هاجر الأدباء والشعراء العرب من بلادهم هربًا من الظلم العثماني الذي طغى واستباح الأوطان ونشر الظلم والفساد في جميع البلاد، فهاجروا من البلاد بحثًا عن الرزق الذي قلَّ في أوطانهم، وبحثًا عن الاستقرار والأمن والأمان في بلاد المنفى، وبرز العديد من الشعراء الذين تميزوا بما نظموا من أشعار في جميع المجالات والأغراض.
أبرز شعراء المهجر
قام شعراء المنفى على إنشاء رابطتين في بلاد المهجر، كما برز في الرابطة عدد من الشعراء العرب المميزين وهما:
1- الرابطة القلمية: أُسست هذه الرابطة في أمريكا الشمالية وترأسها الشاعر اللبناني الشهير جبران خليل جبران، وكان يضم نخبة مميزة من الشعراء العرب مثل ميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، وإيليا أبو ماضي، ونعمة الحاج، وغيرهم الكثير من الشعراء.
وكان اتجاه هذه الرابطة الأدبي يبحث ما وراء الأشياء ولم يكتفي بالقشور في الأشعار، وكان رأيهم في الشعر مميزًا حيث قالوا: ” لله كنوز تحت العرش مفاتيحها السنة الشعراء.” ولم تعش الرابطة القلمية مدة طويلة ولكن كان لها أثر عميق في مجال الثقافة والأدب والنقد كذلك.
2- العصبة الأندلسية: أسست هذه العصبة في أمريكا الجنوبية وترأسها ميشال المعلوف ومن أعضائها البارزين هم: نظير زيتون، جورج معلوف، شكر الله الجر، حبيب مسعود، قيصر الجوري، شفيق معلوف، جورج معلوف، يوسف غانم، وغيرهم الكثير من الشعراء، كان القصد من تأسيس هذه العصبة نهضة الشعر العربي وإعادة المجد له في دول المهجر.
نبذة عن حياة شعراء المهجر
1- إيليا أبو ماضي: رأى الحياة في قرية المحيدثة من أسرة فقيرة كانت تعمل في إنتاج دودة القز، قضى الشاعر طفولته في قريته التي كانت تتمتع ببيئة جميلة، فنمت في أعماقه مشاعر الجمال التي كانت سبب ظهور الطابع الرومانسي في أشعاره فيما بعد.
ويعد إيليا من أبرز شعراء الرابطة القلمية في المنفى الشمالي حيث تميز بحنيته الجياشة لوطنه لبنان، وَكان عنده دائمًا نظرة أمل وتفاؤل بإصلاح بلاده لبنان وتحسن الأحوال والظروف فيها، وكان يظهر في أشعاره الطابع الإنساني والقيم المجتمعية كذلك.
تأثر شعر أبو ماضي بالعديد من العوامل ومن أهم هذه العوامل تعلقه وعشقه للبيئة، فكانت روعة البيئة تظهر على أشعاره بشكل كبير، ولن ننسى رومانسية الشاعر أبو ماضي التي تمثلت بشوقه لبلده وكان المتلقي ينجذب بشدة لشعره من شدة رومانسيته وذوبان الآهات فيها وَانصهار أفئدة العشاق وَالمشتاقين، وبرز له العديد من الدواوين مثل ” الخمائل” “وَديوانه الجداول” ” تذكار الماضي.” من أشهر أبيات إيليا أبو ماضي:
كم تشتكي وتقول إنك معدم
والأرض ملكك والسما والأنجم
ولك الحقول وزهرها ونخيلها
ونسيمها والبلبل المترنم
والماء حولك فضة رقراقة
والشمس فوقك عسجد يتضرم
والنور يبني في السفوح وفي الذرا
دوراً مزخرفة وحينا يهدم
هشت لك الدنيا فمالك واجماً؟
وتبسمت فعلام لا تتبسم؟
إن كنت مكتئباً لعز قد مضى
هيهات يرجعه إليك تندُم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة
هيهات يمنع أن تحل تجهم
أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل
شاخ الزمان فإنه لا يهرم
انظر فما زالت تطل من الثرى
صور تكاد لحسنها تتكلم
2-ميخائيل نعيمة: ولد الشاعر في جبل صنين الواقع في بلده لبنان، وكان ناقد مشهور وله الكثير من المؤلفات في جميع اللغات العربية وكذلك الإنجليزية والروسية، وكان له منزلة عالية في عالم الأدب العربي، وكان كثير الغزل حيث يتغزل بالقرب من الشلال ويبدأ بالتفكير بمؤلفاته، ويفكر بطبيعة التآلف بين الطبيعة والإنسان، وكان يسمى بِناسك الشخروب.
وكان لِميخائيل الكثير من المؤلفات المهمة مثل همس الجفون، واليوم الأخضر، وفي مهب الريح، وكان يا مكان، وهوامش زاد المعاد، وغيره الكثير من ذلك، من أبرز أشعار ميخائيل نعيمة:
يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخرير؟
أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير؟
بالأمسِ كنتَ مرنمًا بين الحدائقِ والزهور
تتلو على الدنيا وما فيها أحاديثَ الدهور
بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريق
واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميق
بالأمس كنتَ إذا أتيتُكَ باكيًا سلَّيْتَنـي
واليومَ صرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكا أبكيتني
وكذلك من أبياته:
نَتَمَنّى وفي التّمني شقاءُ
وننادي يا ليتَ كانوا و كُنّا
ونُصلّي وفي سِرّنا الأماني
والأماني في الجَهْرِ يَضْحَكْنَ مِنَّا
غير أَنّي وإن كَرَهتُ التَمَنّي
أتمنّى لو كُنْتُ لا أَتَمَنّى
3- جبران خليل جبران: رأى الحياة في قرية بشرّى وترعرع في عائلة محافظة، عاش جبران في حياة متعددة المراحل التي ساعدت في تطور شخصيته، ومن هذه المراحل السفر إلى بوسطن مجبرًا بسبب اتهام والده بتهمة الاختلاس، ومن بعدها مرحلة العودة إلى الوطن حيث كان الشاعر كثير الشوق والحنين إلى وطنه لبنان، وبعدها إلى مدينة بوسطن.
وقام جبران بإنشاء الرابطة القلمية في دول المنفى الشمالي، وله العديد من المؤلفات المهمة مثل: دمعة وابتسامة، وَالأرواح الممتدة والعواصف، وكانت مؤلفات عربية وأما مؤلفاته التي كانت بالإنجليزية مثل المجنون، ورمل وزبد، وكذلك حديقة النبي ومن أشهر أشعار جبران خليل جبران:
أيقر همتك البعيدة
أن تبلغ الدنيا الجديدة
يا ناشد للعلم تضرب
في البلاد لتستفيده
أحسنت يا زين الإمارة
هكذا الشيم الحميدة
يا ليت للأجيال أجمع
مثل خطتك الرشيدة
لو أنهم فعلوا لعاد
الشرق سيرته العهيده
شقيق عباس العزيز
ركن دولته الوطيدة
لا غرو أن سرت أما
ريكا بزورتك الفريده
4- شفيق المعلوف: هو أشهر شعراء المنفى أيضًا من المؤسسين للعصبة الأندلسية في أمريكا الجنوبية، ولد في قرية زحلة عام 1905 وتلقى تعليمه في الكلية الشرقية وترأس تحرير جريدة ألف باء في مدينة دمشق، كما حرر زاوية “مباءة نحل” يوقعها مرةٍ بإمضاء “زحلة” ومرةً بإمضاء “فتى غسان” ثم انتقل إلى أمريكا الحنوبية ومن أشهر أبياته الشعرية:
أيُّ صوتٍ أدعى غداة التنادي
من نداء الأكباد للأكبادِ
نشِط الشوقُ للإياب ونادى
باسم لبنان في الضلوع مُنادِ
صدقت ذمَّة الزمان فعدنا
ننفضُ الجمرَ من خلال الرَّمادِ
قرُبَ الشطُّ فليُقلَّكَ بين ال
موجِ والشوقِ هودجٌ متهادِ
هاك ملهى الصِّبا، فيا قلب لملم
ذكرياتي على ضفاف الوادي
موطني، ما رشفت وِرْدكَ إلا
عاد عنه فمي بحُرقةِ صادِ
في قلوب المغربين جراحٌ
حملوها على الجباه الجعادِ
وفي النهاية نستنتج أن الشعراء العرب هاجروا من بلادهم هربًا من الظلم العثماني الذي استباح الأوطان، وَقد برز نخبة من الشعراء في دول المهجر وسطع نجمهم في العديد من الأغراض الشعرية التي واكبت مجريات الحياة.