تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب الإيطالي للكاتب ألبيرتو مورافيا، وقد تطرق من خلال محتوى القصة للحديث في الجانب الأول عن حلم الفتيات الذي يكون مختلف تماماً عن حلم عائلاتهم لهم، ومن الجانب الثاني تطرق للحديث عن موضوع نظرة الشباب من فتيات وفتيان في انتقاء الشريك الثاني له في الزواج.
قصة الحياة غير النظيفة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول فتاة، في صباح يوم من الأيام كالمعتاد استيقظت من نومها وقد توجه كل فرد من أفراد عائلتها إلى عمله، إذ توجه والدها والذي يعمل في مهنة المحاماة إلى مكتبه ووالدتها توجهت إلى الكنيسة وشقيقاتها إلى الجامعة، والخادمة إلى السوق من أجل شراء احتياجات المنزل.
وفي ذلك الوقت كان سوف يأتي إلى المنزل ذلك الرجل الذي سوف تتزوجه، فقد حان الوقت الذي لا بد فيه أن تتزوج من شخص ما، فقد أنهت دراستها وتعليمها الجامعي وأصبحت في التاسعة والعشرين من عمرها، وفي هذا العمر كانت من وجهة نظر من حولها أنها تأخرت في سن الزواج.
ولكن ما حدث معها وكان السبب في تأخرها عن سن الزواج هو فرط الآخرين من شدة ما سمعوها وهي تقول أن هدفها في هذه الحياة الزواج تكوين بيت وعائلة وإنجاب الأطفال، وقد كانت قد ذهبت إلى عكس أحلام والديها والتي كانت أحلامهم في أن تصبح امرأة فسيولوجية، بما معناه أن تصبح منعزلة، إلا أنه طغى بها الانعزال إلى أن صعد إلى قمة رأسها.
وفي تلك اللحظات كانت الفتاة تفكر في كيف أن الفتيات يجلبن أنظار الرجال، فهي منذ طفولتها وهي تحلم في أن ترتبط برجل وتكون عائلة، وهذا ما دفعها إلى أن تحاول في كل مرة ترى رجل تحاول الإيقاع به، ولكن كلما حاول أحد الرجال الاقتراب منها يجد أنها فتاة عقلانية وسرعان ما يفر منها.
وفي ذلك اليوم دخلت من أجل الاستحمام وبقي تحت صنبور المياه تدور بحركات خرقاء تحت الماء، فهي تدرك وتعرف تماماً قيمة الجمال الذي تتمتع به، وهذا ما يجعلها تتساءل لماذا يفرون منها الرجال، وأول ما خطر ببالها هو أنه ينبغي عليها الاهتمام بنفسها بشكل يومي، تماماً كما يهتم الجندي بسلاحه، وهذا الأمر كان منطلق من مبدأ تفكيرها بالزمن والتقدم في السن.
ومن هنا بدأت تفكر في أنه كم سوف يستغرق منها الاعتناء والاهتمام بنفسها من أجل استقبال زوج المستقبل، ففي البداية يتوجب عليها أن تذهب للمدلكين من باب التجميل ومن ثم إلى مصفف الشعر وغيرهم، وفي تلك الأثناء أشارت إلى أنه هناك الكثير من الوقت سوف يضيع، ففي بداية اليوم كانت تتحرك من أجل إتمام أمورها البسيطة بكل بطء، ولكن حينما اقتربت الساعات من وقت الظهر، فإن حركاتها قد أصبحت أسرع، إذ أخذت بالجري من غرفتها للحمام، ومن ثم تعود من الحمام إلى الغرفة، وفي لحظة ما بدأت بوضع مواد التجميل على وجهها، ومن ثم همت بارتداء ملابسها بما يتناسب مع ذوق الرجل القادم لخطبتها وبعض الإكسسوار.
وفي لحظة ما دق جرس الباب، وحين سمعت صوت الباب أدركت أنه من الواجب أن تقوم هي بفتح الباب له، وبالفعل قامت بفتح الباب ودعته للجلوس في غرفة الاستقبال، واعتذرت منه من أجل أن تكمل تجهيز نفسها، وفي تلك الأثناء لفت انتباهها أنه شاب أنيق ووسيم، وعلى الرغم من أنه كان أصغر منها بخمس سنوات، إلا أنه بدا أكثر نضجاً من عمره، وحينما دخل ذلك الشاب إلى غرفة الاستقبال كان يتمتم بشيء ما، وبعد لحظات قليلة خرجت إليه، حينها كان جلس الشاب بجانب نبتة الاصيص، وبشكل لا شعوري قام الشاب يقطف النبتة ورقة ورقة.
وحينما شاهدته الفتاة طلبت منه أن يترك النبتة وقالت له: أعتقد أنك قدمت إلى هنا من أجل أن تتحدث معي عن حياتنا المستقبلية، فأنا أسمعك بإمكانك الحديث، وهنا تلعثم الشاب من حديثها وقال: سوف نسكن في إحدى المناطق الريفية التي تعرف باسم قرية فيلتي، إذ أنني أقيم هناك مع والدتي وشقيقاتي، فهناك سوف نحيا حياة بسيطة حياة نظيفة، وسوف أقوم بالاهتمام بمزرعتي وأبيع محاصيلي ومنتجاتي وأذهب للصيد، وأنت سوف يكون دورك هو المكوث في المنزل ورعاية الأطفال، سوف تكون حياتنا هناك نظيفة وبسيطة.
وبعد أن أكمل الشاب حديثه وأدلى بما لديه سألته الفتاة: ألن يكون لنا منزل في المدينة؟، فأجابها: لا ماذا سوف نفعل في المدينة؟، ثم أردف حديثه بقوله: سوف نقضي حياتنا في الريف، وإذا كان هناك ضرورة للنزول من الريف، سوف نحجز في أحد الفنادق، فردت عليه الفتاة: حسناً فهمت أنا سوف أمكث في المنزل من أجل الاعتناء بالأطفال، ولكن هنا هل سألت نفسك حول قدرتك على إنجاب الأطفال؟ فرد الشاب: بالتأكيد فنحن عائلة نمتلك الكثير من الأموال ونحب الأطفال بكثرة، وهنا سألته: كم من الأطفال تريد، فرد عليها: ستة أو ثمانية أطفال، ما فائدة الأطفال إن لم يكونوا كُثر، فقالت الفتاة: عظيم جداً، ولكن هل فكرت أنني من سوف أنجب لك الأطفال؟ نظر إليها قائلًا: لطالما قلت أنك ترغبين في أنك تحبين الأطفال.
أجابته الفتاة: نعم لقد قلت ذلك، ولكني أحب أطفال الناس الآخرين، أما حول إنجابي للأطفال لم أصرح بذلك، هيا نحسب معاً أنا في هذا الوقت أبلغ من العمر التاسعة والعشرين عاماً، إذاً عليك أن تحسب ثمانية أطفال موزعين على عشرة أعوام، هذا يعني أنني سوف أصبح في سن الأربعين من عمري ولدي ثمانية أطفال بين عمر السنة والتسع سنوات.
وكما هو معروف للجميع أن الأطفال يحتاجون إلى والدتهم حتى أن يصلوا إلى سن البلوغ، وهذا يعني أنني حينما أصبح في سن الخمسين ينبغي أن أعتني بالصغير، والذي في ذلك الوقت لا يكاد يتجاوز العشر أعوام، فحينما أصبح في سن الخمسين سوف أصبح مثل والدتك الآن سيدة عجوز، وأنت كذلك سوف تصبح رجل ناضج، ولكن سوف يكون لك عملك الخاص في المزرعة والذهاب للصيد وإدارة الممتلكات وغير ذلك من الأشغال.
أما بالنسبة لي فإنني سوف أصبح أشبه بكلب حراسة، فرد عليها: لا أنت كائن بشري وليس حيوان، فقالت الفتاة: أنت تشبه والدي إلى حد كبير، فقد رباني لكي أصبح كما تريد أنت حيوان للاستخدام فقط، فقاطعها الشاب الوسيم وقال: أعدك أن حياتك سوف تكون مثلما كنت تحلمين، فلا داعي للقلق وتلك الأفكار السوداوية عنك، ودعينا نتجنب عناء الحديث في الموضوع، وهنا ردت عليه بقولها: أنت بالفعل تتجنب عناء الحديث في الأمر، فقد استخدمت كلمة حياة نظيفة أكثر من مرة في حديثك، وهذه الكلمة لها معنى حينما يتم النطق بها من شاب مثلك، فالحياة النظيفة لن تنفعك في شيء أيها الشاب بالرغم من وجود أطفالك الثمانية وزوجتك التي تسرك ناظريك.
قالت الفتاة تلك الكلمات وكان من الواضح أنه لم يسمعها من أحد من قبل، والدليل أنه اعتلى على ملامح وجهه القلق الشديد، فقال لها: إذا من وجهة نظرك، ما الذي سوف ينفعني؟، فأجابته وهي تعلو شفتيها الابتسامة: ربما أحبك كثيرًا وأحترمك أكثر كونك إنسان عصامي، فلم تتصرف مثل الشباب الآخرين، إذ اقترحت عليّ شيء جديًا، ولكن للأسف فإن الحياة النظيفة ليست شيئًا جدي.
وهنا رد عليها بسؤال: وما هو الشيء الجديّ حسب اعتقادك، ابتسمت قائلة: ربما يكون العكس تماماً الحياة غير النظيفة، فسألها مرة أخرى: وما تعني كلمة غير النظيفة؟ فأجابت الفتاة: حينما تتحدث إلي عن معنى الحياة النظيفة، سوف أقوم بالحديث إليك عن معنى الحياة غير النظيفة، فقال الشاب: وهل لو عشنا معاً تلك الحياة غير النظيفة، هل سوف تقبلين الزواج مني؟ وهنا شعرت الفتاة براحة كبيرة وأجابته: على الفور.