على الرغم من التوتر والاضطراب الذي كان يسود المجتمع وخصوصًا الاضطراب السياسي، والحروب التي حدثت على أرضها إلا أنها شهدت نهضة واسعة، وخصوصًا في مجال العلوم والأدب، وسنتناول في هذا المقال شعر المدح، وصورة الممدوح في هذا العصر، وذلك لما حظي فيه هذا الغرض من شغف واهتمام الملوك والخلفاء به، وكذلك الشعراء.
الغرض من المدح
إذا رجعنا إلى فهم الغرض المنشود من شعر المدح في القديم سنجد أنه لم يكن معروف منذ القدم، فلقد تأخر شعر المدح في الظهور على عكس باقي الأغراض الشعرية الأخرى، مثل شعر الغزل، والرثاء، والوصف.
وبقي شعر المدح على هذه الحالة إلى أن نشأ النابغة الذبياني، فكان يمدح الخلفاء والملوك، وتقرب إلى النعمان بن المنذر رغبة منه في العطايا والهدايا، وعندما جاء الأعشى من بعده اتخذ شعر المدح وسيلة للكسب والتجارة يدور بها بين البلدان، ولقد روي عن بعض الشعراء الترفع عن المدح، مثل الشاعر جميل بن معمر الذي كان يرفض أن يمدح الملوك وغيرهم، فلقد لجأ إلى مدح أهله وذويه فقط.
وكان الغرض قول شعر المدح من أجل التكسب أثر واضح وتأثر كبير، إذ كان الشاعر ينظم شعره ويسرد فيه خصائل شاملة للممدوح فلم يسند الممدوح خصائل خاصة تميزه عن الآخرين بهذه الصفة، فكانت مسألة الصدق والكذب وارده في شعرهم.
ومثال على ذلك: وصف شعر ابن زيدون لممدوحه ابن جهور بأنه تميز بالمغايرة التي وجدت عند الشعراء الذين كانوا يجزلون ويسترسلون في وصف ممدوحيهم، فقد قام ابن زيدون بوصف ابن جهور بصفات تصلح أن تكون مدحًا لغيره، فلم يختص ابن زيدون ابن جهور بسمات خاصة كالشجاعة أو الكرم.
بل صوّره بأنه رجل مسالم، وعرفت عنه هذه الصفة المميزة عندما جنّب قومه بحكمته وفطنته سفك الدماء، وهنا يظهر واضحًا أنه ليس كل قصيدة مدح هي واقعية أو صادقة، فقد تحمل صورًا للممدوح بهدف التكسب والتقرب من الخلفاء والحكام وأصحاب السلطة.
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن شعر المدح كان صورة واقعية أو سجل شعري أوصل لنا العديد من جوانب الحياة في الأندلس سواء أكانت تاريخية أو سياسية أو اجتماعية، وكان سبب رئيسي في شهرة الممدوحين أو شهرة شعراء الأندلس نفسهم.
وبخصوص الطبقة التي خصّها الشعراء بشعر المدح، فلقد كانوا يلجؤون إلى مدح الخلفاء والحكام والأمراء، والوزراء والقادة، أو ما يمت إليهم بعلاقة وصلة، مثل القبائل والعشائر والأسر المعروفة آنذاك، أي أنهم كانوا يمدحون الشخصيات التي تتمثل بالطبقة الغنية، والتي يكون لديها الثمن المغري لدفع ثمن شعر المدح الذي يقال فيهم.
فالحاجة والعوز في الحصول على مال وعطايا الممدوح كانت هي السبب والدافع الرئيسي في نظم شعر المديح، فلقد كان الشعراء يتوجهون بالمدح لمن يدفع مالًا أكثر، وكذلك كان لكثرة ملوك الطوائف والممالك أثر في ظهور شعر المدح، فلقد لجأ بعض ملوك الطوائف إلى الشعراء وحثهم وتحفيزهم بالمال والعطايا لنظم شعر المدح لهم لغرض إغاظة أعدائهم.
فضائل الممدوح في الشعر الأندلسي
تناول الشعراء مكارم الأخلاق بشكل عام في شعر المدح، ولقد حصر مسكويه الفضائل إلى أربع فضائل أدرجها في كتابه “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق”، ومن الفضائل التي أوردها مسكويه في كتابه هي عشر خصال وهي: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروءة.
وكل هذه الصفات ذات طابع جميل تؤدي إلى الجمال الخالص، ولقد ركز شعراء المدح على إسراد كل من الحكمة والعفة والعدالة والشجاعة في شعرهم ووصفوا بها ممدوحيهم.
أشهر شعراء المدح في الاندلس
ابن هانئ الذي عمد إلى مدح السلطان جعفر إذ قال:
أحبب به قنصا على مقتنص
وفريصة تهدى إلى مفترص
تدنيك من كبد عليك عليلةٌ
وتمدُّ من جيد إليك منصّص
الأعمى التطيلي والذي اشتهر بقصائد المدح من أجل التكسب، ونيل العطايا من الممدوح، ومن هذا قوله:
يراه بها مرجوة أو مخافة
وريحاه فيها لاقح وعقيم
أينكر أهل العلم أنك روضةٌ
يسيمون فيها والبلاد هشيم
نستنتج أن الشعر المديح ظهر وازدهر في العصر الأندلسي على الرغم من الاضطراب والتوتر الذي كان يسود في المجتمع، وبرز فيه العديد من الشعراء الذين اتجهوا إلى شعر المديح وتناولوا الطبقات الغنية مثل الهدايا والعطايا، وتناولوا الصفات الأخلاقية العامة، ولم يختصوا ممدوحيهم بصفات خاصة، مثل وصفهم بالشجاعة، الكرم، والصدق، وغيرها من الصفات.