صدى الغزو المغولي في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميز الأدب العربي في الأندلس بطابعه الخاص، وكان له وقع مؤثر في النفوس، لقد خاض الأدب والشعر الأندلسي العديد من المعارك والفتوحات، ونتيجة لعدة عوامل أدت إلى استحداث أنواع جديدة في شعر شعراء الأندلس، فقد ظهر ما يسمى بشعر الجهاد وأيضًا شعر الاستغاثة والاستصراخ، لطلب العون والنجدة من الظلم والاضطهاد الذي حلَّ في بلاد الأندلس، وسنتناول في هذا المقال صدى الغزو المغولي وأثره على الشعر الأندلسي.

صدى الغزو المغولي في الشعر

سيطر المغول على العالم الإسلامي قبل انتهاء الحروب الصليبية، وتمكنوا من القضاء على الخلافة العباسية ودمروا عاصمتها بغداد، ودمروا البلاد وعاثوا في الأرض فسادًا وقتل ودمار لديارهم، حتى أنهم أحرقوا المكتبات والكتب.

عاش الشعراء مع هذه الأحداث وأخذوا بتصوير هذه الأحداث وتحدثوا عن البطولات التي قام بها قادة المسلمين في هذه الحروب، والإشادة بشجاعتهم وقاموا برثاء الشهداء منهم، ولقد تضمنت أشعارهم على العديد من المواضيع والأحداث المهمة التي جرت في ذلك الوقت.

مضامين الشعر التي تناولها الشعراء في شعر الجهاد

1- صوروا سقوط المدن الأندلسية: سقطت العديد من مدن الأندلس في يد الغزو المغولي، وكان لسقوط هذه المدن أثر كبير في نفوس شعراء الأندلس، فكان سقوطها حدث جلل ووقع مؤلم في نفوس الجميع، ونظموا الشعر والمراثي التي تشيع الأسى في النفوس وتثير الشجن، ومن ذلك الشعر مرثية أندلسية قيلت في رثاء أشبيلية وأميرها بن عبادة، والتي نظمها أبي بكر بن عبد الصمد وقال فيها:

ملك الملوك أسامع في نادى

أم قد عدتك عن السماع عوادي

لما خلت منك القصور ولم تكن

فيها كما قد كنت في الأعياد

أقبلت في هذا الثري للك خاضعا

وتخذت قبرك موضع الإنشاد

أيضًا قصيدة نونية أبي البقاء الرندي التي رثى فيها الأندلس عامة، ولم يخص مدنًا وممالك بحد ذاتها، وفي هذه النونية يصور الشاعر ما حلَّ بالأندلس من دمار وويلات لا عزاء فيها، حيث يقول فيها:

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغرَّ بطيب العيش إِنسان

هي الأمور كما شاهدتها دولٌ

من سرهُ زمن ساءته أزمانُ

وهذه الدّار لا تبقي على أحدٍ

ولا يدوم على حال لها شانُ

2- تسجيل الانتصارات: كانت معركة عين جالوت بقيادة السلطان القائد قطز بداية لتحرر والتحرير للبلاد الإسلامية من المغول، ودخل السلطان قطز إلى دمشق في موكب مهيب، وكان لهذا أثر عظيم في نفوس المسلمين، وكذلك في نفوس الشعراء، قد تأثر الشعراء بالانتصارات التي حدثت وكانت تبث في نفوسهم الفرح والأمل وكانوا يتغنوا بهذه الانتصارات، من الشعر الذي سجل هذه الانتصارات ما قاله ابن الساعاتي:

جلت عزماتُك الفتح المبينا

فقد مَرّت عيون المؤمنين

رددت أخيذة الإسلام لما

غدا صرف القضاء بها ضمينا

غدت في وجنة الأيام خالًا

وفي جيد العُلا عِقدًا ثمينا

فيا لله كم سرت قلوبًا

ويا لله أبكت عيونا

وفي قصيدة نظمها شرف الدين الأنصاري، وهي عبارة عن قصيدة يمدح فيها الملك الأيوبي ويقول فيها:

رُوعت العدا فضمنت شلَّ عروشها

ولقيتها فأخذت فلَّ جيوشها

دارت رحى الحرب الزبون عليهم

فغذت رؤوسهم حُطام جريشها

ويظهر لنا في شعر شعراء أهل الأندلس تمحورهم حول الحديث عن ثلاث أمور في أشعارهم، وهي بكاء المدن التي سقطت بقبضة المغول، والبكاء على الدين الذي حلَّ مكانه دين المغول، وكذلك بكوا على العِرض، وظهر في أشعارهم البساطة والعفوية في إظهار حنينهم الجارف إلى الماضي السعيد في ربوع الأندلس السعيدة.

قد غلب على شعر شعراء الأندلس استخدام الأسلوب الإنشائي الذي يفيد بالتقصي عن أخبار المغول وأفعالهم الشنيعة في البلاد فنراهم يكثرون من استعمال صيغة الاستفهام في أشعارهم، وكذلك أكثروا من استخدام أسلوب النداء للقريب والبعيد، بعد جملة من التساؤلات والاستفسارات عن الديار والمدن وقاطنيها من الأهل والأحبة وما جرى بهم ويختم الشاعر قصيدته بالجملة الخبرية التي تأتي كرد على هذه التساؤلات.

وأظهر الشاعر الأندلسي غيرته على دينه، ودعوا الناس إلى العودة إلى قيمه والتمسك بها، وأشاروا إلى الابتعاد عن دين المغول والكفر والإلحاد والضلال، وأن هذه الديانة جاءت لمحاربة الدين الحنيف، وهدم أركانه، وعرف عن حرب المغول أنها حرب دينية، وعبر الشعراء عن خوفهم على عُرا الدين.

وتناول شعراء الأندلس في شعرهم الأسباب التي أدت إلى هزيمة العرب والمسلمين بسرعة هائلة على الرغم من أنهم أهل حضارة وعلم وتراث عريق، على يد أمة ضالة همجية مثل المغول، ويتحدثوا عن أهم الأسباب وهي سياسة الحكم وتناولوها بجرأة كبيرة دون خوف وخصوصًا بعد الهزائم التي حلت بهم.

وعبّر الشعراء عن غضبهم الشديد من الملوك وأتباعه الفاسدين في قصائد ملتهبة بالغضب مليئة بالوعيد، لأنهم استسلموا وسلموا البلاد والدين للعدو وخذلوا الأندلس، ومن الأسباب التي تناولوها الشعراء في شعرهم وأدت إلى هزيمة المسلمين هو الجشع والطمع الذي حل بالبلاد.

الخصائص الفنية لشعر الجهاد ضد المغول

1- اتصف بالواقعية حيث أنه وصف الأحداث والمعارك وصفًا مباشرًا دقيقًا.

2- أكثروا من استخدام المحسنات البديعية.

3- امتاز الجهاد بحرارة العاطفة وتدفق المشاعر وخصوصًا الحديث عن المدن التي سقطت وما حلَّ بها من دمار ومآسي.

4- كثر فيه استخدام الأسلوب الإنشائي، وكثرة الاستفسارات.

5- الجرأة وعدم الخوف عند نظم الشعر.

وفي النهاية نستنتج أن العصر الأندلسي كان حافل بالأحداث وخصوصًا الأحداث السياسية التي كان لها أثر وصدى في نفوس الشعراء، وقد نظموا الشعر لاستنهاض همم المسلمين، ودفعهم للجهاد والدفاع عن بلادهم ودينهم وعرضهم، وتحرير بلاد المسلمين.


شارك المقالة: