قدموس مدينة الأسطورة

اقرأ في هذا المقال


قدموس هو أمير شرقي كان مؤسس مدينة طيبة اليونانية وأول ملك لها، وطوال حياته المكتظة تجول قدموس بعيدًا وواسعًا وحارب الوحوش وتحول في النهاية إلى ثعبان، ووفقًا لأشهر الإصدارات ولد قدموس في فينيقيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وكان والده ملك الفينيقيين واسمه أجينور أو فينيكس، وكان لدى قدموس أخت -أو ابنة أخت وفقًا لإصدارات أخرى- تسمى يوروبا (Europa).

أسطورة اختطاف يوروبا

ذات يوم كانت فتاة صغيرة تدعى يوروبا تلعب في مرج على شاطئ البحر وجلست على العشب وحضنها ممتلئًا بالزهور، وكانت تضفر الأزهار في أكاليل من الزهور لإخوتها الثلاثة الكبار قدموس وفينيكس وسيليكس الذين لم يكونوا ببعيد، وفجأة نظرت إلى الأعلى ورأت ثورًا أبيض اللون له قرون فضية جميلة يقف بالقرب منها، وفي البداية كانت خائفة ولكن الثور بدا لطيفًا للغاية ونظر إليها بطريقة ودية لدرجة أنّها فقدت كل خوف منها، وأخذت بعض أزهار البرسيم من حجرها وركضت نحوه ووضعته في فمه.

أكلت الأزهار بلطف من صديقتها ثم بدأت تتنقل على العشب بخفة مثل الطائر، وأخيرًا عندما وصلت إلى المكان الذي كانت يوروبا تضفر فيه زهورها استلقيت بجانبها، وقامت يوروبا بالتربيت عليه وألقت بعض أكاليل الزهور على قرنيه ثم صفقت يديها لترى كم تبدو جميلة، وبعد ذلك صعدت إلى ظهرها عندما نهضت وهرعت حول المرج معها، وكانت يوروبا متمسكة بأحد قرنيه الأبيض وضحك واستمتع بالرحلة ولم يلاحظ أنّ الثور كان يأخذها بعيدًا بعيدًا عن المنزل وأقرب إلى الشاطئ حتى قفز فجأة في البحر وبدأ للسباحة معها.

ثم خافت وصرخت على إخوتها الذين سمعوها فركضوا إلى الشاطئ ولكنهم لم يتمكنوا من إيقاف الثور الأبيض، وتم حمل يوروبا ولم يُر أو يسمع عنها مرة أخرى، وهناك أحد الإصدارات التي تقول أنّه ذات يوم كانت يوروبا تسير على طول الساحل ولفتت انتباه زيوس فحوّل زيوس نفسه إلى ثور جميل واقترب منها، وعندما وصلت يوروبا فوقه حملها بعيدًا عبر البحر إلى جزيرة كريت.

عندما أخبر الإخوة الثلاثة والدهم الملك أجينور بما حدث كان حزينًا جدًا وغاضبًا جدًا إلى جانب ذلك، وقال إنّه لا ينبغي ترك يوروبا الصغيرة بمفردها وألقى باللوم على قدموس أكثر من الأخوة الآخرين لأنّ قدموس كان الأكبر، وأخيرًا قال لقدموس: “انطلق وابدأ بالبحث عن يوروبا وأعدها حيث إذا لم تتمكن من العثور عليها فلا تدخل أبواب قصر والدك مرة أخرى”، وفي تلك الأيام لم يكن بوسع المرء أن يبتعد عن مدينة مسورة دون مواجهة الكثير من المخاطر، ومن ثم حتى لا يكون قدموس وحيدًا تمامًا أرسل والده عبدين ليصاحبه.

عندما أغلقت البوابات الكبرى للمدينة من خلفها بدأ الثلاثة يسيرون باتجاه الغرب حيث كان هذا هو الاتجاه الذي سلكه الثور ومروا عبر الغابات المنعزلة، وعبروا سلاسل الجبال وحاولوا شق طريقهم عبر البحر إلى أراضٍ أخرى، ولكنهم لم يتمكنوا من العثور على يوروبا ولا سماع أي خبر عنها، وشعر قدموس على يقين تام من أنّ البحث كان عديم الفائدة.

 قدموس والتنين

مكان بناء مدينة قدموس

نظرًا لأنّ قدموس لم يجرؤ على العودة إلى المنزل بدون أخته فقد سأل المشاور الحكيم -الوسيط الوحي وهو كاهن عند الإغريق– في ضريح أبولو عما يجب أن يفعله، وكان ضريح أبولو في كهف عند سفح جبل بارناسوس وكان المشاور الحكيم صوتًا غامضًا يبدو أنّه يأتي من القلب من الجبل، فقال الصوت لقدموس أن يتبع عجلة بيضاء يراها ثم إلى الخلف لبناء مدينة على الفور حيث رآها مستلقية.

ثم بعد مغادرة الكهف لم يكن لدى قدموس الوقت الكافي للتسلل إلى الطريق مرة أخرى قبل أن يرى عجلة بيضاء والتي تبعها كما أخبره الصوت أن يفعل، وعندما وصلت العجلة إلى وادٍ جميل رفعت رأسها كما لو كانت تتطلع إلى السماء ثم قامت بإنزال كبير وبعد ذلك استلقت وعلى ما يبدو أنّها راضية تمامًا عن البقعة، وعرف قدموس أنّ هذا هو المكان الذي يجب أن يبني فيه مدينته.

مواجهة قدموس للتنين

بالقرب من المكان الذي اختارته العجلة كان هناك بستان من الأشجار القديمة جدًا، وبين الأشجار في مكان صخري كان هناك كهف، وكان فم الكهف مخنوقًا جدًا بالصفصاف لدرجة أنّ المرء لم يستطع رؤية ما كان عليه داخل الكهف ولكن قدموس اعتقد أنّه يستطيع سماع صوت يتدفق إلى أسفل وبدا الصوت رائعًا وجذابًا لدرجة أنّه أرسل أحد عبيده إلى الكهف للبحث عن نبع ولكن لم يعد الرجل، ثم أرسل قدموس العبد الآخر ليرى ما حدث للأول ولكن هذا لم يعد أيضًا.

لذلك ألقى قدموس جلد أسد حول كتفيه وأخذ رمحه وقوس الرمح ودخل إلى فم الكهف بنفسه، وفي البداية كان الظلام شديدًا في الداخل لدرجة أنّه لم يستطع رؤية أي شيء، وعندما اعتادت عيناه على التغيير من ضوء الشمس الساطع الذي تركه لتوه رأى في الظلام بقعتين مضيئتين وعرف أنّهما يجب أن تكونا عينا بعض الوحش، وكما كان يرى بشكل أفضل فقد صنع شكل تنين ضخم ممدد مع أحد مخالبه القبيحة على شيء يخشى أن يكون جسد أحد عبيده المخلصين، وأخذ حجرًا كبيرًا وألقاه مباشرة على رأس المخلوق، ولكن قشور التنين كانت صلبة وقاسية لدرجة أنّ الحجر تدحرج بعيدًا دون أن يتسبب في أي ضرر.

ثم رمى به الرمح فأصابه بذلك ولكن لم يكن معوقًا كثيرًا وخرج المخلوق من الكهف وهو يصفر وهاجمه بشدة، وعندما اقترب دفع رمحه مباشرة في فمه المفتوح وأخيراً قام بتثبيته في بلوط نبت هناك وقتله، وعندما وقف قدموس ينظر إلى التنين أدرك أنّه على الرغم من أنّه قتل الوحش فقد فقد عبيده، وكان وحيدًا في بلد غريب حيث سيضطر دون مساعدة إلى بناء المدينة التي أمر بها المشاور الحكيم، وعندها فقط أدرك أنّ شخصًا ما كان يقف إلى جانبه، فنظر إلى الأعلى ورأى امرأة طويلة وقوية المظهر بعيون رمادية صافية، وكان لديها رمح في يدها وخوذة على رأسها، وكان يعلم على الفور أنّها كانت الإلهة المحاربة مينيرفا وعندما نظر إليها شعر بشجاعته تعود.

أخبرته مينيرفا أن يحرث الأرض بالقرب ويزرع أسنان التنين وبدا هذا وكأنّه بذرة غريبة للزرع ولكن قدموس فعل ما كان ممنوعًا أن يفعله ثم وقف منتظرًا ليرى ما سيحدث، وبعد وقت قصير بدأت التربة في الارتفاع قليلاً في بعض الأماكن كما يحدث عندما تنمو الذرة، ثم بدلاً من شفرات الذرة بدأت النقاط الفولاذية الحادة في الظهور، ومع صعودهم إلى أماكن أبعد بدت هذه وكأنها رؤوس رمح، ثم ظهرت الخوذات على طول الصفوف، وأخيرًا نشأ رجال مسلحون بالكامل خارج الأرض ووقفوا ينظرون حولهم بقسوة مستعدين للقتال.

اعتقد قدموس أنّ لديه الآن عدوًا أسوأ من التنين واستعد للدفاع عن نفسه، ولكن لم تكن هناك حاجة لأنّ الرجال المسلحين كانوا بالكاد خارج الأرض قبل أن يبدأوا القتال واحد مع الآخر وسقطوا بسرعة كبيرة بحيث لم يبق منهم سوى خمسة، ولكن هؤلاء الخمسة الأخيرين كانوا أكثر حكمة من إخوتهم لأنّهم رأوا أنّهم لم يربحوا شيئًا بقتل بعضهم البعض، وبدلاً من ذلك ألقوا أذرعهم على الأرض في حادث اصطدام وتصافحوا ليروا ما الذي يمكن أن يأتي من مساعدة الآخرين وكان هذا أفضل بكثير، وصافح قدموس البقية ثم اتحدوا جميعًا لبناء المدينة في المكان الذي استقرت فيه العجلة، والمدينة الجديدة كانت تسمى طيبة التي كانت مزدهرة وعاش الجميع هناك بسعادة لسنوات عديدة مع قدموس ملكًا.


شارك المقالة: