قصة صقر فيديريجو

اقرأ في هذا المقال



صقر فيديريجو هي قصة لجيوفاني بوكاتشيو حيث قام باستخدام الالتواء الساخر، غالبًا ما يقترن بالقلادة أو هدية المجوس. نُشر في الأصل في The Decameron عام 1353. ترجمه مارك موسى وبيتر بوندانيلا.

الشخصيات:

  • فيديريجو.
  • مونا جيوفانا.
  • ابن مونا.

قصة صقر فيديريجو:

كان هناك في فلورنسا شاب يدعى فيديريجو، وفي أحد الأيام وقع في حب سيدة تدعى مونا جيوفانا، حيث كانت تعتبر واحدة من أجمل النساء وأكثرهن سحراً على الإطلاق في فلورنسا ومن أجل كسب حبها، شارك في المبارزات والبطولات، ونظّم الأعياد وأقامها وصرف أمواله دون قيود، لكنها لم تكن تهتم كثيرًا بهذه الأشياء التي يقوم بتنفيذها من أجلها، ولم تهتم بمن فعلها.
وبعد فترة من قيام فيديريجو بإنفاق الكثير من من أمواله تجاه المرأة التي أحبها دون جدوى، فقد فقد ثروته وأصبح فقيرًا، ولم يتبقى له من ثروته شيء سوى مزرعته الصغيرة باسمه التي كان يعيش من عائداتها بشكل ضئيل للغاية لأنّها لم تكن تنتج كثيراً، وصقر رائع واحد كان من بين أفضل الطيور في العالم.
ثمّ قرر بعد ذلك أن يذهب للعيش في كامبيي حيث توجد مزرعته الأخرى هناك، ومع علمه أنه لن يتمكن أبدًا من العيش بالطريقة التي يرغب بها في المدينة، وعند وصوله هناك قضى وقته برفقة الصقر، ولم يطلب شيئًا من أحد وتحمل فقره بصبر، في تلك الأثناء خلال الوقت الذي أصبح فيه فيديريجو في حاجة ماسة وفقر كبير، كانت الفتاة التي أحبها قد تزوجت برجل ثري جداً، ولكنّ حدث أن مرض زوج مونا جيوفانا، وأدرك أن الموت كان قريبًا منه لذلك فقد قام بكتابة وصيته الأخيرة كان وجعل ابنه وريثًا له، وبما أنه كان يحب مونا جيوفانا كثيرًا، فقد جعلها وريثة لابنه في حال موت هذا الابن حتى لا يبقى ماله دون وريث شرعي ثمّ بعد فترة مات الرجل.
أصبحت الآن مونا جيوفانا أرملة، وكما هو معتاد بين النساء، ذهبت إلى الريف مع ابنها لقضاء عام في أحد ممتلكاتها بالقرب من مزرعة فريدريجو، ثمّ أصبح هذا الصبي الصغير صديقًا لها وبدأ في الاستمتاع بمزرعة والده حيث الطيور وكلاب الصيد، وبعد أن رأى صقر فيديريجو يطير عدة مرات، تمنى كثيرًا أن يكون هذا الصقر ملكاً له ، لكنه لم يجرؤ على طلب ذلك، لأنه كان يرى كم هو عزيز على فريدريجو.
بعد فترة من الوقت أن مرض الصبي الصغير، وكانت والدته حزينة جدًا لأنه كان طفلها الوحيد وكانت تحبه كثيرًا وكانت تقضي اليوم بأكمله بجانبه ولا تتوقف عن مواساته، وغالبًا ما تسأله عما إذا كان هناك أي شيء يرغب فيه وتتوسل إليه أن يخبرها بما قد يكون، لأنه إذا كان من الممكن الحصول عليه فستفعل بالتأكيد كل ما هو ممكن للحصول عليه، بعد أن سمعها الصبي الصغير تسأله ذلك عدة مرات، قال: أمي، إذا كان بإمكانك الترتيب لي للحصول على صقر فيديريجو، أعتقد أنني سأكون في حالة جيدة قريبًا جدًا.
عندما سمعت السيدة هذا، فوجئت للحظة وبدأت تفكر في ما يجب عليها فعله حيث كانت تعلم أن فيديريجو أحبها لفترة طويلة، على الرغم من حقيقة أنه لم يتلق منها نظرة واحدة، وهكذا، قالت لنفسها: كيف يمكنني أن أذهب وأطلب صقره هذا الذي هو كما سمعت، أفضل طائر على الإطلاق لديه، وإلى جانب ذلك، هو وسيلته الوحيدة لمواساته ودعمه بعد خسارة أمواله؟ وكيف يمكنني أن أكون غير حساس لدرجة أنني أرغب في التخلص من اللذة الوحيدة المتبقية لهذا الرجل النبيل؟

انخرطت في هذه الأفكار، مع علمها أنها كانت متأكدة من أنّه سيعطيها الطائر إذا طلبت ذلك، لكنها لا تعرف ماذا تقول لابنها، ثمّ دفعها حبها لابنها بأنها يجب أن تجعله سعيدًا، وبغض النظر عن العواقب التي قد تترتب على ذلك لذلك قررت أن لا ترسل أحد لطلب الطائر، بل ستذهب بنفسها من أجله وتعيده إليه، فأجابت ابنها: ابني، كن مرتاحاً وفكر فقط في أن تتحسن، لأنني أعدك أن أول شيء سأفعله صباح الغد هو البحث عنه وإعادته إليك.

كان الطفل سعيدًا جدًا لدرجة أنه أظهر بعض التحسن في ذلك اليوم بالذات وفي صباح اليوم التالي، ذهبت السيدة برفقة امرأة أخرى، كما لو كانت في نزهة، إلى منزل فيديريجو المتواضع، لم يكن فيديريجو هناك وكان يتجول منذ عدة أيام في بستانه، حيث يقوم بمهام معينة، وعندما سمع أن مونا جيوفانا كانت تطلبه عند الباب، تفاجأ وذهب بسرعة إلى هناك، وعندما رأته قادمًا استقبلته بلطف، وبمجرد أن رحب بها فيديريجو، قالت: جئت لأعوضك عن الضرر الذي تعرضت له بسببي من خلال محبتك لي أكثر من أي شيء، والتعويض هو: أنا، مع رفيقتي هذه، أنوي تناول العشاء معك وجبة بسيطة في هذا اليوم بالذات.

أجاب فيديريجو بتواضع: مونا، لم أتذكر أبدًا أنني عانيت من أي ضرر بسببك بل على العكس من ذلك، لقد تلقيت الكثير من الخير منك لدرجة أنني إذا كنت سأستحق شيئًا، فقد كان ذلك بسبب الحب الذي حملته لك، وزيارتكم السخية هي بالتأكيد عزيزة علي لدرجة أنني سأقضي من جديد ما قضيته في الماضي، لكنك أتيت إلى مضيف فقير، وبعد أن قال هذا، استقبلها في منزله بتواضع ومن هناك قادها إلى حديقته، ثمّ جلست هي ورفيقتها وذهب هو لتجهيز الطاولة.
على الرغم من أنه كان فقيرًا جدًا، إلا أنّ فريدريجو حتى الآن ، لم يدرك أبدًا إلى أي مدى قد أهدر ثروته، حيث لم يجد شيئًا يمكنه من خلاله تكريم السيدة التي جائت للعشاء، مما جعله يشتم نفسه وثروته، وبدأ يركض هنا وهناك لكنه لم يجد مالًا ولا شيئًا يمكنه رهنه لشراء الطعام و كانت الساعة متأخرة وكانت رغبته في تكريم السيدة الكريمة عظيمة، لكنه لم يرغب في طلب المساعدة للآخرين ولا حتى إلى عامله.
وضع عينيه على صقره الطيب الجالس في غرفة صغيرة ولأنه لم يكن لديه شيء آخر يلجأ إليه، فقد أخذ الطائر ووجده ممتلئ الجسم فقرر أنه سيكون طعامًا جيدًا لمثل هذه السيدة، لذلك ودون مزيد من التفكير، قام بلف رقبته وأعطاه بسرعة لخادمته وتجهيزهه ووضعه لطبخه بعناية، وعندما رتب المائدة بمفارش المائدة، عاد بوجه مبتهج للسيدة في حديقته، قائلاً إن الوجبة التي كان قادرًا على إعدادها لها كانت جاهزة.
نهضت السيدة ورفيقتها، وذهبنّ إلى المائدة مع فيديريجو، الذي انتظرهنّ بفرح وسرور وأكلوا جميعاً الصقر الجيد دون أن يعرفنّ ما الذي يأكلنه، وبعد أن غادرنّ الطاولة وقضت بعض الوقت في محادثة ممتعة معه، اعتقدت السيدة أن الوقت قد حان الآن لتقول ما جاء لتقوله، ولذلك تحدثت ببعض الكلمات اللطيفة إلى فريدريجو: إذا كنت تتذكر حياتك الماضية والتي ربما أخطأت معك فيها بقسوة ، فأنا لا أشك على الإطلاق في أنك ستندهش عندما تسمع السبب الرئيسي لمجيئي إلى هنا، لكن إذا كان لديك أطفال، ربما تكون قد اختبرت من خلالها قوة الحب الأبوي، ويبدو لي من المؤكد أنك ستسامحني، جزئيًا على الأقل.
ولكن، بما أنّه ليس لديك طفل فأنا لدي طفل، ولا يمكنني الهروب من القوانين العامة للأمهات الأخريات، حيث أن قوة هذه القوانين تجبرني على اتباعها، لذلك أنا أطلب منك هدية أعلم أنها أغلى ما لديك، وهذا طبيعي، لأن حالتك البائسة هذه لم يبقى لك أي متعة ولا عزاء آخر فيها سوى صقرك، الذي يتمنى ابني المريض الحصول عليه وأخشى أن مرضه سيزداد سوءًا لدرجة أنني قد أفقده، ولذلك أتوسل إليك، ليس بسبب الحب الذي تحملته من أجلي والذي لا يلزمك على الأقل، ولكن بسبب نبلك، حيث إذا أعطيتني إياه سأقول لك أنّك أنقذت حياة ابني بهذه الهبة، وسيكون ديناً لك عندي إلى الأبد.
عندما سمع ما طلبته السيدة، بدأ فيديريجو يبكي في حضورها، لأنه لم يستطع أن ينطق بكلمة في الرد، حيث اعتقدت السيدة في البداية أن دموعها ناتجة عن حزنه لأنّه مضطر إلى الانفصال عن الصقر الطيب أكثر من أي شيء آخر، وكانت على وشك إخباره أنها لم تعد ترغب في ذلك، لكنها تراجعت وانتظرت فريدريجو بعد أن توقف عن البكاء و قال: سيدتي، منذ أن أسعدني الله بوضع حبك في قلبي، شعرت أن الحظ كان معادياً لي في كثير من الأشياء، وقد لازمني سوء الحظ مراراً لكن كل هذا لا يُقارن بما حصل للتو معي.
لذلك سأخبرك بإيجاز، عندما علمت أنّك ترغبين في تناول الطعام معي، فقد اعتبرت أنه من المناسب والصحيح أن أكرمك، وفقًا لإمكانياتي بطعام أثمن مما أقدمه عادةً لأشخاص آخرين لذلك، تذكرت الصقر الذي طلبته وقيمته فقد حكمت عليه بأنه طعام يليق بك، وفي هذا اليوم بالذات قمت بطبخه وتقديمه لك بأفضل ما أستطيع، ولكن بعد أن أدركت الآن أنك رغبت في أخذ الصقر، فإن حزني لعدم قدرتي على خدمتك عظيم جدًا لدرجة أنني لن أتمكن من مواساة نفسي مرة أخرى.

وبعد أن قال هذا وضع أمامها ريش وأرجل ومنقار الصقر وعندما سمعت السيدة ورأت ذلك، عاتبته في البداية لقتله مثل هذا الصقر ليكون بمثابة وجبة لامرأة، ولكن بعد ذلك امتدحت لنفسها عظمة روحه التي لم يستطع فقر أن ينقصها، وبعد أن فقدت كل أمل في الحصول على الصقر لتحسين صحة ابنها أيضًا، شكرت فريدريجو على كل من الشرف الذي قدمه لها وعلى حسن نيته، وغادرت في حزن وعادت لابنها، وبسبب خيبة أمله لأنه لم يستطع الحصول على الصقر، أشتد مرضه وتوفي الصبي من هذه الحياة بعد أيام قليلة فقط.
وبعد انقضاء فترة الحداد والشعور بالمرارة الذي أحست به مونا، حثها إخوتها مرارًا وتكرارًا على الزواج مرة أخرى، لأنها كانت غنية جدًا وكانت لا تزال صغيرة وعلى الرغم من أنها لم تكن ترغب في القيام بذلك، فقد أصبحوا مصرّين جدًا لدرجة أنها تذكرت مزايا فريدريجو وآخر عمل قام به لتكريمها بقتل مثل هذا الصقر من أجلها وقالت لإخوتها: أفضل أن أبقى أرملة، إذا كان هذا سيسعدكم ولكن إذا كنتم ترغبون في أن أتزوج، فيمكنكم أن تطمئنوا إلى أنني لن آخذ رجلاً سوى فريدريجو.

وردًا على هذا سخرًا منها اخوتها وقالوا: أيتها المرأة الحمقاء، ماذا تقولين؟ كيف تريده. ليس لديه فلس واحد باسمه؟ أجابت على هذا: يا إخوتي، أنا على دراية بما أقول لكني أفضل أن يكون لدي رجل يحتاج إلى المال على المال الذي يحتاج إلى الرجل، ولما رأى إخوتها أنها عاقدة العزم وعرفوا أن فيديريجو كان نبيل جداً على الرغم من كونه فقيرًا، قبلوا رغباتها وزوجوها به بكل ثرواتها، وعندما وجد نفسه زوج هذه السيدة العظيمة، التي كان يحبها كثيرًا وكانت غنية جدًا إلى جانب ذلك، أدار شؤونه المالية بحكمة أكبر مما كان عليه في الماضي وعاش معها بسعادة بقية أيامه.


شارك المقالة: