمين وعليه دين فهو عليه يقضية عنه، ومن مات وترك مالاً فهو لورثته.

(وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ ،ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ) معلوم أنّ مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العالم – كانت مهمة لم يعرف تاريخ الإنسان وتاريخ الإصلاح مهمة أجلَّ  وأكثر خطباً منه، فإنّه كان يقصد تبديل الأرض غير الأرض.

بل نقل الجبال من مكانها، وصرف البحار عن مجاريها لأهون بكثير من زعزعة الأمم من عقائدها، وعوائدها، وتقاليدها التي ورثتها عن آبائها، ونشأت عليها وتربت، وتعضّ عليها بالنواجذ، وتقاتل دونها موصّدة باب التفكير ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُوا۟ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ﴾ [المائدة ١٠٤] .

ولم تكن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم الهدم فقط بل مهمته البناء أيضاً، فكان يهدم من الأساس ويبني من الرأس، فغسلهم أولاً ثم صبغهم، والذي يعرف عدد المسلمين وهو يبلغ خمس عمران العالم لا يكاد يتصور ما كان يعاني الرسول عليه الصلاة والسلام في إسلام فرد من المشقة، وما كان يلقي من المطاردة والجفاء، فذلك هو الحمل الذي أنقض ظهره، وأكثر همّه، ونغّص عيشة، ومنعه من نومه وطعامه وشرابه.

(وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ) هذه نبوءة من نبوءات القرآن الباهرة المعجزة التي تدعو كل منصف ومطلع على التاريخ وسيرة عظماء البشر إلى الإيمان به، ونحن نشاهد أنّه يشاطر اسمه والشهادة برسالته كلمة الإسلام، ويعلن باسمه ويجهر عشر مرات (مرتين في كل أذان).


شارك المقالة: