تُعتبر الكاتبة والفيلسوفة آنا سيغرس وهي من مواليد دولة ألمانيا من أهم وأبرز الكاتبات اللواتي ظهرن في القرن التاسع وتميزن في كتابة الروايات والقصص القصيرة، وقد تمت ترجمة مؤلفاتها الأدبية إلى العديد من اللغات العالمية، ومن أكثر القصص التي اشتهرت بها هي قصة الحارس الأمين.
قصة الحارس الأمين
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في أحد القطارات التي كانت تسير في الطريق السريع في مدينة الرور، وقد كان في هذا القطار رجل يحمل بين ذراعيه طفلين هزيلين، لك على الرغم من الحالة التي كان بها الرجل والطفلان إلا أنه لم يتلفت نحوه أحد، إذ كان في تلك الرحلة لكل شخص هموم كافية للتفكير بها، وقد كانت تلك المنطقة تعج بالمصانع التي لا حياة فيها، وكان ذلك اليوم صعب إلى حد أنه بدأ كل شخص وكأنه في غاية الإرهاق.
وعند وصول القطار إلى إحدى المحطات وكان مزدحم تماماً، مما اضطرت فتاة صبية إلى حشر نفسها داخل القطار، لكن لم تعاني من ذلك الأمر فقد كان جسمها النحيل قد ساعدها على ذلك، وهنا وقع نظرها على الرجل الذي يحمل الطفلين، فانتبهت أنه مريض إلى حد الموت.
فسرعان ما أخذت منه الطفلين وبدأت تهدهد الطفلين بعض الشيء، فقال لها الرجل: أنتِ فتاة طيبة، فقالت الفتاة: تبدو أنك مريض لماذا تسافر؟ فأخبرها: لقد حصلت على عمل بعقد لمدة خمس سنوات، ولم يكن لدي أي عمل أكسب منه عيشي، هل لك أن تتخيلي ذلك! لذلك وجب عليّ الذهاب إلى تلك المنطقة، وحين أصل سوف أشفي تمامًا، فسألته الفتاة: هل تشعر بالحمى، فأجاب: بعض الشيء لقد كنت مريض، وقد سبقتني زوجتي إلى المدينة من أجل أن تدبر منزل؛ وذلك لأنه ينبغي عليّ أن أباشر عملي في يوم الغد، إذ تم طلبي من أجل أن أعمل كحارس ليلي في أحد المصانع.
طلبت الفتاة من الرجل أن يحاول أن ينام ويرتاح قليلاً، بالفعل سمع كلامها وخلد إلى النوم، وهنا توقف القطار وأصبح القطار خالي من الركاب، وهنا حاولت أن تيقظه من نومه إلا أنه لم يستيقظ، وبعد عديد من المحاولات الفاشلة في إيقاظه، عزمت على القيام بنفسها نقل المريض وأطفاله وأمتعته بنفسها إلى الصالة التي توجد في المحطة، فقد كان الرجل في تلك اللحظة فاقد الوعي تماماً.
وفي ذلك الوقت كانت صالة المحطة مليئة بالناس، فكل شخص يريد أن يتوجه في طريقه، ولم يلتفت أحد أبداً إلى الرجل المريض، وهنا طلب الفتاة سيارة الإسعاف للمريض، وعند وضعه على الحمالة فاق من نومه وبدأ يصرخ بأنه لا يريد الذهاب إلى المستشفى إذ فكر في أطفاله في تلك اللحظة، وأخذ يشير إلى وصف المكان الذي تنتظره به زوجته بوصف دقيق للفتاة.
وفي تلك اللحظة سرعان ما أخذت الفتاة الطفلين وتوجهت من أجل تسليمهم إلى زوجة المريض والتي تدعى كاترينا، وهنا أخبرتها أن زوجها نُقل إلى المستشفى، صرخت كاترينا بأن زوجها لا يمكنه أن يرقد في السرير فهو يجب أن يباشر في عمله الذي حصل عليه بعد عناء، فقالت لها ماري اذهبي إليه وأنا سوف أعتني بالطفلين، إذ ليس لدي مكان أقطن به.
وعند وصول كاترينا إلى المستشفى تم إخبارها أن حالة زوجها سيئة للغاية، انصدمت كاترينا من ذلك الخبر وأخذت تردد: لكنه كان قد حصل على عمل بحث عنه لعدة سنوات، وما لبثت دقائق إلى أن تم تسليمها أوراق المتوفي وملابسه، وأثناء عودتها إلى المنزل جلست على أحد المقاعد الموجودة في وأخذت تسترجع دقائق حياتها بوجه مصدوم مما حدث، لم تبكي بل طرأت لها فكرة نيرة، إذ في اليوم التالي قدم حارس جديد إلى مكتب إدارة المصنع، وقد كان إنسان قليل الكلام، مما جعل مدير المكتب يقبل أوراقه على الفور، وفي الحقيقة كان تلك الحارس هي كاترينا.
وفي ذلك الوقت كانت بقيت ماري مع الطفلين لرعايتهما ومن أجل أن تحصل هي أيضاً قوت يومها، وعلى الفور استأجرتا المرأتان شقة، وادعن أنهن عائلة واحدة، امرأة وهي ماري ورجل وهي كاترينا وطفلان، فأعجب أصحاب المنزل بهم كعائلة لطيفة، كما كان الرجل وهو كاترينا قليل الحديث وعلى استعداد أن يقدم يمد يد العون لأي شخص يحتاج لمساعدة، وكما كان يحترم العمال في المصنع كذلك، حيث كان يتواجد في مكانه المخصص مع كلبه ومسدسه في الساعات المحددة لعمله، ولا يتأخر عن دوامه ولو دقيقة واحدة.
وكانت هناك أقاويل تسري بين العمال بخصوص ماري، ومنها أنه كيف لفتاة شابة ولطيفة أن تعيش مع الرجل الصارم، وكان أحد العمال ويدعى جورج قد أحبها حد الجنون، كما شعر أنها تكن له ذات المشاعر، وهنا أخبرتها كاترينا بنبرة حزينة أنها إذا ذهبت معه، فإن كل شيء سوف ينهار، ردت ماري: لن أذهب إليه فكيف لنا أن نفقد عملنا، فهو الأهم بالنسبة لي.
وبينما كان الجار يبحث عن الزوج من خلال النظر في شباك الغرفة المطلة على ساحة المنزل، فلم يجد رجلاً بل شاهد امرأة بجسد ضخم ثم تشاجر كل من الرجل والامرأتان حول العائلة، إذ أنكرت كاترينا أنها امرأة؛ وذلك خوفاً منها على عملها إذ كانت صفوف العاطلين عن العمل تزداد يوماً بعد يوم، وبعد أيام قليلة حدث في إحدى الليالي سطو على المصنع ولكن الحارس الليلي كان يقظاً وواعياً، وسرعان ما استخدم المسدس وصوب على الأشخاص الذين قاموا بالسطو، وقد كان لذلك الأمر أثر على الأشخاص من حوله، إذ ازداد احترامه في المصنع والحي.
كان أحد الجيران يشك في في أمر كاترينا، إذ يشعر أن تحت ملابس الحارس امرأة، فانتهز الفرصة في إحدى المرات وأثناء جودها فتح الإنجيل أمامها، وأخذ يقرأ منه بعض الأشياء التي تنهي عن لبس المرأة لملابس الرجال كما ينبغي على الرجل أن لا يرتدي أشياء النساء، وهنا قامت كاترينا بإغلاق الإنجيل وقالت: لقد قمت بذلك الأمر من أجل تأمين الطعام لطفلين، خجل الرجل من ذلك وأكد لها أنه لد يدلي بسرها أمام أحد، وفي ذلك الوقت ازداد عدد اللقاءات بين ماري مع جورج، ولكن جورج فقد عمله، بينما كان الحارس الليلي واحدًا من القلائل الذين ما زالوا يحصلوا على العمل في المصنع.
وفي أحد الأيام حصل انفجار في المصنع فانطلقت صفارات الإنذار، وعج المصنع بالصراخ والجرحى فأغمى على كاترينا، وحين عادت كاترينا إلى وعيها وجدت نفسها في المستشفى الخاص النساء مع نساء أخريات، حيث أنها لم تكن قد انتبهت نحو ضمادتها، إذ سرعان ما قفزت عن التخت وركضت نحو مدير المستشفى، وهناك كررت نفس الكلام التي سبق وإن نطقت بها في إحدى المستشفيات أمام المسؤولة هذا محال لقد حصلنا على عمل.
ولكن سبق السيف العذل كما يقول الحكماء، إذ كان قد تم إرسال الأوراق وانكشف سرها، فحضرت الشرطة إلى الشارع الذي يوجد به منزلهما، وحين أدرك الناس في المنزل تصرف المرأة من أجل أطفالها، بدأوا يسبون الشرطة، ويقولون: إنهما امرأتان شجاعتان لم تؤذيا أي شخص على الاطلاق، وعندما كانت كاترينا تتسلم قرار فصلها من العمل في المصنع، حتى تجمع عمال المصنع وقدموا عوضًا عنها شكوى، ولدى وصول كاترينا فيما بعد، أمسك كل واحد منهم بيدها ورافقوها إلى غرفة إدارة المصنع، وقالوا سوف نساعدك ونقف بجانبك فلا يحق لهم أن يرموك إلى الخارج.
في داخل مكتب الإدارة ضربت كاترينا المنضدة بقبضة يدها، إذ كانت تلك العادة التي يقوم بها حراس المصانع، فقالت الإدارة: نحن لا نريد لك سوى الخير والمساعدة، وكل ما هنالك أننا سوف نسحب منك عمل شاق ونقدم لك عمل أسهل، وقد كان الموقع السهل الجديد من وجهة نظرهم هو عبارة عن سطح ومكنسة وقطعة قماش للتنظيف الأرضيات، تفاجأت كاترينا ولكنها قبلت به جراء أطفالها، أخذت تردد: الأطفال يبقون أطفالً والخبز خبزًا.