صورة الممدوح الخَلقية والخُلقية في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


ظهر في الأندلس نتيجة لتطور والازدهار العديد من الأغراض الشعرية المستحدثة، ومن هذه الأغراض شعر المدح الذي لجأ إليه شعراء الأندلس في بعض الأحيان من أجل التكسب والحصول على المال، وشجعوا عليه ملوك وأمراء الأندلس، وأغدقوا على شعراء المدح الكثير من المال والهدايا والعطايا لدفعهم إلى مدحهم في أشعارهم والمفاخرة بهذا الشعر، وقد بالغ شعراء الأندلس في وصف ممدوحيهم وذكر صفاته الخَلقية والخُلقية.

شعر المدح في العصر الأندلسي

لم يكن شعر المدح معروفًا في العصر الأندلسي في بداية عهد الأدب فيها، فأدب الأندلس كان متأثر ومقلد لأدب وشعر المشرق العربي، وفي شعر المشرق لم يعرف هذا النوع من الشعر، ولعدة أسباب وأحداث مرت على الأندلس منها ما هو سياسي ومنها عامل اقتصادي وكذلك اجتماعي أدى إلى استحداث العديد من الأغراض الشعرية الجديدة ومن ضمنها شعر المدح.

تطور هذا النوع من الشعر لعدة أسباب تواجدت في العصر الأندلسي من أهمها تشجيع ملوك وأمراء الأندلس الشعراء إلى نظم هذا النوع من الشعر، وكانوا يغدقون الشعراء بالكثير من العطايا والهدايا تشجيعًا لهم لنظم المزيد في هذا الغرض المستحدث، وكانوا يتفاخرون بهذه القصائد التي كانت تنظم في مدحهم، وذاكرين فيها العديد من صفاتهم الخَلقية والخُلقية.

توجه بعض شعراء الأندلس إلى نظم شعر المدح من أجل التكسب وخصوصًا قصائد المدح التي كانت موجهة للملوك والأمراء، والطبقات الثرية في الأندلس.

تميز شعر المدح في العصر الأندلسي بالعديد من المزايا التي تفرد بها، وقد ركز الشاعر الأندلسي على ذكر السمات الحقيقية الموجودة في الممدوح، وكان ذلك مختلف ومغاير لما عهدناه عن الشعر المدح التقليدي في العصور السابقة، إذ كانوا يركزون على ذكر الصفات العامة في مدح الشخص، وكانت قصائدهم في هذا الغرض مشابهة لبعضها فهي تصلح في مدح هذا وذاك.

أما شعر المدح الأندلسي كان يتوجه ويركز على ذكر الصفات الخاصة بالممدوح، فلا تصح أن تقال هذه القصيدة في شخص آخر، وبرز في هذا الشيء الشاعر الأندلسي ابن زيدون عندما مدح ابن جهور في قصيدةٍ من قصائده، لقد ذكر ابن زيدون صفات ابن جهور الخاصة به، فهو لم يلجأ إلى وصفه بالشجاعة أو الكرم وغيره بل وصفه بصفة السلام التي يتمتع بها ابن جهور في حياته.

وقام شعر المدح برسم الواقع الأندلسي كما هو عليه، ونجد في قصائد المدح الأندلسي الصفات الخَلقية وكذلك الخُلقية التي استند عليها الشاعر الأندلسي، وبهذا تميز عن باقي شعراء المدح في العصور الأخرى، كما رسم لنا المدح أعمال الملوك والأمراء وكذلك الوزراء.

ولقد تميز الأشخاص الذين تم مدحهم في قصائد شعراء الأندلس وذاع صيتهم وانشهروا بشكل لافت، ولقد اهتم شعراء الأندلس بمدح الطبقة الحاكمة وذات السلطة وقادتها وقبائلهم، وبعبارة أوسع إن شعر المدح ركز على الطبقة الغنية، التي تمتلك المال لتدفع ثمنًا لهذا الشعر.

وتناول شعر المدح في العصر الأندلسي العلماء، وقد تم مدحهم وذكر محاسنهم وصفاتهم وفضلهم، وكان الهدف من هذا الشعر هو المدح الصرف أي لا ينتظر الشاعر مقابل عند نظمه.

لجأ الشاعر الأندلسي إلى ذكر ممدوحيهم ووصفهم بأجمل الصفات الخَلقية التي ميزهم بها الله عز وجل عن باقي الناس، وقصيدة المدح في العصر الأندلسي كانت لا تصلح لشخص آخر؛ لأنها تذكر صفات الممدوح الرئيسية المتوفرة في شخصيته مثل صفة السلام، والرحمة والصدق وغيرها من الصفات الخَلقية.

وكذلك لجأوا في قصائد المدح إلى ذكر الصفات الخُلقية، وكانت في نظر مسكويه هي أربع فضائل أساسية يجب توفرها في الممدوح كي يستحق أن ينظم به أشعار المديح، ومن هذه الصفات الخُلقية، الحكمة العفة والشجاعة وكذلك العدل.

ويرى مسكويه أنه لا يجب أن يتفاخر الممدوح إلا إذا توفرن فيه هذا الفضائل الأربعة، وإذا ما توفرن أصبح جديرًا أن ينظم فيه أجمل أشعار المدح، وكان لهذه الفضائل الأربعة في نظر مسكويه مجموعة من الأضداد يجب على الممدوح  الابتعاد عنها وهي “الجهل، والشره والجبن، الظلم”.

أبرز شعراء المدح في العصر الأندلسي

تميز نخبة من شعراء الأندلس في هذا الغرض المستحدث وسطع نجمهم في سماء شعر المدح ومن أبرزهم:

1- الشاعر ابن حمديس.

2- ابن هانئ.

3- ابن زيدون.

4- ابن دراج القسطلي.

نموذج من شعر المدح الأندلسي

أشعار ابن حمديس الذي نظمها مادحًا الأمير أبا الحسن علي بن يحيى ذاكرًا صفاته الخُلقية:

تفشي يداك سرائر الأغماد

لقطاف هامٍ واختلاء هوادِ

إلا على غزوٍ يبيد به العدُى

لله من غزوٍ له وجهاد

وعزائمٍ ترميهم بضراغمٍ

تستأصل الآلاف بالآحاد

من كل ذمرٍ في الكريهة مقدمٍ

صال لحرّ سعيرها الوقّاد

كسناد مسمرةٍ وقسور غيضةٍ

وعقاب ومرقبةٍ وحية واد

وكأنهم في السابغات صوارم

والسابغات لهم من الأغماد

وفي النهاية نستنتج أن شعر المدح ظهر في الأندلس وتطور على يد أبرز شعراء الأندلس الذين توجهوا بشعرهم إلى الطبقات الحاكمة والثرية من أجل التكسب، وقد ركز شعراء الأندلس على ذكر الصفات الخَلقية والخُلقية التي يتميز بها ممدوحيهم.

المصدر: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، تأليف إحسان عباس 2008كتاب المائيات في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف 2016الأخلاق الأسلاميه في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف د. يوسف شحدة الكحلوت 2010صورة الممدوح في الشعر الأندلسي عصر الطوائف 2015مختارات من الشعر الأندلسي 2008


شارك المقالة: