شعر وصف الطبيعة في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


تعد البيئة في جميع العصور القديمة والحديثة هي الملهم الرئيسي في الأدب، رسم الأدباء بألوانها اللغوية أروع التعابير والرسومات لِتضاريس البيئة بجميع أشكالها، ورأينا ذلك واضحًا في رسومات أدباء بني أمية الذين تعلقوا بالصحاري، وكذلك البيئة الحديثة، وفي هذا المقال سنتناول وصف البيئة في الأدب الأموي بالتوضيح.

شعر وصف الطبيعة في العصر الأموي

تبدلت الحياة في هذه الفترة واستقرت الأوضاع مما أدى ذلك إلى تطور الأدب بجميع الأشكال، وخصوصًا في الشعر حيث نلحظ اختفاء أغلب الأساليب التي كانت مستخدمة في السابق.

وشحذت البيئة في هذا العصر قرائح الشعراء حيث نراه يواصل الدرب الذي سلكه السابقين حيث دمجوا في بداية أشعارهم بين البيئة والمرأة، فنرَاهم يذكرون الدمن ويتغزَلون بالمحبوبة قبل الولوج إلى الموضوع الرئيسي.

بعد الوقوف بالدِمن ينتقل بالكلام عن كل ما يراه حوله مصورًا كل مواطن الجمال والإبداع فيها وكانت البيئة في هذه العصر متقدمة واضحة المعالم، ولكن ضل شعرائها متعلقين بالصحاري وكانت هي الملهمة لهم.

مظاهر شعر الطبيعة في العصر الأموي

1- الدمن والتضاريس الجغرافية: استهل أهل الكلام المنظوم في هذا العصر أشعارهم بذكر الدمن وذلك يعد إرث قديم مقدس لديهم يهتمون به حيث تحدثوا مع هذه الدِمن وبثوا أحزانهم لها.

بسبب ارتحال النظام الأموي من الحجاز إلى الشام تغيرت ملامح هذه الدمن حيث كانت على عكس دِمن الحجاز الصحراوية، حيث كانت خضراء خلابة تشبه الجنان بكثرة البساتين والمياه فيها وأنشد الأخطل:

 مَنازِلُ أَقفَرَت مِن أُمِّ عَمرٍ

يَظَلُّ سَرابُها فيها يَجولُ

شَآمِيَةُ المَحَلِّ وَقَد أَراها

تَعومُ لَها بِذي خِيَمٍ حُمولُ

وَلَو تَأتي الفَراشَةَ وَالحُبَيّا

إِذاً كادَت تُكَلِّمُكَ الطُلولُ

عَنِ العَهدِ القَديمِ وَما عَفاها

بَوارِحُ يَختَلِفنَ وَلا سُيولُ

2- الرحلة: كما توجه أهل الشعر إلى ذكر الرحلة التي ينطلِقون بها حتى يصلوا إلى ممدوحهم أو التكلم عن مغامرتهم التي يخوضها حتى يصل إلى مكان محبوبته، ويذكر الموقع الذي تقطن به تلك المحبوبة واصفًا ديارها بكل تفاصيله ومثال على ذلك حديث القطامي عن مكان محبوبته:

فَهُن معترضاتٌ والحصى رَمِضٌ

والرِّيحُ ساكِنةٌ والظِلُّ مُعتَدِلُ

يَتبَعنَ ساميةَ العينينِ تحسَبُها

مَجنونةً أَو ترى مالا ترى الابل

لما وَرَدنَ نَبِيّاً واستتبَّ بها

مُسحَنفِرٌ كخطوطِ السِّيحِ مُنسَحِلُ

على مَكانٍ غِشاشٍ ما يُقيم به

إِلاَّ مغيِّرُنا والمُستقي العَجِلُ

3- الصحاري: كما نشاهد الصحاري بكل ما تحتويه تستحوذ على قلوب الشعراء في هذه الفترة، فنراهم يصورونها بأجمل الصور، كما يتحدثون عن خوفهم من مخاطرها ويتباهون إذا سلكوها، ومن الشعراء الذين تكلموا عن ذلك الأحوص حيث نظم:

وشاقك الموقر أهل خاخ 

فلا أمم هناك ولا قريب

 وكم لك من دونها عرض أرض

 كأن أسرابها الجاري سبيب

4- الجبال: ونرى شعراء الأمويين يتأقلمون مع البيئة الجديدة التي جاءوا إليها في بلاد الشام حيث كانت مغايرة عن البيئة الحجازية الصحراوية، فَنراهم يتحدثون عن جمال التلال والجبال في هذه البيئة الجديدة، ويقول العاملي في وصف جبال بلاد الشام:

مِن كُلِّ أَبهَمَ يَكسو الثَلجُ ذِروَتَهُ

حَتّى فَشا وَبَدا في الصَيفِ عُريانا

صَعبُ الشَواهِقِ مُغبَرٌّ بِناكِبِهِ

تَرى بِهِ المُعفَراتِ العُصمَ أَخدانا

بِهِ كُلومُ صَوافيرٍ مُذَكَّرَةٍ

تَرُنُّ مِنهُ ضَواحي الصَخرَ إِرنانا

بَنوا قَناطِرَهُ حَتّى إِذا جَعَلوا

لَهُ مِنَ الجَندَلِ العادِيِّ أَركانا

فَأَحسَنَ الصُنعَ بَنّاءوكَ وَاِرتَفَعوا

فَوقَ الَّذينَ تَغَنّوا فيهِ أَزمانا

البيئة في بلاد الشام مختلفة عن الصحاري التي عاش فيها الشعراء في البلاد الأخرى، فهي تعج بالجمال فنرى الجبال والأشجار والأغصان المتمايلة والقطوف الدانية، وَالأطيار تصدح في الرياض تشدو بأجمل الألحان، مما أثرى ملكة الشعر عند أهلها ومنهم جرير الذي أنشد:

بِها الزَيتونُ في غَلَلٍ وَمالَت

عَناقيدُ الكُرومِ فَهُنَّ سودُ

فَتَمَّت في الهَنيءِ جِنانُ دُنيا

فَقالَ الحاسِدونَ هِيَ الخُلودُ

يَعَضّونَ الأَنامِلَ إِن رَأوها

بَساتيناً يُؤازِرُها الحَصيدُ

وَمِن أَزواجِ فاكِهَةٍ وَنَخلٍ

يَكونُ بِحَملِهِ طَلعٌ نَضيدُ

تَهَنَّأَ لِلخَليفَةِ كُلُّ نَصرٍ

وَعافِيَةٍ يَجيءُ بِها البَريدُ

رَضينا أَنَّ سَيبَكَ ذو فُضولٍ

وَأَنَّكَ عَن مَحارِمَنا تَذودُ

وَأَنَّكُمُ الحُماةُ بِكُلِّ ثَغرٍ

إِذا اِبتَلَّت مِنَ العَرَقِ اللُبودُ

5- النجوم اللامعة: ينتقل الشاعر الأموي محلقًا في سماء بلاده في هذه الفترة فنراه يصور لنا نجومها التي تزين السماء وكيف يبثها أحزانه في عتمة الليل أمثال أرطأة حيث يقول:

ولاح سهيل عن يمين كأنه

شهاب نحاها وجهة الريح قابس

6- الحيوانات: تناول أهل الشعر في هذه الفترة الحيوانات التي تعيش حوله في هذه البيئة الرائعة وبرز منهم أبو دهبل الذي وصف القطا حيث قال:

لَعَلَّكَ أَن تَلقى مُحِبّاً فَتَشتَفي

بِرُؤيَةِ رِئمٍ بَضَّةِ المُتَجَرَّدِ

بِلادَ العُدى لَم تَأتِها غَيرَ أَنَّها

بِهاهَمُّ نَفسي مِن تَهامٍ وَمُنجِدِ

وَما جَعَلَت ما بَينَ مَكَّةَ ناقَتي

إِلى المِركِ إِلّا نَومَةَ المُتَجَهِّدِ

وَكادَت قُبَيلَ الصُبحِ تَنبِذُ رَحلَها

بِذَروَةَ مِن لَغطِ القَطا المُتَبَدِّدِ

فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَها

سِوى ذِكرِها كَالقابِضِ الماءَ بِاليَدِ

7– المياه والأنهار: تحدث الشاعر الأموي عن الأنهار الموجودة في بلاد الشام، حيث كانت وفيرة الأنهار والجداول، ونذكر منهم جرير حيث قال:

لا وِردَ لِلقَومِ إِن لَم يَعزِفوا بَرَدى

إِذا تَجَوَّبَ عَن أَعناقِها السَدَفُ

صَبَّحنَ توماءَ وَالناقوسُ يَقرَعُهُ

قَسُّ النَصارى حَراجيجاً بِنا تَجِفُ

يا اِبنَ الأَرومِ وَفي الأَعياصِ مَنبِتُها

لا قادِحٌ يَرتَقي فيها وَلا قَصَفُ

إِنّي لَزائِرُكُم وُدّاً وَتَكرِمَةً

حَتّى يُقارِبُ قَيدَ المَكبِرِ الرَسَفُ

أَرجو الفَواضِلَ إِنَّ اللَهَ فَضَّلَكُم

يا قَبلَ نَفسِكَ لاقي نَفسِيَ التَلَفُ

ما مَن جَفانا إِذا حاجاتُنا نَزَلَت

كَمَن لَنا عِندَهُ التَكريمُ وَاللَطَفُ

وقول الفرزدق واصفًا الثلج الذي تساقط أثناء رحلة له:

مُستَقبِلينَ شَمالَ الشَأمِ تَضرِبُنا

بِحاصِبٍ كَنَديفِ القُطنِ مَنثورِ

عَلى عَمائِمِنا يُلقى وَأَرحُلِنا

عَلى زَواحِفَ نُزجيها مَحاسيرِ

إِنّي وَإِيّاكِ إِن بَلَّغنَ أَرحُلَنا

كَمَن بَواديهِ بَعدَ المَحلِ مَمطورِ

وَفي يَمينِكَ سَيفُ اللَهِ قَد نُصِرَت

عَلى العَدُوِّ وَرِزقٌ غَيرُ مَحظورِ

وَقَد بَسَطتَ يَداً بَيضاءَ طَيِّبَةً

لِلناسِ مِنكَ بِفَيضٍ غَيرِ مَنزورِ

8- الزرعِ والأشجار: حيث كانت البيئة الشامية مليئة بأنواع الزرع والثمار التي نمت في الرياض والبساتين وعلى ضفاف الأنهار ونرى هشام بن عبد الملك يتحدثون عن ذلك:

شَقَقتَ مِنَ الفُراتِ مُبارَكاتٍ

جَوارِيَ قَد بَلَغنَ كَما تُريدُ

وَسُخِّرَتِ الجِبالُ وَكُنَّ خُرساً

يُقَطَّعُ في مَناكِبِها الحَديدُ

بَلَغتَ مِنَ الهَنيءِ فَقُلتَ شُكراً

هُناكَ وَسُهَّلَ الجَبَلُ الصَلودُ

بِها الزَيتونُ في غَلَلٍ وَمالَت

عَناقيدُ الكُرومِ فَهُنَّ سودُ

فَتَمَّت في الهَنيءِ جِنانُ دُنيا

فَقالَ الحاسِدونَ هِيَ الخُلودُ

يَعَضّونَ الأَنامِلَ إِن رَأوها

بَساتيناً يُؤازِرُها الحَصيدُ

خصائص شعر وصف الطبيعة في العصر الأموي

1- التعلقِ بالطبيعة: حيث تعلقوا بالصحاري الحجازية على الرغم من انتقالِهم إلى بلاد الشام التي تعبر جنة على الأرض، كما تأثروا بجمال البيئة في بلاد الشام وتحدثوا عنها.

2- وصف مظاهر البيئة بأروع الصور واصِفين جميع التضاريس الخلابة.

3- الدمج بين البيئة والمرأة فيبدأ الشاعر أشعارهم بالوقوف على الدمن وذكر المحبوبة.

4- قوة الملاحظة والتحليق في عالم الخيال في ذكر هذه البيئة والحياة فيها.

5- الدمج في قصائد وصف البيئة أغراض أخرى مثل الغزل، والعتاب.

وفي النهاية نستنتج أن قصائد البيئة في هذه الوقت قد ازدهرت ونرى أهل الشعر تعلقوا بالصحراء التي ترعرع فيها في الحجاز، كما تأثر بما رآه من تضاريس في بلاد الشام بعد انتقال الحكم الأموي إليها، فنراه يصف الجبال والأنهار والسماء وكل شيء يراه أمامه.

المصدر: في الأدب العباسي تأليف محمد مهدي البصير 2020تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي تأليف السباعي بيومي 2020أدب السياسة في العصر الأموي 2020شعر من المهجر تأليف محمد قرة علي 2018الأدب في العصر الجاهلي 2014


شارك المقالة: