صاحب المقولة
إنَّ صاحب المقولة هو أبو سعيد بن عبدالملك بن قُريب بن عبدالملك بن علي بن أصمع، وسُمّي الأصمعي نسبةً إلى جدّهِ أصمع. وهو من قبيلة باهلة من قيس؛ ويُعدُّ الأصمعي من أعظم الرّواة الثّقات لأخبار العرب وأشعارهم، وهو أيضاً أحد أعظم علماء العرب في اللّغة والأخبار والشّعر.
عاشَ الأصمعي وكَبُرَ في مدينة البصرة جنوب العراق، وتَتلمذَ على يد علمائها، كأبي عمرو بن العلاء، الذي كان أستاذهُ في علم التّجويد، وعلوم الأدب والفصاحةِ والبيان، وقد تعلّمَ على يدهِ مدّةً طويلة. وقد عَشِقَ الأصمعي اللّغة وسافرَ وهاجرَ وتعب في سبيل تعلّمها، فأخذَ من سكان البادية فصاحة اللّفظ، وبلاغة الكلام؛ حيث عاد إلى العرب العِتاق الذين يملكون زمام اللّغة وأضرارها وخفاياها.
تحدّثَ عنه كثيرٌ من علماء عصرهِ، وحلفاء الدولة في فترةِ حياتهِ. ومِمّا قيل عنه، أنَّ هارون الرشيد، سمّاهُ شيطان الشّعر؛ وقال عنه الأخفش: ما رأينَا أحداً أعلم بالشّعر من الأصمعي. وقد قال عن نفسهِ: أحفظُ عشرة آلاف أُرجوزة. والحُلاصة أنّهُ أعظم علماء العربيّة بالرّواية والشّعر، وقد كان شاعراً مُجيداً، راوياً عظيماً، خلّدَ اسمهُ بقلمهِ، فشرّفَ نفسهُ حيّاً وميتاً.
تمتَّع الأصمعيُّ بِشهرةٍ واسعةٍ، فقد كانَت الخُلفاء تُجالِسهُ وتُحِبُّ مُنادمَتهِ كما وقد هيَّأت مجالسُ الخليفةِ الرَّشيد لهُ أنْ يُذيعَ صَوتُهُ في كلِّ الأوساطِ والمَحافِلِ الأدبيَّة. ومِن أشهرِ مؤلَّفاته: تأريخُ الملوكِ؛ وغريبُ القرآنِ؛ والأَصمعيّاتُ؛ والأجناسُ؛ وفحولةُ الشُّعراءِ؛ والأضدادُ؛ والألفاظُ، وغيرها الكثيرُ.
توفّي الأصمعي في البصرة؛ واختلفت المصادر في تعيين سنة وفاته؛ فتذكَّر بعضها أنّهُ توفي سنة 208هجرية، وبعضها ذَكر أنّهُ توفي سنة 211هجرية.
قصة المقولة
يقول الأصمعي: كنت أقرأ الآية الكريمة من كتاب الله عزّ وجلَّ” والسَّارِقُ والسّّارقةُ فاقطَعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نَكالاً من الله والله غفورٌ رحيم”، وكان بجانبي أعرابيّ؛ فقال لي: كلامُ من هذا؟ فقلتُ كلام الله. فقال: أَعِدْ، فأعدتُ. فقال: ليسَ هذا كلامُ الله. فانتَبهتُ، فقرأتُ:” واللهُ عزيزٌ حكيم”؛ فقال الأعرابيّ: أصَبت، هذا كلام الله.
فقلتُ: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. فقلت:من أينَ علمتَ أنّني أخطأت؟ فقال الأعرابي: يا هذا؛ عزَّ فَحكَمَ فَقطَعَ، ولو غَفَرَ وَرَحِمَ لَما قَطَع.