فاستخف قومه فأطاعوه

اقرأ في هذا المقال



فاستخف قومه فأطاعوه :

الحُرية بمعناها الصحيح، فإنّها فطرةٌ إنسانية، وأشواقٌ روحية، وواجب شرعي، الحرية بمعناها المقابل للعبودية لغير الله تعالى، وليست الحرية المُرادفة للفوضى والعبثية.

الحرية حياة، وما الذي يُغرِي في الحياة إذا سلبوا منها الحرية؟!

إنّ الحرية متصلةٌ بأصلِ التكليف لهذا الإنسان، قال تعالى: ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِینࣱ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ یَكُن شَیۡـࣰٔا مَّذۡكُورًا﴾ [الإنسان ١] صدق الله العظيم، وقال تعالى: ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [البقرة ٢٥٦] صدق الله العظيم.

وحين يفتح المسلمون بلاداً لا يُجبرون أهلها على الإسلام – ولا يجوز لهم ذلك -، ولا يهدمون كنائسهم وبِيَعهم، وهذه معلومةٌ حاضرة ومتداولة، لكن ينقصها التأمل والانتفاع، ما الذي راعاه الإسلام حين تركَ بيوتَ عباداتهم وهو يقدرُ على هدمها؟! ما الذي راعاه الإسلام حين منع من إجبارهم على الإسلامِ وهو يقدر بقوة الحديد والنار على منعهم من اعتناق دينهم؟! الحرية بمعناها الصحيح راسخة في أحكام الإسلام، وبلغت حداً يصل إلى أصل الدين.

إن الذي حكى لنا فضائع اليهود وكفرهم، هو الذي أمرنا بتركهم على الباطل وعدم إجبارهم على تركه، مع دعوتهم بالحسنى للدين الصحيح.

والحريةُ كما أنّها شرفٌ فإنها مسؤلية، فيوم القيامة يُسأل العبدُ عن اختياره، ولا يكفيه عذراً أنّه أطاع وتابع السادة والزعماء، قال تعالى: ((٦٥) یَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِی ٱلنَّارِ یَقُولُونَ یَـٰلَیۡتَنَاۤ أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠ (٦٦) وَقَالُوا۟ رَبَّنَاۤ إِنَّاۤ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاۤءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِیلَا۠ (٦٧) رَبَّنَاۤ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَیۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنࣰا كَبِیرࣰا (٦٨)﴾ صدق الله العظيم.

وفي زمانٍ قرأت المُحاجة بين أهل النار، بين جماعة استُضعفوا والذين تكبروا، وقد جاءت في عدّة مواضع من كتاب الله تعالى منها ما جاءت في سورة غافر قال تعالى: ﴿وَإِذۡ یَتَحَاۤجُّونَ فِی ٱلنَّارِ فَیَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰۤؤُا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعࣰا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلنَّارِ﴾ صدق الله العظيم [غافر ٤٧] وكنت أفهم دخول الذين استكبروا في جهنم، وأجد في نفسي بعضَ التساؤل والتعاطف تجاه الضعفاء وأقول ما ذنبهم؟! مع اليقين التام بعدل الله تعالى المُطلق، وقد زال هذا التساؤل حين علمت بأنّ الحرية تشريف وتكليف، وحين رأينا كيف يبيع بعض الأتباع عقولهم وتفكيرهم بل حتى إرادتهم، ويرضخون لأهل الباطل باسترخاء وتبعية وشهوة، ففي هذا أنت أمامَ خطيئةٍ لا تقلُ عن خطيئة أولئك الطغاة، الذين تمكنوا من الطُغيان بسبب هؤلاء الفاسقين، قال تعالى: ﴿فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ﴾ صدق الله العظيم[الزخرف ٥٤]

وتحضرني قصة جميلة لما قال الجلاد للإمام أحمد بن حنبل: “سامحني يا إمام فأنا عبدٌ مأمور”، فقال له الإمام أحمد:
“لولاك ما ظلموا، فأنت ومن أمرك بظلمي سواء، ولن ينفعوك يوم الحساب، حين يلعَنُ بعضكم بعضاً في ساحة العرض”.

اللهم اهدنا لسواء السبيل…


شارك المقالة: