لقد قام الشعر الجاهلي بالمساعدة للوصول إلى الكثير من مظاهر الفكر والأدب، ومن أهمها استعمال الكتابة من قبل العرب في الجاهلية وظهورها عندهم.
شيوع الكتابة في الشعر الجاهلي
كان هناك حديث كثير عن الكتابة واستخدامها في العصر الجاهلي من قبل العرب وهل كانوا فعلاً يعرفونها أم لا، وهناك دلائل قوية في الشعر الجاهلي أثبتت ذلك.
ومن الدلائل على معرفة الكتابة في الجاهلية ما جاء في اجتماع الأنصار وقيامهم بهجاء النجاشي، وفي قصة طرفة بن العبد والمتلمس وصحيفتهما، وفي القصة أن المتلمس مر على فتى وأراه صحيفته وهذا دليل على وجود الكتابة في قول المتلمس الضبعي:
“وَأَلقَيتُها في الثِنيِ مِن جَنبِ كافِرٍ
كَذلِكَ أَقنو كُلَّ قِطٍّ مُضَلِّلِ
رَمَيتُ بِها حَتّى رَأيتُ مِدادَها
يَطوفُ بِها التَيّارُ في كُلِّ جَدوَلِ“
ومن الأدلة أيضاً ما ورد في الشعر الجاهلي في تشبيه الدار والقوم بأنهم صحف الكتاب بعد رحيلهم عند الديار، ومن الأمثلة على ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
“لِمَنِ الدِيارُ غَشِيتُها بِسُحامِ
فَعَمايَتَينِ فَهُضبُ ذي أَقدامِ
فَصَفا الأَطيطِ فَصاحَتَينِ فَغاضِرٍ
تَمشي النِعاجُ بِها مَعَ الآرامِ
دارٌ لِهِندٍ وَالرَبابِ وَفَرتَنى
وَلَميسَ قَبلَ حَوادِثِ الأَيّامِ
عوجا عَلى الطَلَلِ المَحيلِ لِأَنَنا
نَبكي الدِيارَ كَما بَكى اِبنُ خِذامِ”
وأيضاً قول ابن مقبل يقوم بتشبيه الديار بالسطور:
“أَلاَ يَا لَقَوْمٍ لِلِّديَارِ بِبَدْوَةٍ
وأَنَّى مِرَاحُ المَرْءِ والشَّيْبُ شَامِلُهْ
ولِلدَّارِ مِنْ جَنْبَيْ قَرَوْرَى كَأَنَّهَا
وُحِيُّ كِتَابٍ أَتْبَعْتْهُ أَنَامِلُهْ
صَحَا القَلْبُ عَنْ أَهْلِ الرِّكاءِ وفَاتَهُ
عَلَى مَأْسَلٍ خِلاَّنُهُ وحَلاَئِلُهْ”
وكذلك في شعر معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب:
“فإنّ لها منازل خاويات … على نملى وقفت بها الركابا
من الأجزاع أسفل من نميل … كما رجعت بالقلم الكتابا
كتاب محبر هاج بصير … ينمقه وحاذر أن يعابا”