قصة أظافر صباحية

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر القصة من روائع الأدب الياباني التي صدرت عن الأديب والكاتب ياسوناري كاواباتا، والذي بدوره حصل على العديد من الجوائز العالمية كتقدير له على الإبداع والتميز في الأعمال الأدبية، ومن أبرزها جائزة نوبل للأدب، وقد وصل إلى ذلك الإبداع على الرغم من أنه قد خاض مجال الأدب وهو في سن مبكر من العمر على غرار العديد من الأدباء المبدعين الذين عاصروه، وقد كان من أكثر الأدباء اليابانيين الذين تمت ترجمت أعمالهم ومؤلفاتهم الأدبية إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، كما تم السعي إلى تجسيد كافة أعماله إلى الأفلام السينمائية العالمية.

قصة أظافر صباحية

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الفتيات، وقد كانت تلك الفتاة ما زالت في مقتبل العمر، حيث أنها في أحد الأيام قدمت إلى المدينة باحثة عن غرفة للإيجار، وبالفعل توجهت نحو أحد المنازل وقامت باستئجار غرفة صغيرة تقع في الطابق الثاني من المنزل، كانت تلك الفتاة فقيرة لا تملك الكثير من الأموال، وأول وصولها وحديثها مع أصحاب المنزل ادعت أنها كانت مخطوبة من قبل وأنها كانت تنتظر أن يحين وقت موعد زفافها على أحد الرجال، إلا أنه حدثت ظروف مانعت حصول حفل الزفاف.

ومنذ أن أقامت تلك الفتاة في تلك الغرفة بدأ يتسلل إلى غرفتها في كل ليلة رجل مختلف، على الرغم من أن غرفتها كانت من الغرف التي لا تدخلها ولا تصل إليها أشعة الشمس على الاطلاق، وهذا الأمر كان يتسبب في تواجد حشرات الناموس فيها بكثرة، وكان كل رجل يقيم عندها في الغرفة ينزعج من كثرة تواجد تلك الحشرات، وقد كانت الفتاة تقضي أغلب وقتها في غسل الملابس أمام الباب الخلفي من المنزل، وكانت تلفت انتباه جميع من يراها بارتدائها خف خشبي رجالي بالي وقديم.

وفي تلك الغرفة التي كانت تقع في الطابق الثاني كان كل رجل يدخلها يسأل السؤال ذاته للفتاة وهو: لماذا يكثر الناموس في تلك الغرفة، أليس لديك ناموسية؟ وهنا كانت في كل مرة تعتذر الفتاة من الرجل الموجود على كثرة الناموس وتشير إلى أنها سوف تبقى مستيقظة طوال الليل من أجل أن تبعد البعوض عنه، كما كانت تطلب السماح من الرجل، ومن جهة أخرى كانت الفتاة تقوم بشكل متعمد وكونه كان يعترها الغضب في هذه الحالة بإضاءة أحد المصابيح الذي يتميز بلونه الأخضر، حيث أن ذلك المصباح من النوع المتخصص للتعامل مع البعوض، وتقوم بإطفاء المصباح العادي.

وفي ذلك الوقت بينما تكون جالسة لوحدها تأخذ في تحديق النظر في الوهج الصغير الخارج من المصباح، وتستعيد العديد من الذكريات التي كانت تمر بها أثناء مرحلة الطفولة التي عاشتها في السابق، وبشكل مستمر تسعى في إبعاد البعوض أحياناً باستخدام المروحة عن أجسام الرجال، وهي ذاتها كانت تحلم بتحريك المروحة لإبعاد البعوض عن نفسها، إلا أنها كانت مضطرة لفعل ذلك بسبب حالة الخجل والإحراج التي تعتريها.

ومع مرور الوقت كانت فصل الخريف قد بدأت تطل مطالعه، وفي تلك الأثناء قدم رجل كبير في السن إلى ذات الغرفة الواقعة بالطابق الثاني، وقد كان ذلك من الأمور غير المألوفة للفتاة، وأول ما حط رجله في الغرفة سأل الفتاة: ألن تعلقي الناموسية؟ وهنا قدمت الفتاة اعتذارها منه وقالت: سوف أبقى مستيقظة طوال الليل وأبعد البعوض عن منامك أرجو أن تسامحني، وهنا رد عليها العجوز: وهل يعقل ذلك؟ أطلب منك أن تنتظريني للحظات فقط، وهنا تشبثت به الفتاة وقالت له: سوف استمر في إبعاد البعوض عنك حتى بروز الصباح، ولن أخلد إلى النوم على الإطلاق.

لم يأبه العجوز إلى طلبها ومضى بالنزول عن الدرج وهو يردد سأعود بعد قليل، ثم بعد ذلك أضاءت الفتاة المصباح العادي، كما قامت بإضاءة المصباح الأخضر إلى جانبه، وبقيت جالسة لوحدها في الغرفة المضاءة على نحو متوهج، ولكنها الحال في هذه المرة كان مختلف عن كل مرة من قِبل، حيث أنها لم تتمكن من استعادة ذكرياتها في أيام الطفولة، وقد حاولت مراراً وتكراراً أن تستعيد شيء منها ولو بسيط، إلا أنها لم تتمكن من ذلك على الاطلاق.

وبعد أن مضى ما يقارب الساعة من الوقت رجع الرجل العجوز، وهنا سرعان ما استقبلته الفتاة وهي وافقه، وحال وصوله قال للفتاة: أنا سعيد لأن لديك في السقف كلابات من أجل المساعدة على تعليق الناموسية، وبالفعل قام الرجل العجوز بتعليق الناموسية ذات اللون الأبيض والتي كانت قد اشتراها للتو في سقف الغرفة المتهالكة، وهنا دلفت الفتاة إلى داخل الناموسية وبينما أخذت تمد أطرافها شيئاً فشيئاً إلى داخل الناموسية، ازداد خفقان قلبها جراء ملمسها المنعش للروح، وقالت للعجوز: كنت على يقين تماماً من أنك سوف تعود، ولذلك بقيت بانتظارك دون إطفاء المصباح، والآن كل ما أريده هو النظر إلى هذه الناموسية الجديدة وقتا أطول في الضوء.

ولم تمكث الفتاة طويلاً في الانتظار إلى أن راحت في سبات عميق، وقد كان ذلك السبات قد تاقت إليه منذ شهور طويلة، وقد كان تعمقها في النوم جعلها لم تدرك متى غادر الرجل العجوز الغرفة في الصباح الباكر على وجه الدقة، وحين أفاقت من نومها كان على صوت رجل يناديها أنت – أنت، وقد كان ذلك الرجل هو خطيبها السابق.

وحين استندت الفتاة من نومها أول كلمة حطت على مسامعها هي بعد كل هذا الوقت يمكننا أخيراً إقامة حفل الزفاف الخاص بنا، حيث أنها سوف يكون في اليوم التالي، وأول ما لفت انتباه خطيبها في الغرفة كانت الناموسية، إذ قال لها: يا لها من ناموسية جميلة وساحرة إلى حد أن مرآها ذاته يجعلني أشعر بالانتعاش والراحة، وهنا قام بإزاحة الناموسية وهو يتحدث إلى الفتاة وقد جلست من نومها، وجلس هو إلى جانبها، وطلب منها أن تبقى بجانبه تحت الناموسية لبعض الوقت وأكمل حديثه معها بقوله: تبدين كزهرة لوتس عملاقة مفعمة بالحيوية والنشاط.

كما أن الناموسية جعلت الغرفة تبدو نقية صافية مثل قلبك تماماً، وهنا كان ملمس الكتان الجديد والناعم المصنوعة منه الناموسية يشعرها بأنها عروس جديدة في تلك اللحظة، وهنا قالت الفتاة: سوف أقوم من أجل أن أقص أظافر قدمي، وجلست على طرف الناموسية البيضاء التي كانت تملأ الغرفة، وبدت الفتاة في غاية البراءة والنقاء، وفي النهاية أدركت أنها أهملت نفسها لوقت طويل.


شارك المقالة: