تُعتبر هذه القصة من إبداعات الكاتب ألبيرتو مورافيا، إذ تطرق من خلال محتوى القصة إلى أنه لكل قاعدة شواذ، لقد طرح قصة فتاة طيبة وتكن المحبة واللطف لكل من حولها، إلا أنّه كان لها صديقة مختلفة تماماً عنها بالتصرفات، وأنه على الرغم من مرور العديد من السنوات على علاقتهن، إلا أن تلك الصديقة السيئة لم تتغير.
قصة الإوزة السوداء
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول فتاة سيئة الطباع، حيث أنه كانت في مقدمة القصة تتحدث عن هواياتها إذ قالت: أكثر ما أحبه هو تلك الرياضة التي تتطلب مجهوداً عالياً، كما أنني أحب الطبيعة بكامل فصولها فهي متساوية من الناحية الجمالية، كما أنني أحب الوحدة الصامتة والمدن الريفية التي تخلد بها الناس للنوم فيه باكرًا، ويعم حينها الهدوء.
وبعد أن انتهت من الحديث عن هواياتها انتقلت للحديث عن والدها وقد أوضحت أنه يعمل كاتب عدل أرمل وثري وهي ابنته الوحيدة، وطوال الوقت كل ما يطمح إليه هو إرضاءها، وفي أحد الأيام اشتري لها بيت صغير كان في قديم الزمان تعود ملكيته إلى أحد الأمراء الرومان، وقد كان ذلك البيت قد قام بشرائه لها من أجل قضاء رحلاتها في الصيد، إذ كان حينما تذهب إلى الصيد تقضي عدة أيام، كما كان ذلك البيت يقع إلى جانب إحدى المناطق الريفية التي تعج بالبيوت الصغيرة.
وحينما قام والدها بتسجيل المنزل باسمها قال لها: إن أكبر مكسب لديه هو أن يطور من ميول الهوايات التي تتميز بها الشخصيات الفريدة، وأنت يا فتاتي الجميلة لديك ميول وذوق رفيع لا بد أن يتم التشجيع عليه وتنميته، كانت تلك الفتاة تعتبر ذلك البيت من أجمل الهدايا التي تلقتها في حياتها، فقد كرست حياتها بعمل كل ما يحلو لها به، من زراعة النباتات وتربية الحيوانات.
تمتلك تلك الفتاة صديقه من دولة سويسرا تدعى فرانسوا، وكانت تلك الصديقة تساعدها في كل شيء وترافقها في كل مكان تذهب إليه، وعلى الرغم من أن تلك الصديقة كانت رقيقة ورومانسية إلى حد كبير، لكنها كانت أمينة جداً ومخلصة ووفية.
وفي يوم من الأيام انقلبت الأجواء فجأة أصبحت السماء رمادية اللون وقد اتضح أن الأمطار على وشك الهطول، وفي تلك الأثناء كن يقمن بحمام الحصان، ظهر بشكل مفاجئ خادمها وقال لها: يا صاحبة السعادة أنت مطلوبة في مكالمة، وهنا لما تتمتع به من هدوء بينما تكون في الريف فقالت له: لا تناديني بصاحبة السعادة، فأنا لست أميرة من أميرات الرومان، إنني مجرد فتاة كباقي الفتيات.
وأكملت حديثها بقولها: سوف أرد في الحال، وبالفعل قامت بالاتصال وأغلقت سماعة الهاتف وأدارت وجهها نحو صديقتها دون أن تنطق بكلمة عن ما دار في تلك المكالمة، ولكن هنا أخبرتها صديقتها أنها ترغب بالعودة إلى قريتها، حاولت تلك الفتاة السيئة أن تمنعها مراراً وتكراراً، إلا أن فرانسوا صممت على قرارها، وفي تلك اللحظة هددتها فرانسوا في أنها سوف تقدم على قتل نفسها إذا لم تغادر من هنا.
وفي تلك اللحظة اتضح عليها أنها تستهتر إلى حد كبير بتهديد صديقتها، إذ كانت تعتبرها مثل الشخصيات الكرتونية المبالغ فيها، وعلى الرغم من أن فرنسوا كانت تدرك تماماً أنها لن تتجرأ على قتل نفسها، وهنا أخذت فرانسوا بسؤالها: لماذا يخطر ببالك أن تقومي بتحويل علاقة الصداقة الطيبة بيننا إلى ميدان جنوني؟! فماذا يحصل لو كنت تدركين معنى الصداقة الحقيقة بشكل مغاير، وهنا أجابتها الفتاة: من الأفضل أن تحزمي حقائبك وتذهبين الآن، وهنا ثبتت صديقتها في مكانها من هول الكلمة دون أي حركة، حتى أنها لم تبدي أيّ رد فعل ولم تنطق بأي شيء، وبعد لحظات قليلة، قالت لها: خذي الحصان إلى الاسطبل إنني خارجة الآن.
وفي تلك الأثناء أخذت سيارتها الحديثة وتوجهت بنظرة من طرف عينيها إلى فرانسوا بينما كانت تشد الحصان من لجامه محركة إياه تجاه الاسطبل، وهنا ضحكت بطريقة ساخرة وتوجهت بطريقها إلى القرية، وأثناء الطريق وصلت إلى محطة الوقود حيث اللقاء الموعود في مكالمة الهاتف تلك مع أحد الأشخاص.
وفي ذلك الوقت كان يقف الرجل بذلك الوجه الجامد والجسم الرياضي والأناقة الملفتة ومكتوف اليدين على بعد ما يقارب خطوتين منها، وقد كان يلتفت هناك وهناك يلقي بنظراته على الفتيات المارات، وهنا فتحت باب السيارة ونادت عليه قائلة: هيا اصعد إلى السيارة بسرعة ماذا تفعل هنا، وبما تفكر؟
وفي تلك اللحظة حزم أمره وسار ببطء تجاه السيارة، وهنا صعد إليها وهو يسيطر عليه الغضب وقال لها: لماذا تأخرت، فقد اعتدت عليكِ أنك دقيقة في مواعيدك، ولكنه قال لها ذلك من أجل أن يشعر أنه ذو أهمية، لكنها لم تجيبه أبداً، واستمرت في قيادة السيارة بيد واحدة كالمعتاد، وقد أخرجت من جيب السيارة علبة بيضاء كبيره وألقتها على رجليه.
وهنا قام بفتح العلبة بيديه الغليظتين، والتي كانت واضحة أنها يد فلاح، وأخرج ما بداخلها والذي كان سلاح طويل وضخم، فقالت له: تعبت حتى وجدته له عيار خاص وغالي الثمن، لو كنت أعلم أنه كذلك لما وعدتك به، وهنا عاد وأغلق العلبة وأعادها إلى مكانها، بينما السلاح فقد أخفاه في جيب تلك السترة المخملية التي يرتديها، وقال حينها: هذا ينفعني على الدوام.
وهنا أدارت وجهها نحوه وسألته: ولماذا تحتاج إليه هل أنت لص سوقي تسطو على المنازل المهجورة، أم أنك في الحقيقة لص تقوم بسرقة الحيوانات؟ فأجابها: ولماذا تصرين على القدوم معي ما دمت تعتقدين ذلك بي؟ فردت عليه: لأنني أشعر بالسعادة والمتعة فقط، والآن هل حدثني عن ما حصل في يوم أمس؟ فقال لها: ذهبنا أنا ومن يدعى أجستو إلى تلك الفيلا التي تعود ملكيتها إلى الأمريكيين، فلم نجد بها شيء مهم تقريبًا، فأجستو أخذ منها سرج حصان قديم وأنا أخذت رزمة من علب السجائر فقط.
وهنا قالت له: أنت لم تدرك ما طلبته منك، إنني طلبت أن تذهبا إلى تلك الفيلا المجاورة لفيلا الأميركيين، وقد كانت تطلق على تلك الفيلا باستمرار فيلا المنفوخين، وهنا سألها: لماذا باستمرار تناديهم بذلك الاسم، هل تكرهينهم لهذا الحد؟ وما بدر منهم نحوك؟، وفي تلك الأثناء انعطفت باتجاه إحدى الطرق الفرعية داخل مسرب تحفه الأشجار من كلا الجانبين، حتى أن أغصان الأشجار أخذت تتخبط في جوانب السيارة، وأوقفت السيارة بداخل ذلك المكان لما يقارب على الساعة.
ثم بعد ذلك قامت بتحريك السيارة متجهة في طريق العودة، وحينما وصلت إلى منتصف الطريق وحاول أن يداعب خدها برقة، ولكنها سرعان ما قامت بمنعته على الفور، إذ كانت تكن له كره كبير حد الموت، فنهرت به وقالت: أنزل يدك، قال لها: إنك في كل مرة تكرري إهانتك لي.
وبعد أن وصلت إلى المنعطف أوقفت السيارة وقالت له: لقد وصلنا على بعد ما يقارب كيلو متر من القرية هيا انزل من السيارة، وحينما تردد في النزول قالت له: انزل وإلا سوف أذهب بك الى القرية وأقوم بتسليمك لمركز الشرطة وأريحهم من عناء البحث عنك طوال الوقت، وهنا فعل التهديد فعله، وبالفعل همّ بالنزول من السيارة وهو يتمتم عن أنها تتعمد إهانته في كل مرة.
وفي تلك اللحظة وجهت بالسيارة في طريقها نحو البيت، وهنا خطر ببالها للحظات أن فرانسوا من الممكن أن تكون بالفعل قامت بقتل نفسها، فإنها تمتلك شخصية تماماً مثل شخصيات الرسوم المتحركة، وحينما وصلت إلى المنزل قامت بالبحث عنها، فوجدتها في حجرتها ممددة على السرير، وكانت يداها متشابكتان تحت رأسها، وهنا تحدثت إليها الفتاة السيئة وقالت لها: كان يتوجب عليك أن تقومين بالانتحار.
وهنا ردت عليها فرانسوا: أتتذكرين أول مرة التقينا أنا وأنت بها، كنت في ذلك الوقت إلى جانب بحيرة للإوز، وفي تلك البحيرة كانت جميع الوزات ذات لون أبيض، ولكن كانت هناك إوزة واحدة ذات لون أسود قاتم وحيدة، وفي تلك اللحظة نظرت إليك وقلت لك أنت تماماً مثل تلك الإوزة السوداء الوحيدة، وفي النهاية رددت في نفسها وقالت: يا لها من فتاة رومانسية بشكل لا يمكن أن يطاق أبداً، تلك الفتاة مدمنة الروايات الرومانسية المصورة ثم أخذ المطر بالهطول بغزارة وسط تلك الأجواء الخريفية.
