قصة أم ملكة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والأديب أرنست همنجواي، وقد اعتبرها النقاد والأدباء أنها من أروع ما صدر من القصص في الأدب الأمريكي، حيث أنها تناولت في مضمونها الحديث حول فقدان الأم بالنسبة إلى الأبناء في مرحلة مبكرة  من العمر، ومدى تأثير الشعور بالفقدان على الأبناء، فشعور الإنسان بأنه لم يمتلك أم ولم يوعى على حسها في هذه الحياة من أصعب المشاعر المحبة التي قد يواجهها، حيث أنه على الدوام يشعر بأنه إنسان ناقص عن الجميع.

قصة أم ملكة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية وهو شاب يدعى باكو، وقد كان ذلك الشاب في مقتبل العمر، حيث أنه في أحد الأيام بينما كان ذلك الشاب راجعاً للتو من دولة إسبانيا إلى المكسيك، استلم أول إشعار له في ذات اليوم، والذي كان قد وصل إليه بعد مرور ما يقارب على الخمس سنوات قضاهن خارج البلاد، وقد كان يتضمن ذلك الإشعار هو أنه ينبغي عليه وضع الترتيبات اللازمة من أجل الاحتفاظ بقبر والدته، وقد كان كل ما يلزمه من أجل أن يجعل القبر من الممتلكات الدائمة له هو عشرون دولار فقط، كان صندوق المال تحت مسؤولية أحد أصدقائه المقربين، وقد طلب صديقه منه أن يقوم هو بنفسه بكافة الأمور، إلا أن باكو أصر على أن يقوم بذلك بنفسه.

وقد أشار إلى أنه القبر يعود إلى والدته وبهذا هو ملزم ومسؤول عن ذلك الأمر، وفي تلك الأثناء لم يمضي أسبوع حتى وصل إليه الإشعار الثاني والذي نص على السرعة في إكمال إجراءات القبر، ومن أجل أن يسارع في استملاك قبر والدته، وهنا عزم على عقد اتفاق مع إحدى الحفلات التي تُعنى بالمصارعة مقابل أن يتقاضى أجر أربع آلاف بيزوس، بالإضافة إلى إقامته لحفلة خيرية، وبعد تلك الحفلات كسب ما يقارب خمسة عشر ألف دولار.

وبعد مرور أيام وصل الإشعار الثالث وقد كان بعد أسبوع تماماً، إذ جاء فيه أنه في حال لم يتم تسديد المبلغ ثمن القبر، فإن قبر والدته سوف يتم فتحه وقذف ببقايا جثتها في المحطات التي يتم بها رمي العظام وهنا قصد باعث الاشعار في الهواء الطلق، وبعد مرور الموعد المحدد في الإشعار الثالث ولم يتم إرسال أي رد عليه من قِبل بوكر، ولذلك تم فتح قبر والدته ورمي شتات عظام والدته، وحين سمع بوكر بذلك أصبح مسروراً أكثر؛ وقد برر ذلك بأن عظام والدته قد أصبحت متناثرة في كل مكان، وأنه بهذا يرى أنها قريبة منه في كل مكان يذهب إليه.

ومنذ ذلك الوقت أصبح بوكر يصرف أمواله في كل مكان هنا وهناك، وأكثر إسرافه كان على النساء، إذ أراد أن يظهر بمظهر الرجل العظيم والكريم ولكنه كان لديه أسلوب مخادع، وبقي على هذا الحال إلى أن أنفق كل ما يملكه من نقود، وعلاوة على ذلك استقرض من صديقه المقرب ستمائة بيزوس، وقد مضى عليهن وقت ولم يقوم بسدادهن، وكل ما كان يسأله صاحبه حول النقود كان يقول له: نحن أصدقاء وسوف أسدد المبلغ في وقت قريب ألا تثق بي؟ وكل ما يقوم صديقه بطلب المبلغ منه كان يقدم وعوداً بسداده فقط.

وهنا بدأ صاحبه في عتابه وأشار إليه أنه وطوال رحلته إلى إسبانيا كان هو من يتكفل بدفع متطلبات منزله في المكسيك، وأنه خلال مكوثه في إسبانيا لم يجري سوى مصارعتين، وأنها خلال تلك الفترة قام بشراء عدد من بدلات المصارعة والتي تلف أغلبها أثناء عودته إلى المكسيك جراء تسرب لمياه البحر إليها، ولم يعد بإمكانه ارتداهن بعد ذلك، وفوق ذلك كله عاد وطلب من صديقه مبلغ آخر من المال، وقد كانت حجته في هذه المرة أنه يقوم بعمل خاص به، إلا أن صاحبه لم يقبل طلبه، وأشار إليه إلى أنه في كل مرة كان يأخذ منه المال كان يردد ذات العبارة وهي عمله الخاص.

وفي أحد الأيام قدم بوكر مع أحد الصعاليك، وقد كان ذلك الصعلوك مفلس ولا يمتلك درهماً واحداً، وحاول أن يستخدمه كحجة من أجل الحصول على النقوم من صندوق المال الذي كان مسؤول عنه صديقه وقال: ها هو الفلاح المسكين بحاجة إلى بضع من النقود؛ وذلك من أجل أن العودة إلى قريته ورؤية والدته المريضة جدًا، بينما في الحقيقة كان ذلك الرجل مجرد صعلوك متشرد ولم يره من قبل على الاطلاق، كما أراد أن يظهره بأنه أحد المصارعين العظماء للثيران أمام أبناء بلدته، وبعد إلحاح من بوكر قام صديقه بتقديم مفتاح الصندوق له وقال: أعطه ما شئت من النقود، أما أنا فسوف أذهب إلى المدينة.

وهنا انتقل السرد إلى صديقه فقال: أخرجت السيارة من أجل قيادتها والتوجه بها إلى المدينة، كانت السيارة في الحقيقة سيارة بوكر، واستطرد الصديق حديثه وقال: لكن بوكر يعلم أنني أقودها بشكل أفضل من قيادته بكثير، ولم يقتصر الأمر على قيادة السيارة، فكل أمر من أمور الحياة كنت أقوم به بشكل أفضل منه بكثير، حتى القراءة والكتابة لم يكن يجيدها بالطريقة الصحيحة، وأثناء طريقي كنت متوجه إلى أحد الأشخاص الحكماء الذي يدلني على طريقة أستد بها ديون الصندوق من على بوكر، إلا أن بوكر أصر على مرافقتي.

وأول ما دخل إلى جانبي في السيارة وسرنا مسافة بها وقبل أن ندخل المدينة أخرج من إحدى جيوبه عشرين بيزوس، وقال: تفضل النقود، وهنا رد عليه الصديق: أيها الغبي تعطي صعلوك خمسين بيزوس وتعرض عليّ عشرين بيزوس فقط، على الرغم من أنك تعلم أنك مدين لي بستمائة بيزوس، لن آخذ أي نيكل منك حتى تحضر النقود كاملة دون نقصان، وهنا نزل صديقه من السيارة وهو خالي الوفاض لا يكاد يملك حتى ما قيمته بيزوسا واحد، كما أنه في تلك المنطقة التي وصل إليها لم يعرف أين سوف يقضي تلك الليلة، إلا أنه تناول أغراضه ولم يراه منذ تلك اللحظة.

وبعد مرور ما يقارب على العام على انقطاعهم عن بعضهم البعض، شاهده في أحد الأيام عن طريق الصدفة يتمشى مع ثلاثة من الشباب، وبعد أن قام بتتبعه طوال اليوم في المساء وهو في طريقه إلى إحدى دور السينما، وإذ به يمد يده نحوي وقال لي: كيف حالك يا صديقي القديم؟ لقد سمعت أنك تتكلم عني بسوء، فأجبته: كل ما قلته عنك هو أنك لم يكن بوسعك المحافظة على قبر والدتك، وهنا رد عليه بوكر: ذلك الكلام أسوأ ما يمكن أن تهين به رجل في إسبانيا، وأكمل حديثه بقوله: لقد توفيت والدتي وأنا صغير في العمر، ولم أتذكر في يوم من الأيام أنني لمست حتى أصابع يديها، وهذا ما جعلني لا أشعر بأنني أمتلك أم.

المصدر: كتاب المجموعة القصصية الكاملة - أرنست همنجواي - 1969


شارك المقالة: