عبر وعظات من سورة التكاثر

اقرأ في هذا المقال


ما جاء في فضل قراءتها:

أخرج الحاكم، والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم ؟ قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم ؟ قال: أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ﴿ألهاكم التكاثر﴾» .

يقول تعالى: (أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ) صدق الله العظيم، أي شغلكم، والإلهاء هو التباهي، يتباهى الإنسان بكثره ماله، وبكثرة أولاده، وأخرج مسلم، والترمذي، والنسائي وغيرهم عن عبد الله بن الشخير قال «انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو يقرأ ﴿ألهاكم التكاثر﴾ – وفي لفظ: وقد أنزلت عليه ﴿ألهاكم التكاثر﴾ – وهو يقول: يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت» .

وهذا إخبارٌ من رب العالمين جلَّ جلالهُ عن عموم الخلق، إلا من رحم الله أنهم يَشغلهم التكاثر بالحياة الدنيا، بالأموال، وبكثرة البنين والبنات، وبكثرة بناء القصور، وبكثرة متاع الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ ٰ⁠تِ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡبَنِینَ وَٱلۡقَنَـٰطِیرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَیۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَ ٰ⁠لِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ﴾ صدق الله العظيم[آل عمران ١٤].

والمعنى: اعلموا يا عبادَ الله أن الله عنده ثواباً كثيراً أعظمَ بكثيرٍ من هذه الدنيا بتمامها، واعلموا أنّ مآبكم إليه، فأحسنوا المآب إليه، جل جلاله، ففي الحديث عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلّا التراب، ويتوب الله على من تاب.

قوله تعالى: (حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ) الآن نحن نمشي في طريقٍ له نهاية، هذه الدنيا التي نحياها لها غايةٌ تنتهي عندها، متى الغاية؟ آجال مضروبة ضَربها رب العالمين، إذا انتهى الأجل انتقلت إلى دارٍ ثانيه، وهي القبرُ، فالعاقل هو الذي يجبُ عليه، أن يسارع في كلِ طاعة ما استطاع، ويعلم أنّه لا أحد ينفعه حتى يأتي يوم القيامة فرداً، قال تعالى:  ﴿وَكُلُّهُمۡ ءَاتِیهِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَرۡدًا﴾ صدق الله العظيم[مريم ٩٥].

الفرق بين التكاثر المحمود والتكاثر المذموم:

اعلم أنّ التكاثر في أمور الدنيا كله مذموم، لذلك أجملَ اللهُ عزوجل التكاثر ولم يُفصل صُوَره، قد يكون التكاثر بالأولاد أو المال أو المنصب، أو بالعشيرة، أو بالقوة والعافية، أو بأي شيءٍ يمكن أن يتكاثر الإنسان به من أمور الدنيا، وكله مذموم.

وهناك تكاثرٌ محمودٌ، وهو التنافسُ والتكاثرُ في الطاعة، فالتكاثر المحمود هو دأب الصالحين وأهل العلم والفضل، يتنافسون في السبقِ إلى الله عزوجل، وزيادة الحسنات، ورفعة الدرجات.

قال تعالى: (حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ) صدق الله العظيم، قال أهل العلم: المعنى: حتى زرتم المقابر فَعددتم من فيها من موتاكم، فيفخرون بأشرافهم الذين ماتوا.


حكم زيارة القبور:

قال رسول الله ﷺ: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، رواه مسلم، وكذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري قالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى .


قوله تعالى: (كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٤)) صدق الله العظيم، والمعنى:  أي سوف تعلمون مَغَبَّة هذا الإنشغال والتكاثر عن طاعة الله تعالى، وكرر التهديد والوعي، وجاء عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟- فأعدَ بهذا جواباً بين يدي الله تعالى.

قوله تعالى: (كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡیَقِینِ (٥) لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِیمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَیۡنَ ٱلۡیَقِینِ (٧)) صدق الله العظيم، (علم اليقين) يصل به صاحبه إلى حد الضروريات، التي لا يشك ولا يُماري في صحتها وثبوتها.

قال بعض أهل العلم: أنّ اليقين ههنا هو الموت والبعث والقيامة، وقد سمي الموت يقينا في قوله: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ [الحجر: ٩٩ ] ولأنّهما إذا وقعاً جاء اليقين وزال الشك.

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ یَوۡمَىِٕذٍ عَنِ ٱلنَّعِیمِ﴾ صدق الله العظيم [التكاثر ٨] هذه الآية فيها حث على شكر النعم، والنعيم : قال أهل التفسير:  قيل أنّه خمس: شبع البطون وبارد الشراب ولذة النوم وإظلال المساكن واعتدال الخلق.


شارك المقالة: