تطورت الأحداث التي توالت على بلاد الأندلس، فقد شهدت البلاد العديد من التطورات التي غيرت مجرى الحياة الأندلسية، حيث عملت على إثراء الأدب والثقافة الأندلسية بشكل كبير، وبرز العديد من العلماء المشهورين وكذلك الأدباء فيها، وفي هذا المقال سنتناول هذه الأحداث والظروف بالشرح والتفصيل.
العوامل التي أدت إلى ازدهار الأدب الأندلسي
1- البيئة الاجتماعية: كان للبيئة الاجتماعية في الأندلس دور واضح في ازدهار الأدب الأندلسي، والمقصود بالبيئة الاجتماعية أهل الأندلس عامة، ويشمل ذلك العمال وأصحاب المهن والصناعات، حيث أنهم كانوا ذواقين للأدب، ويتكلمون بحكمة، وكاموا ينظمون أجمل وأعذب الأشعار.
وفي ذلك قال عنهم المقريُّ: “وأما حال أهل الأندلس في فنون العلم، فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التميز، الجاهل الذي يوفقه الله للعلم يجهد أن يتميز بصناعة، يربأ بنفسه أن يُرَى فارغًا عالةً على الناس، لأن هذا عندهم في نهاية القبح، والعالم عندهم معظم من الخاصة والعامة، يشار إليه ويُحال عليه، ويَنُبُه قدره وذكره عند الناس، ويكرم في جوار أو ابتياع حاجة وما أشبه ذلك.”
ولقد أشار ابن الكتاني وهو مُعلم ابن حزم الأندلسي إلى ذلك قبل المقري، حيث يتحدث عن نشاط أهل الأندلس وجديتهم، يحترمون أهليهم وأنفسهم، وظهر تأثير ذلك على حياتهم الاجتماعية.
2- البيئة الأندلسية: تتمثل بجمال تضاريسها، واعتدال مناخها، ووفرة المياه فيها، وخضرتها الدائمة، لقد خصَّ الله الأندلس بطبيعة خلابة، تبهر الأبصار، وتخطف القلوب بجمالها، وتذهب العقول بسحرها.
وعنها يقول المقريُّ: “وقال الرازي ما نصه: إن الأندلس في آخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة، التي هي معمور الدنيا، فهي موسطة من البلدان، كريمة البقعة، بطبع الخلقة، طيبة التربة، خصبة القاعة، منبجية العيون الثّرار، متفجرة بالأنهار الغزار، قليلة الهوم ذوات السموم، معتدلة الهواء أكثر الأزمان، لا يزيد قيظها زيادة منكرة تضرُّ بالأبدان، وكذا سائر فصولها في أعم سنيها تأتي على قدر من الاعتدال، وتوسط من الحال، وفواكهها تتصل طوال الزمان فلا تعدم.”
نرى أن البيئة الأندلسية دورها واضح في تأثر أهلها بتضاريسها الخلابة فهي عبارة عن فردوس في الأرض، ويظهر أثرها في أدباء العصر الأندلسي، ومدتهم بالألفاظ الجزلة، والصور الرائعة، مما أدى إلى ازدهار الأدب فيها.
3- الصراع والتنافس بين بلاد الأندلس والمشرق العربي: ظهر في بداية عصر الأندلس تأثرها بالمشرق العربي وكان ذلك واضحًا، وخصوصًا في مجال العلوم والآداب، والشعر كذلك فنرى الشعراء الأندلسيين يقلدون شعراء المشرق بالأغراض الشعرية، وكذلك الألفاظ المستخدمة، وتعدوها إلى الصور والتشبيهات.
لم يدُم هذا التأثر طويلاً نتيجة الأحداث والتطورات التي جرت في الأندلس وتحررت الأندلس من القيود المشرقية، وقاموا على استحداث آدابهم وعلومهم الخاصة بهم، حتى أنهم تفوقوا على المشرق العربي بالعديد من المجالات.
4- اهتمام الحكام بالأدب: أهتم ملوك وأمراء الأندلس بالأدب وقد عرفوا قيمته في تطوير الدولة، وتقويتها، وتثبيت قواعد حكمهم في البلاد، فقاموا على استقدام الأدباء والعلماء من المشرق، واغرقوهم بالأموال والعطايا والهدايا تشجيعًا لهم لتقديم المزيد.
5- تشجيع الملوك والأمراء للعلماء والأدباء : لقد ساهم هذا التشجيع في إثراء فكرهم، وصقل مواهبهم والنهوض بها، ودفعهم إلى التعمق بالفنون والآداب وكذلك العلوم، ولم يكن متوفر آنذاك معاهد لطلب العلم فكانوا يعلمون الناس في المساجد بأُجرةٍ مدفوعةٍ، ولقد نالت جميع العلوم منزلة رفيعة، وخصوصًا الفلسفة وعلم الفلك كان لهما حظًا وفيرًا من الاهتمام، قد كانوا يسمون الكاتب واللغوي وكذلك عالم النحو بالفقيه، وكان هذا لقبًا للعلماء والأدباء العِظام.
وأما الأدب المنثور: هم من كانوا يحفظون التاريخ والنظم وكذلك النثر، وبهذا الأدب كان الأدباء يتقربون من الملوك والأمراء، كما كان للشعر والشعراء حظ كبير عند الملوك والأمراء، ومن أبرز شعراء الأندلس الشاعر ابن شهيد، والشاعر ابن حزم، وكذلك الشاعر أبو إسحاق الإلبيري، وغيرهم الكثير.
أهم فنون الأدب العربي الأندلسي
تميز أهل الأندلس بأدبهم في جميع مجالاته وفنونه، ومنها الشعر فقد نظموا في جميع الأغراض التقليدية وقاموا على تحديث هذه الأغراض مثل غرض الرثاء الذي وجدوا فيه رثاء الممالك التي سقطت بيد الأعداء، وكذلك أحدثوا فنونًا جديدة مثل الموشح والزجل الأندلسي.
وفي مجال النثر تنوعت المجالات الفنية التي برع فيها أهل الأندلس ومنها ما كان مأخوذ من المشرق مثل الرسائل التأليفية والخطب والمناظرات الأدبية، وقاموا على الزيادة عليها مثل تصنيف كتب برامج العلماء، وغير ذلك.
وفي النهاية نستنتج أن الأدب ازدهر في العصر الأندلسي نتيجة لعِدّة أحداث أدت إلى ذلك، ومنها ما هو بيئي وسياسي، وكذلك اجتماعي، وكذلك كان دور الطبيعة الأندلسية واضح في ازدهار الأدب.