تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية الإيطالية، حيث أنها صدرت عن الأديب إيتالو كالفينو، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول أهمية الإنسان من حين لآخر، كما تطرقت للحديث أن العالم يتغير بين لحظة وأخرى، وهذا يؤثر بدرجة كبيرة على الإنسان وعمله، فلا يمكن أن يكون عمله في لحظة ما كعمله تماماً بذات الدقة في اللحظة التي تليها.
قصة أحاديث حول الأهمية
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول نقاش دار بين اثنين من الأشقاء، وقد تم سرد الأحداث من قبل الشقيق الأكبر، حيث تحدث لشقيق الأصغر والذي يدعى أنطونيو وقال: إنهم في العادة يمهدون الأرض في مثل تلك الأماكن، فرد أنطونيو وقال: هل بإمكانك أن تفهم ما أريد قوله إن أي شخص آخر يأتي إلى هذا المكان هنا، ويقوم بوضع قدميه واحدة هنا والأخرى هناك، حيث أضع قدمي تماماً ويمهد الأرض هكذا تماماً كما أفعل أنا.
فرد الشقيق الأكبر وقال: إن جميع الفلاحون يمهدون الأرض بذات الشكل ونفس الطريقة، إلا أن أنطونيو لم يصغي إلى ذلك الكلام، ولكنه قاطع شقيقه وقال: أنني أقول إن هناك أحداً ما لم يمهد الأرض كما أفعل أنا، ولن يكون هناك أحد على الإطلاق مدى الحياة يمهدها مثلما أمهدها أنا بهذه الطريقة، فرد عليه شقيقه: سوف أجعلك تشاهد تمهيد الأرض الصحيح بنفسك، وإنني سوف أذهب الآن وأمهد الأرض بطريقتي، فأجاب أنطونيو: لن يفيدك ذلك الأمر فأنت تمهد بطريقة مختلفة عن طريقتي، فقال له الشقيق: هل تعني أن مجرفتي مكسورة؟.
وهنا رد أنطونيو وقال: أنت لا تفهم المعنى الذي أقصده، فكل ما أريد أن أوصله لك هو أن العالم هو الذي يختلف دائماً، وفي تلك اللحظة بالذات وفي ذلك المكان بالتحديد يقدم أحد الرجال من أجل أن يمهد الأرض، ثم بعد ذلك لا نضعه مرة أخرى، وهنا قال الشقيق الأكبر: علينا أن نعود لنمهد الأرض في يوم الغد.
إلا أن أنطونيو كان متمسك لحد كبير بعناده وتابع حديثه قائلاً: هل تدرك أن تاريخ العالم يصبح مختلف في حال مهدت الأرض أو لم أمهدها من الأساس، وفجأة توقف عن الكلام، وهنا سأل الشقيق: وماذا ترغب بفعله الآن، فأجاب أنطونيو: في هذه اللحظة وفي هذا المكان كان بالإمكان وجود شخص يمهد الأرض غيرنا، لكنه غير موجود، وهذا هو الشيء الجميل في الأمر أي أن اللحظة لا تعود ثانية.
وأكمل حديثه بقوله: إذا كان صاحب الأرض موجود بحد ذاته، فإنه يتم تمهيد الأرض بشكل جيد، وإذا لم يكن موجود بحد ذاته فلا شيء يسير حسب رغبته، كما أن ضربة المجرفة التي تقوم بها أنت في تلك اللحظة لن تضربها بذات القوة والطريقة مرة أخرى، فلن يحصل تاريخ العالم على ضربة مشابهة مرة أخرى على الاطلاق.
وهنا رد عليه الشقيق وقال: سوف نرى وتوقف عن تمهيد الأرض لبعض الوقت، ثم بعد ذلك سأله الشقيق: هل تغيّر أي شيء في نظرك؟ وما تاريخ العالم الذي تغير؟، وهنا ثار أنطونيو وقال: أنت لم تدرك مقصدي، إنه يتغير كذلك لو هممت بتمهيد الأرض، وإن كل تلك الأمور تغير الكثير، فإن فعلت ذلك الشيء، فإن العالم سوف يكسبه، وإن لم تفعل ذلك الشيء، فإن تاريخ العالم يفقد ذلك الشيء الآخر، فرد عليه الشقيق: من المؤكد أن المرء يشعر بأنه إنسان مهم وهو يفكر بتلك الأمور.
وهنا طلب الشقيق من أنطونيو أن يعرض هذا الأمر على مجموعة من الناس، ويتوجه بسؤال لهم ألا وهو: لماذا لم نمهد الأرض بذا الطريقة التي كنا نمهد بها في الزمن القديم؟ إلا أنه واجه صعوبة في كيفية إيصال الأمر وشرخه لهم، فبدأ الشقيق في الحديث معهم بقوله: إنه شقيقي أنطونيو الذي يقول أشياء كثيرة وإن المرء يمهد الأرض بشكل مختلف وبطرق مختلفة، فسألوه الجموع: وكيف أنه يمهد المرء بشكل وطريقة مختلفة؟.
وفي تلك الأثناء أجابهم أنطونيو: أريد أن أوصل لكم معلومة مهمة ألا وهي إن ضربة مجرفة أقوم بها أنا بطريقة ما، وأضرب ضربة أخرى بطريقة أخرى تكون مختلفة تماماً، وهكذا فإن ضربات إنسان ما هي مختلفة تماماً من ضربة لأخرى، كما أن ضربات ذلك الشخص تكون مختلفة تماماً عن ضربات الأشخاص الآخرون، وهنا توجه له الآخرون بسؤال وقد بدا عليهم انشغال البال: حتى ضربتنا كذلك؟ ومنذ تلك اللحظة وسرعان ما شاع الخبر في كافة أرجاء القرية: وبدأ الناس يرددون فيما بينهم أن هناك شخص يدعى أنطونيو يقول: إن تمهيد الأرض يتم بشكل مختلف في كل مرة يتم به الضرب بالمجرفة.
وفي ذلك الوقت همّ رجل يدعى جينو بالبكاء، وقال أمام الجموع: إنني أفعل كل ما بوسعي وأبذل جل طاقتي كي أمهد الأرض بشكل متساوي، وحين سمع أنطونيو بذلك شعر بالغضب وقال: لماذا تشرع بالبكاء أيها الساذج؟ أنني أشعر بالسعادة لكوني أمهد الأرض بضربات تختلف كل واحدة بها عن الأخرى، إلا أن الجميع بدأوا منشغلو البال وهموا بالتفكير قبل القيام بضرب المجرفة، ومنذ ذلك الوقت ولم يعد يرغب الكثيرون منهم بتمهيد الأرض وانصرفوا إلى منازلهم، وقالوا لأنطونيو: لقد أدخلت كثيراً من تلك الأفكار إلى عقولنا وشوشت أفكارنا، وإن تمهيد الأرض لم يعد بالنسبة لنا مثل ذي قبل ولا نستطيع أن نجعله بشكل متساوي تماماً، ولهذا نحن ذاهبون من هنا.
وفي تلك الأثناء شعر أنطونيو بالاستياء وقال لهم: ولكنني لم أصرح بذلك الأمر أمام الجميع من أجل أن أصل إلى هذه النتيجة، بل كنت اعتقد أنكم سوف تصبحون بعد ذلك أكثر سروراً وفرحاً وأنتم تمهدون الأرض بطرق مختلفة، وبعد أن طال شرح أنطونيو لهم ردوا عليه بقولهم: لم يكن أحد منا يفكر بهذه الأمور على الاطلاق، بل كنا نمهد الأرض مكتفيين بذلك.
وفي النهاية قام أحد الرجل من الجموع وقال أمام الجميع: ربما كلام أنطونيو صحيح، فأنني أنضم القصائد الشعرية على الدوام، إلا أنني لا أنضم كل واحدة مثل القصيدة التي سبقتها، ولولا ذلك الأمر لشعرت بالملل من تنظيم القصائد، فما يجعل المرء يشعر بالإبداع هو أنه في كل مرة تكون ضرباته لأرضه مختلفة تماماً عن بعضها البعض.
وأخيراً طلب ذلك الرجل منظم الشعر من أن يقوم أنطونيو بتمهيد أرضه، ولكنه قدم له مطرقه أخرى وطلب منه أن يقوم مرة بالطرق بمجرفته وأخرى بالطرق بمجرفة أخرى، وهذا ما جعل أنطونيو يشعر بسعادة أكثر ويدرك الجميع ما المقصود والمعلومة التي أراد أنطونيو أن يوصلها إليهم.