قصة الجزيرة التي تغير السيادة كل 6 أشهر

اقرأ في هذا المقال


تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول إحدى جزر المحيط الهادئ والتي تم إخضاعها إلى السيادة المشتركة بين دولتين، أي أنه كل ستة أشهر تحكمها واحدة من الدولتين بأنظمتها وقوانينها.

قصة الجزيرة التي تغير السيادة كل 6 أشهر

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة على الحدود بين دولتي فرنسا وإسبانيا، حيث أنه في يوم من الأيام في إحدى الجزر والتي كانت تُعتبر من جزر المحيط الهادئ وتعرف باسم الفزان، وقد تم تقديم وصف لتلك الجزيرة على أنها تقع بمسافة قدرت بأنها أقل من ستة كيلو مترات قبل الوصول إلى واحد من الأنهار الشهيرة في تلك المنطقة والذي يعرف باسم نهر بيداسوا، من جهة أحد أشهر المحيطات هناك وهو المحيط الأطلنطي، وفي فترة من الفترات وعلى وجه التحديد في منتصف القرن السادس عشر قدم إلى تلك الجزيرة فريق كامل من المسؤولين من كلا الدولتين فرنسا وإسبانيا.

وقد كان ذلك الفريق هم مجموعة من الممثلين عن كلا الدولتين من أجل القيام بالتوقيع على إحدى المعاهدات والتي تقتضي إنهاء حرب الثلاثين عاماً، وتلك المعاهدة كان قد أطلق عليها اسم معاهدة جبال البيرينيه، وعلاوة على أن تلك المعاهدة أنهت الحرب، فهي كذلك تم من خلالها وضع مجموعة من الحدود الجديدة والتي كانت تمتد على طول جبال البيرينيه وتتبع على طول نهر بيداسو إلى أن تصل إلى خليج يعرف باسم خليج بسكايو والذي كان تابع إلى أحد المحيطات والذي يعرف باسم المحيط الأطلسي.

وقد قدم الفريق الممثل لكلا الدولتين من أجل التوقيع على تلك المعاهدة، وحينها تم تشكل تلك الحدود الطبيعية بين كل من دولة فرنسا ودولة إسبانيا، كما هو الحال عادة مع الحدود التي تتبع مجرى النهر؛ وذلك من أجل أن يتم تثبيت تلك الحدود الفرنسية الإسبانية على طول مركز النهر، كما أنه من الناحية المنطقية والمثالية، كان ينبغي تقسيم الحدود عبر تلك جزيرة، كما أنه كان من المفروض أن يتم تقسم الجزيرة على الرغم من المساحة الصغيرة التي تبلغها وهي ما تقارب على 1.6 فدان إلى جزأين، وأن يتم فرض سيطرة الحكومة الفرنسية على جانب، وسيطرة دولة إسبانيا على الجانب الآخر، ولكن ما حدث في تلك المعاهدة هو أنه تمت الاتفاق على نوع مختلف من الترتيبات، والتي من خلالها أصبحت الجزيرة عبارة عن ملكية مشتركة.

وفي تلك الفترة بدأت تلك الدول شيئاً فشيئاً تفرض سيادتها المشتركة، والتي كانت تتجسد في قيام مجموعة من الدول بممارسة عليها السيادة على قدم المساواة، دون أن يتم تخصيص أي من المناطق الوطنية، ومن أبرز الأمثلة على مثل تلك السيادة هي ما كانت تعرف باسم جزيرة أنتاركتيكا، فقد كانت تتم عليها مثل تلك الممارسات من السيادة المشتركة، والتي كان يتم وصفها بأنها من أكثر الجزر التي تخضع لسيادة مشتركة ناجحة على مر التاريخ.

وفي تلك الفترة كان هناك مجموعة من الجزر والأماكن ذات السيادة المشتركة، ولكن الغالبية العظمى منها لم يستمر لفترة طويلة، وقد كان يعود ذلك إلى العديد من الأسباب؛ وذلك لأن تلك الأمور الكبيرة تحتاج إلى مجموعة من المقومات ومن أبرزها وأهمها هو أن يظهر هناك التعاون من كافة الأطراف المعنية في تلك السيادة، وعلاوة على ذلك كان مثل تلك الأمور تتطلب التفاهم والالتزام بالاتفاقات والعقود المبرمة بخصوص ذلك الأمر، ومعظم تلك الأمور كان من الصعب أن يتم الالتزام بها وضمانها من قبل جميع الأطراف المشتركة في تلك السيادة لفترات طويلة من الزمن، إذ أنه بمجرد أن يفشل الوصول إلى أي من تلك الركائز الأساسية سوف يتم انهيار وفشل وسقوط كل شيء السيادة المشتركة.

وفي تلك الأثناء لم تكن تلك الجزرة هي من أقدم الجزر التي تم ممارسة أمر السيادة المشتركة عليها، ولكن ما كان مختلف في هذه المرة، هو أن السيادة لم يتم الاتفاق على تقسيم أمرها والحسم فيها في ذات الوقت الذي تم فيه التوقيع على المعاهدة، وإنما تم ذلك الأمر في وقت لاحق، وعلى الرغم من ذلك لم يشكل ذلك الأمر عائق أمام الدولتين، فقد تم الاتفاق على التناوب بالسيادة كل ستة أشهر تكون من حق واحدة من الدول الموقعة على المعاهدة، إذ أن تلك الجزيرة تكون تحت سيادة دولة فرنسا في الست الأشهر الأولى من السنة وتخضع لكافة الأحكام والقوانين فيها.

وفي الستة الأشهر الآخرين تكون تحت سيادة دولة إسبانيا وتخضع لكافة أحكامها وقوانينها وأنظمتها، وفي يوم من الأيام قامت واحدة من أشهر الصحف العالمية والتي تعرف باسم صحيفة نيويورك تايمز وتحدثت في إحدى مقالاتها حول السيادة المشتركة المقامة على أرض تلك الجزيرة وأشارت إلى أنها في سيادتها تلك تشبه إلى حد كبير الكرة في لعبة بينج بونج، إذ أنها تسير بشكل بطيء جداً بين كل من فرنسا وإسبانيا.

وفي يوم من الأيام قبل تلك الفترة التي اشتعلت بها قبل الحرب والتوقيع على تلك المعاهدة كان مصير تلك الجزيرة غير معروف على الاطلاق من جميع النواحي، إذ كان الموقع التي تحتله تلك الجزرة هو من المواقع المحايدة للعديد من الأطراف، ولم يكن يقيم فيه أي من السكان إلى القليل القليل، ونظراً لجماليتها والمناظر الخلابة التي تتمتع بها كان في أغلب الأوقات يتم استخدامها من أجل القيام بعقد الاجتماعات بين المسؤولين الكبار والملوك والأمراء لكلا الدولتين، كما كان يتم بها عقد المؤتمرات المهمة والتي يتم بها اتخاذ قرارات مهمة وكبيرة بخصوص الدول، كما أنه كان يتم على تلك الجزيرة عمليات لتبادل السجناء الذين يشكلون خطراً على الأفراد والمواطنين والمتهمين بأمور خطيرة.

كما أنه كان في العديد من الأوقات عبر السنة يلجؤون إليها العديد من الشخصيات المهمة لقضاء عطلتهم الصيفية، وكافة تلك الأمور كانت قد جعلت من تلك الجزيرة رمز للأعمال التاريخية ذات الأهمية والشاهدة على أهم وأبرز الأحداث التاريخية الهامة في الجزيرة، وخلال تلك السيادة المشتركة التقى فيها أحد الملوك الفرنسيين والذي يعرف باسم الملك لويس الثالث عشر بالسيدة الإسبانية التي تزوج منها فيما بعد، كما أنه التقى شقيق السيدة الإسبانية ويدعى فيليب الرابع بالسيدة الفرنسية التي تزوج منها فيما بعد وهي من كانت شقيقة الملك لويس، وفي وقت لاحق التقى ملك آخر من الملوك الفرنسيين ويدعى لويس الرابع عشر بسيدة إسبانية التي تزوج منها في وقت لاحق وتدعى ماريا تيريزا.

وفي النهاية بعد مرور عامين على تلك السيادة المشتركة والتي جرت من خلالها العديد المبادلات في الزواج، كزواج السيدة الفرنسية التي تدعى ماري لويز أورليانز إلى الملك تشارلز الثاني من إسبانيا، وزاوج السيدة الإسبانية وتدعى ماريانا فيكتوريا إلى الملك الفرنسي لويس الخامس عشر، ومنذ تلك الفترة وحتى الوقت الحاضر لم يتم فتح تلك الجزيرة أمام الزوار والسياح على الرغم من أن موقعها أصبح قريب منه العديد من المعالم من كلا الدولتين كالمصرف الإسباني والعديد من المعالم الفرنسية.

العبرة من القصة هي أنه هناك العديد من الأماكن التي تخلد لها ذكريات جميلة خاصة بها، بغض النظر عن الظروف والتغيرات التي تحدث في هذه الأماكن.

المصدر: كتاب 100 قصة قصص فرنسية - محمد السباعي - 2011م


شارك المقالة: