قصة التوأم الصامت

اقرأ في هذا المقال


تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول فتاتين توأم ولدتا بطريقة طبيعية، ولكن ما لم يكن طبيعي هو أن كلتا الفتاتان تتحدثان بلغة مختلفة، ولم ترغبان في يوم من الأيام الحديث مع أي شخص آخر خارج نطاق العائلة، إلى أن توفيت إحداهن فانطلقت الأخرى في الحديث مع الناس من حولها.

قصة التوأم الصامت

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الأسر التي تعرف باسم عائلة جيبونز، وقد كانت تلك العائلة تنحدر أصولها من إحدى المدن التي تعرف باسم مدينة بربادوس التابعة إلى منطقة الكاريبي، وفي يوم من الأيام هاجرت تلك العائلة إلى مملكة بريطانيا العظمى في الستينيات من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أن تلك العائلة كانت تتحدث باللغة الإنجليزية في البيت، إلا أن هناك فتاتين في تلك العائلة توأم الأولى تدعى جون والفتا الثانية تدعى جينيفر بدأتا وكأنهما تتحدثان لغة أخرى، وقد كان تعتقد تلك العائلة أنها تلك اللغة التي نسخة من اللغة الكريولية، وهي اللغة التي يتحدث بها السكان الأصليين لجزيرة بربادوس.

وقد كانت تلك الفتاتين منعزلات بأنفسهن، ولم يكن فقط تلك اللهجة الغريبة هي السبب الوحيد في جعلهن يصممن على الانفراد ببعضهن البعض، وإنما لأنهن هن الوحيدات من أصحاب البشرة السوداء في تلك المدرسة الابتدائية، وهذا الأمر قد جعلهن يتعرضن للتنمر من قِبل باقي الطلاب، وقد كان هذا الانعزال قد أدى إلى تعميق ارتباطهن ببعضهن البعض.

وبسبب زيادة التنمر على الفتاتين داخل إطار المدرسة قامت إدارة المدرسة في السماح لهما بمغادرة المدرسة في وقت أبكر من باقي الطلاب؛ وذلك من أجل تجنبهم التنمر والمضايقة أثناء عودتهم للمنزل، ومع مرور الأيام حينما وصلن إلى سن المراهقة أصبحت لغتهما في الحديث مع بعضهم البعض غير مفهومة لأي شخص آخر في العالم، وهذا الأمر لم يتوقف هنا، بل تطور إلى رفض التواصل مع أي شخص غريب كما رفضتا القراءة والكتابة في المدرسة، وفضلتا التزام الصمت أثناء تواجدهن فيها.

وفي السبعينات من القرن التاسع عشر لاحظ أحد الأطباء والذي يدعى جون سلوك الفتيات الغريب أثناء قيامه بإجراءات الفحص الطبي السنوي المعتاد في المدرسة، وحسب ما أشار إليه الطبيب أن الفتاتين لم يظهرا أي ردة فعل طبيعية حينما تلقت اللقاح وأنهما يشبهان الدمى، وقد لفت الطبيب انتباه مدير المدرسة لذلك الأمر، لكن المدير لم يأخذ بما تحدث عنه الطبيب ورد عليه أن الفتيات لا يعاني أي منهن من أي اضطراب نفسي على الاطلاق، لكن الطبيب أخبر واحد من الأطباء الذين يعملون في مجال الطب النفسي وأصر على أنه يجب تسجيل الفتيات في العلاج النفسي.

وعلى الرغم من عرض الفتيات على مجموعة من الأطباء والمعالجين النفسيين، إلا أنهن رفضتا التحدث لأي شخص وبقيت حالتهن لغزًا، وفي يوم من الأيام التقت سيدة تدعى آن وهي ما تعمل كأخصائية في مجال علاج النطق بالفتاتين، وقد رفضتا الكلام مع الأخصائية، وفي النهاية توصلت إلى أنه من الأفضل بقيام تسجيل حواراتهما حينما يتم تركهما بمفردها.

ولكن ما حدث هو أن الأخصائية شعرت أن الفتاة جون كانت ترغب في الحديث معها، وإنما الفتاة جينيفر كانت تقوم بإجبارها على عدم الإقدام على ذلك، ووفقًا لأحاديث الأخصائية فإن جينيفر كانت ملتزمة الصمت، ولكنها شعرت بقوة نظرتها، وشعرت أنها تخيف شقيقتها.

وبعد مرور عدة أيام توصل الأطباء إلى أنه يجب أن يتم فصل التوأم وإرسال الفتيات إلى مدرستين داخليتين مختلفتين؛ وذلك في أمل منهم أن تقوم كل فتاة حينما تصبح بمعزل عن شقيقتها سوف تكون لديها مقدرة على التطوير من إحساسها بذاتها وتخرج من وحدتها، وتبدأ في التواصل مع العالم من حولها.

ولكن أظهر ذلك الحل فشله على الفور، فعوضاً من أن تندمج كل فتاة مع الآخرين أصبحتا شبه جامدتين، وبعد إعادة جمع شمل الشقيقتين مرة أخرى من جديد أصبحتا مرتبطتان ببعضهما أكثر من ذي قبل، ولكن ما حدث في هذه المرة هو أن الفتاتان أصبحتا أكثر بعد عن العالم الخارجي، كما أنهما لم تعودان للحديث إلى والديهما بالكلام وقد كانتا تتواصل معهما من خلال كتابة الرسائل.

وفي يوم من الأيام والذي كان يصادف عيد ميلاهما تم تقديم لكل واحدة من الفتيات دفتر مذكرات، ومنذ ذلك اليوم وقد بدأتا في كتابة مسرحيات وأفكار وأظهرا شغف في مجال الكتابة والإبداع فيها، حينما بلغتا الفتاتان سن السادسة عشر عامًا، حصلتا على دورة في الكتابة الإبداعية عن طريق البريد، ومنذ ذلك اليوم وأخذتا في ادخار الأموال من أجل أن يتمكنا من نشر كتابتهما في بعض الصحف المحلية المشهورة.

وقد كانت المواضيع التي يختارانها إلى من أجل الكتابة هي غريبة ومقلقة مثل سلوكهم تمامًا، وبعد نشر أحد الكتب لهما شعرت الفتاتين بالملل من مجرد تأليف روايات وقررتا الخروج خارج جدران منزلهما وتجربة الاختلاط بالعالم الخارجي، وأول ما بدأن به هو تجربته تناول الكحول وارتكاب جرائم صغيرة، وفي النهاية تطورت تلك الجرائم حتى أصبحت جرائم كبيرة، حيث أنهما كانتا تقومان بإشعال عدة حرائق بشكل متعمد، وفي أحد الأيام تم اعتقالهما وضعهما في مصحة شديد الحراسة للجنائيين المجانين.

وهناك في المستشفى بدأ الأطباء بعلاج الفتاتان بجرعات زائدة من أحد أنواع المضادات الذي يعرف باسم مضاد الزهان، وهذا المضاد قد تسبب في عدم وضوح الرؤية لدى جينيفر، وعاشت الفتاتين في المصحة لمدة تقارب على الاثني عشر عامًا، وطوال تلك الفترة لم تتوقفا عن تدوين ما يحدث معهن بشكل يومي، وقد بدأن الفتاتين في الحديث مع الطبيب المسؤول وطلبا منه أن يسمح لهما بالخروج إلى خارج المصحة، إلا أنه رفض ذلك الأمر قطعياً وأبلغهما أنهما سوف يمكثان في المصحة لمدة ثلاثين عامًا.

وفي النهاية تم اتخاذ الإجراءات من أجل القيام بنقل التوأم إلى عيادة أخرى، وأول ما وصلوا بهما إلى تلك العيادة لم تستيقظ جنيفر أبداً وتم الإعلان عن وفاتها؛ وبعد الكشف عن سبب الوفاة تبين أنها أصيبت بالتهاب في القلب، ومنذ تلك اللحظة التي توفيت بها جينيفر بدأت جون تتحدث إلى الجميع كما لم تفعل من قبل طوال حياتها، وتم تسريحها من المصحة بعد فترة قصيرة، وأخذت بالعيش حياة طبيعية كباقي الناس، فلم يعد لديها أي رغبة في التزام الصمت.

ومن خلال الاطلاع على يوميات الفتاتين تم اكتشاف أن جون كانت تخاف من شقيقتها كثيراً، بينما جينيفر فقد كتبت أنها كانت ترى هي وشقيقتها أن الآخرين من حولهم يظهروا أنهم أعداء قاتلون، كما أشارت جون أنها كانت ترغب في إبعاد نفسها عن شقيقتها وقد وصفتها بأنها استبدادية، وحينما تم سؤال جون عن سبب صمتهما طوال تلك السنوات الماضية، قالت أنهما اتفقتا على ذلك منذ زمن طويل أن تكتفي كل منهما بالأخرى.

المصدر: كتاب من الأدب الأمريكي المعاصر - توني موريسون - 2014


شارك المقالة: