فن الترسل في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


عاشت الأندلس بالعديد من التطورات والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونتيجة لهذه الأحداث المتتالية كان لا بد من استحداث طريقة لتسهيل التواصل بين الأفراد، ومن هذه الطرق ظهر فن الترسل سواء أكانت رسائل سياسية أو اجتماعية أو دينية، وفي هذا المقال سنتناول فن الرسائل الأندلسية بالشرح والتوضيح.

ظهور فن الترسل الأندلسي

ظهر فن الترسل في العصر الأندلسي وسطع في العصر الأيوبي والمملوكي وازدهر، وكان له شأن ومكانة عالية في هذا العصر وانتشر بشكل كبير، يرجع سبب ذلك إلى حاجة الملوك والأمراء والوزراء إلى هذا الفن، وجعلوه مستقلًا عن الكتابة الديوانية.

تناول فن الترسل العديد من جوانب الحياة الأندلسية، وكان في بداية ظهوره فن خالي من التصنع والتكلف، وغير ملتزم بالسجع إلا قليلًا، ومن أشهر كتّاب الرسائل في العصر الأندلسي ابن حزم الأندلسي، وابن الشهيد وكذلك ابن زيدون وغيرهم الكثير.

ومع تطور الأحداث في الأندلس اشتدت الحاجة إلى فن الترسل في جميع جوانب الحياة الأندلسية، وأصبح يغلب عليها التكلف والتصنع واللجوء إلى المحسنات البديعية والسجع من أجل تزيين هذه الرسائل، وأصبحت تحمل أكثر من معنى، وظهر فيها العديد من الأمثال العربية والأدعية كذلك، وأشهر كتّاب هذا النوع من الرسائل ابن برد الأصغر، والأديب لسان الدين بن الخطيب.

الغاية من الرسائل الأندلسية

انقسمت الرسائل في العصر الأندلسي بحسب الحاجة التي كتبت من أجلها، ويمكن أن نحصرها بقسمين رئيسيين هما:

1- رسائل اجتماعية فكرية، تُعنى بمعالجة القضايا الاجتماعية والعقلية والنفسية كذلك، ولم يظهر في هذه الرسائل العناية بأسلوب البيان مثل رسالة الفيلسوف الأديب ابن باجة.

2- رسائل بيانية اهتمت كثيرًا بإظهار أسلوب التفنن والبراعة الأسلوبية، مثل رسائل ابن حسداي والتي تُعرف بالزهريات، وكذلك رسالة ابن برد الأصغر التي كتبها في السيف والقلم.

عوامل ازدهار فن الترسل الأندلسي

مرت الأندلس بالعديد من الأحداث والعوامل التي بسببها ظهر فن الترسل وازدهر في هذا العصر، ومن هذه العوامل ما يلي:

1- عوامل سياسية: اهتم الملوك والأمراء بفن الترسل وذلك لحاجتهم الشديدة إليه، وكذلك أدى كثرة الدواوين إلى الحاجة لكتّاب رسائل كي يسهل أمورهم وتيسيرها، وكان الملوك والأمراء وكذلك القادة بحاجة إلى استخدام الرسائل التي كانت تعينهم بتوصيل الأوامر التي كانت تُصدر في ذلك الوقت مثل أوامر التعيين والعزل، وتقوية العلاقة مع الدول الأخرى، وغير ذلك من الأمور.

عوامل اجتماعية: علت منزلة كتّاب الرسائل عند الملوك والأمراء وذلك لأنهم كانوا بحاجة لمثل هذا الفن في حياتهم اليومية، حتى أن منزلة الكتّاب في ذلك العصر قاربت من منزلة القضاة والوزراء، كذلك اتخذ أهل الأندلس عامةً من هذا الفن وسيلة للتواصل الاجتماعي، وكانوا يلجؤون إلى استخدامها في حالات المدح أو التهنئة أو العزاء وكذلك الشكر، وغير ذلك من الأمور الاجتماعية.

3- عوامل علمية : ظهرت في هذا العصر توجه الكتّاب إلى إبراز براعتهم وتمكنهم في الكتابة في فنون النثر المختلفة ومنها الرسائل، وكذلك ظهر هذا النوع من الرسائل لتوضيح الشروط التي خصصت لمن يريد أن يتخذ هذا الفن صنعة وعمل يتكسب من خلاله، أشهر كتّاب الرسائل في هذا العصر: القاضي الفاضل، والعماد الأصفهاني، ومحي الدين بن عبد الظاهر، وعلاء الدين بن غانم.

الخصائص الفنية لفن الترسل الأندلسي

ظهر التأثر الواضح بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومثال عليه رسالة القاضي الفاضل: “فعرفهم في لحنِ القول” وكذلك رسالة ابن عبد الظاهر: “يقاتلون قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم”.

2- كانت الرسائل في ذلك العصر عبارة عن سجل تاريخي، وذلك لما أرخته هذه الرسائل من تطورات وأحداث مرت على الأندلس، ومثال على ذلك رسالة القاضي الفاضل عند فتح بيت المقدس.

3- غلب على فن الترسل في العصر الأندلسي كثرة استخدام المحسنات البديعية في أغلب أنواع الرسائل، مثل الطباق والجناس، وكذلك ظهر طابع التكلف والتصنع، واللجوء إلى السجع في هذا الفن.

4- امتازت بعض رسائل الكتّاب بغرابة وصعوبة الألفاظ المستخدمة في كتابة رسائلهم، مثل رسائل القاضي الفاضل في رسائله: السَّماك، مردع، متولَّج، وغيرها من الرسائل، أما رسائل ابن عبد الظاهر فقد توجه فيها إلى استخدام الألفاظ السهلة.

أنواع فن الترسل في العصر الأندلسي

خصصت هذه الرسائل لجميع الأمور التي تتعلق بأمور الحكم والخلافة، من عزل وتعيين، وإصدار المراسيم وغير ذلك من الأمور، وهذه الرسائل كانت تصدر من قبل الملوك والأمراء موجهة إلى قادة الدولة والمسؤولين فيها من وزراء وعاملين.

2- الرسائل الأدبية: تعتبر هذه الرسائل مكتوبة لعامة الشعب من الناس، وهي تشبه المقالات في مضمونها، وظهر ما يسمى بالرسائل العلمية التي غلب عليها الطابع الأدبي.

3- الرسائل الإخوانية: وهي عبارة عن رسائل خاصة، وتشبه الرسائل الديوانية في أسلوبها، وأمثلة عليها رسائل ابن زيدون.

وفي النهاية نستنتج أن مدن الأندلس مرت بالعديد من التطورات والأحداث المتتالية وكان لا بد من استحداث طرق تواصل تواكب هذه الأحداث، وقد ظهر فن الترسل من أجل ذلك، وبرز فيه العديد من الكتّاب، وظهر فيها أنواع متعددة من الرسائل.


شارك المقالة: