قصة الدراجة الهوائية ومعسكر الاعتقال

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والكاتب أرمانو كفازوني وهو من مواليد دولة إيطاليا من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في مجال كتابة الروايات والقصص القصيرة، كما تمت ترجمة الغالبية العظمى من أعماله الأدبية إلى اللغة الإنجليزية ومختلف اللغات العالمية حول العالم، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة الدراجة الهوائية ومعسكر الاعتقال.

نبذة عن القصة

من الأحداث القديمة التي دونت في كتب التاريخ ودار حولها الكثير من الأقاويل والنقاشات هي الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وقد كانوا هذين الحديث ما أبرز ما حدث على مستوى العالم أجمع، كما أن هذين الحربين أفرغوا ما في جعبة الكتاب والمؤلفين من أفكار وتناول الأحداث وتدوينها في كتب تحمل عنوان هذين الحربين.

إذ قاموا كل من الفلاسفة والأدباء بتجسيد خضم المعاناة التي عاشها الناس خلال قيام الحرب، وهذا ما جعل كتاباتهم تبدو وكأنها محملة بأوجاع الماضي وانتكاسات الحاضر، وكان هؤلاء الكتاب والمؤلفين من مختلف الجنسيات الدولية، فكن منهم الإنجليز والألمان والفرنسيين وأرباب الأدب الإيطالي وغيرهم الكثير، وقصة الدراجة الهوائية ومعسكر الاعتقال هي واحدة من القصص التي تم تجسيدها لتلك الفترة.

قصة الدراجة الهوائية ومعسكر الاعتقال

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في منطقة تقع عند مصب نهر البو، وهذا النهر كان يقع في شمال شرق إيطاليا، وعلى وجه الخصوص في مدينة باسكارولا، حيث أنه في هذا المعتقل كان يعيش أحد السجناء التي تم القبض عليه في الحرب العالمية الثانية، فقد قضى في معسكر الاعتقال الذي يعرف باسم بماوتهاوزن ما يقارب العامين، كانت الأجواء في ذلك المعتقل غريبة للغاية، إذ كان المكان يسوده الظلام وطبيعة الحياة فيه مختلفة تماماً عن الحياة في الخارج، ولكن هذا السجين لم يكن يدرك أنه أصبح في داخل هذا المعسكر على وجه التحديد، حيث أنه لم يكن قد سمع عن المعتقل، فلم يكن الحديث عنه سائد ومعروف في تلك الفترة.

وفي ذلك الوقت بعد الانتهاء من الحرب الثانية، كان جميع السجناء الموجودين في المعسكر يتضورون من شدة الجوع، ففي تلك الأثناء كان كل ما يتم تقديمه للسجناء هو عبارة عن حساء واحد لا يوجد غيره، وهذا الحساء كان مجهول الهوية، بحيث أنه لم يكن يدرك أي من السجناء من ماذا يتم صنعه، وما هي المكونات التي توضع فيه، ولكن على الرغم من كل ذلك كانوا قد اعتادوا السجناء أن يتناولون ذلك الحساء باستمتاع؛ وذلك لأنه في نظرهم المهم أنهم كانوا يحصلوا على هذا الحساء بالمجان، ولم يكن قد اعتادوا في الخارج أن يحصلوا على شيء دون مقابل، وكان في بعض الأوقات كان يخيل للسجين أنه رأى حبة فاصوليا داخل مكونات الحساء.

فالسجين حينما دخل إلى المعسكر كان جسده نحيل للغاية، ولم تكن تلك حاله وحده، بل كانت حالة جميع سكان باسكارولا التي قدم منها، كما كان جميع السجناء من حوله يمتلكون جسد نحيف كذلك، وهذا ما جعله يعتقد أن أمر الضعف سمة عامة لدى الجميع، ولم يتخيل له في يوم من الأيام أن هذا الأمر يعود سببه إلى سوء التغذية، ولكن اكتشف السبب الرئيسي بعد انتهاء الحرب، إذ أنه في معسكرات الاعتقال لم يتم السماح بوضع أي نوع من أنواع لحوم الدجاج في الأكل، على الرغم ن هناك قسم من السجناء يطالبون بالدجاج، إلا أنهم كانوا يبنون أفكارهم على الأبحاث والدراسات العلمية، والتي كانت تقر في ذلك الوقت أنه الدجاج ليست من الطيور الصالحة للأكل.

وفي تلك الفترة كان الطقس في المعسكر شديد البرودة، لكن السجين لم يكن يشعر بتلك البرودة القاسية؛ وذلك لأن مدينة باسكارولا كانت من أكثر المناطق برودة، إذ أن تلك المدينة التي لم يكن لديها أي مصدر اقتصادي يدر عليها بالدخل، حيث كانوا سكانها يحصلون على قوتهم من خلال عمليات الصيد لعدد قليل من الأسماك البحرية، ولكن حتى الأسماك في تلك المدينة كانت كذلك هزيلة وضعيفة جداً، فجميع سكانها كانوا يعانون من الجوع.

ولكن مع مرور السنين كانوا قد اعتادوا السكان في هذه المدينة على تلك الظروف المعيشية الهزيلة، فلم ينشغلوا في يوم من الأيام على التفكير حول مجابهة تلك الظروف وتحديها والوصول إلى مستوى معيشي أفضل من ذلك الذين يعيشون به، فقد كان الأطفال لا يحصلون سوى على المحار من النهر، وهذا ما كان يجعل أجسادهم لا تكبر سوى شيء بسيط، بينما البيض فقد كان من الأمور النادرة أن يحصلوا عليها، إذ لم يكن في تلك المدينة إلا بضع دجاجات، وقد أصيبت بالكساح والضعف ولم تقوى على البيض.

وفي أحد الأيام كان ذلك السجين أثناء قيادته للدراجة الهوائية التي يمتلكها متوجهاً من مدينة باسكارولا إلى مدينة كوماكيو، توقفت إلى جانبه سيارة جيب على متنها بعض الجنود، وفي تلك اللحظة أجبروه على أن يعتلي السيارة معهم ويترك دراجته على الطريق، وعندما ركب معهم أوصلوه إلى أحد القطارات الذي كان يعج بالعشرات من الأشخاص، وفي تلك اللحظة لم يكن يفكر السجين سوى في مصير الدراجة التي كان قد تركها على قارعة الطريق فقد بدأ يشعر بالقلق اتجاهها خوفاً من أن يقوم أحداً بسرقتها فقد كان لا يملك سواها، وهنا بدأ يسألهم عن مصيرها وهل أنه سوف يعثر عليها حينما يعود، ولكن لم يقدم له أحد ممن حوله أي إجابة، فلم يكن يعرفون إلى أين سوف يذهبون وكم سوف يلبثون وما هو مصيرهم.

وفي ذلك الوقت كانت الحرب العالمية الثانية في ذروتها، وهذا الأمر لم يكن يعرفه ذلك السجين، ففي تلك المدينة لا يمتلكون أي وسيلة اتصال بالعالم الخارجي، ولكن مع مرور الوقت اكتشف ذلك الأمر، كانت أسلوب تعامل الجنود مع الأشخاص سيء جداً، حتى الطريقة التي كان يتعامل بها عمال السكة الحديد كانت أسوأ كذلك، حيث كانوا يزجون الركاب بكل وحشية، وهنا لم يسأله أحداً من العمال عن شيء ولا حتى عن تذكرته في ظل ذلك الاكتظاظ الرهيب.

ولكن كل الأحداث التي حصلت معه والحال التي هو فيها، لكنه لم يستطع أن ينسى دراجته الملقاة في تلك الحفرة على حافة الطريق، فخلال السنتين اللتين قضاهما في السجن، كان المعاناة الوحيدة التي تشغل باله وتفكيره هي دراجته الهوائية، وقد كان يسأل نفسه على الدوام هل من الممكن أنه تعرضت للصدأ؟ وهل من الممكن أن قام أحدهم بإفراغ إطاراتها؟ وكان دائمًا يبعث الرسائل إلى أقاربه ويسألهم هل وجدتم دراجتي؟ وهل أحد منكم رأى دراجتي؟.

لكن مع كل محاولاته لم يجيبه أحد في يوم من الأيام، وهنا حاول اللجوء إلى الجنود الحراس على المعسكر ويسألهم عن دراجته، وقد طلب مرة أن يقوم مركز المعسكر بمخاطبة المركز في المدينة التي ترك بها دراجته والسؤال عنها، ولكن كانوا دائماً يأخذون كلامه على أنه هراء، وفي النهاية لم يعلم السجين أي معلومة عن دراجته ولا ما هو حالها.

المصدر: كتاب مذكرات ناج من معسكر الاعتقال – الكاتب أرمانو كفازوني


شارك المقالة: