اقرأ في هذا المقال
الأمثال لها أنواع عديدة ومواضيع مختلفة، منها ما هو مضحك وفكاهي ومنها ما يتسم بالنصح والجدية، وتختلف في طريقة سردها حتى تكون قادرة على إيصال الأفكار إلى فئات المجتمع المختلفة على اختلاف مستوياتهم وثقافتهم.
مضمون مثل “عند الامتحان يكرم المرء أو يهان”:
هذا المثل ميداني في مجتمع الأمثال؛ فقد ذكر في مقامات الحريري وهو من أمثال الفرس، وكما ذكره الشريسي المشهور في شرح المقامات، ويعني أن المرء قد يدعي ويحكي كل ما يجول في خاطره، ولكن بعد أن يختبر بما قال وإدعى فحينها تظهر الحقيقة، ففي حالة توافقت إدعاءاته مع الواقع فإنه يكرم ويعز مكانه، وأما في حالة عدم توافق أقواله الواقع؛ فيكون ما قام به من إدعاءات وأقوال كذب ومن نسج خياله فيهان وينزل من أعين الناس.
قصة مثل “عند الامتحان يكرم المرء أو يهان”:
جاء من بلاد فارس رجل فصيح اللسان، أبيض اللحية، طويل القامة وعريض الكتفين إلى القاهرة، فسكن في أحد الأحياء القديمة الشعبية، كان كل يوم يجلس أمام بيته ويحمل معه قلماً وكتاباً منذ الصباح حتى المساء، وذات يوم جاء أحد شبان الحي للترحيب به والتعرف إليه ويسأل عن سبب مجيئه إلى هذه البلاد.
قام الرجل بالإجابة على أسئلته فقال له: إنه يعمل كعلامة ولا يقوم بأي عمل آخرغير ذلك، وأنه يعيش على عطايا طلاب المعرفة من هدايا يقدمونها له، ثم أخبر الشاب بأنه يمتلك ميزة ينفرد بها عن غيره منحهُ الله له؛ وهي أنه على مقدرة بتخزين جميع علوم الأرض وفنونها وآدابها فلا يوجد أحد يسأله سؤالاً مهما كان شاْنه ونوعه، إلا ويجد الجواب لديه فوراً ويكون جواباً أكيداً.
فاندهش الشاب بما سمع وقام بنشر حكاية هذا الرجل في الحي، وفي المساء إذ يجد الرجل عدد كبير من سكان الحي يحملون العديد من الهدايا من سلال خضار وعلب حلوى وكميات من السكر والبن، فرحبوا بوجوده بينهم وأخذوا بتوجيه الأسئلة له، فأذهل الأخرين بسعة معرفته وسرعة خاطرته، فرجعوا وهم يشكرون الله على وجود مثل هذا العالم الجليل بينهم؛ حتى يزيد من معرفتهم في جميع أمور الحياة.
ثم انتشر الخبر في الأحياء المجاورة، فأصبحت الناس تتهافت عليه من جميع الأنحاء محملين بالعطايا والهدايا ويدلون ما بدلوهم من اسئلة وهويجاوبهم على السريع، وكان هناك شاب من سكان الحي متخصص في الفقة والأدب، علم بوجود هذا العالم فأدرك من خلال حديث الناس عن أجوبة ذلك الرجل أنه محتال ومشعوذ ويستخف بعقولهم ويستغل سذاجتهم؛ حتى يعيش على حسابهم.
وفي أحد الأيام ذهب للعالم مع الناس، فتأكد من خداعه ولكن لم يتلفظ بكلمة، وفي اليوم التالي جمع الشاب الناس وقال لهم أن هذا الرجل محتال وكذاب وداهية وأجوبته كاذبة، فلم يصغوا الناس للشاب وحسبوه حسوداً، فقال لهم الشاب: عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان، تعالوا نأخذ كلمة لا معنى لها أول حرف من كل إسم من أسمائكم، فكانت الكلمة خنفشار، ثم ذهبوا إلى الرجل وسألوه عن معناها، أجابهم، فسخروا منه وخرجوا دون وداع، فقد انفضح أمره ورحل إلى بلد آخر.