قصة الصحوة الثانية لبلوندين

اقرأ في هذا المقال


قصة الصحوة الثانية لبلوندين أو (Blondine’s Second Awakening) هي قصة خيالية من كتاب الحكايات الشعبية الفرنسية الطويلة، وكل قصة لها عدة فصول، للمؤلف، (Comtesse de Ségur)، نُشرت عام 1920، للناشر: شركة (Penn Publishing Company)

الشخصيّات:

  • بلوندين.
  • بوني بيتش.

قصة الصحوة الثانية لبلوندين:

نامت بلوندين بعمق، وعندما استيقظت وجدت نفسها متغيرة تمامًا، في الواقع، بدا لها أنّها لا يمكن أن تكون نفس الشخص، كانت أطول من نفسها بكثير، وتطوّر عقلها، وتوسّعت معرفتها، تذكرت عددًا من الكتب التي اعتقدت أنها قرأتها أثناء نومها، كانت متأكدة من أنّها كانت تكتب وترسم وتغني وتلعب على البيانو والقيثارة، نظرت حولها ، وعرفت أنّ الغرفة هي نفسها التي قادتها لها أنثى الأيل والقطة والتي نامت فيها.

نهضت مضطربة، وركضت نحو الزجاج، رأت أنها كبرت كثيرًا ووجدت نفسها ساحرة وجميلة، أجمل مائة مرة مما كانت عليه في الليلة السابقة، طالت خصلات شعرها الفاتحة على قدميها، وكانت بشرتها مثل الزنبق والورد، وعيناها زرقاء سماوية، وأنفها جميل الشكل، وخديها ورديتين، وشكلها رشيق، اعتقدت بلوندين نفسها أجمل شخص رأته على الإطلاق.

كانت مرتجفة، وخائفة تقريبًا، ارتدت ملابسها على عجل وركضت للبحث عن أنثى الأيل التي وجدتها في القلعة التي رأتها فيها لأول مرة، كانت تركض وتصرخ: أيتها الأيل، أناشدك أن تشرحي لي التغيير الذي أراه وأشعر به في نفسي، الليلة الماضية ذهبت لأنام طفلة، واستيقظت هذا الصباح ووجدت نفسي شابة، هل هذا وهم أم أنني بالفعل أنمو وأتطور هكذا أثناء الليل؟

أجابتها أنثى الأيل: نعم، عزيزتي بلوندين، أنت تبلغين من العمر أربعة عشر عامًا اليوم، لكنك نمت بسلام سبع سنوات، تمنيت أنا وابنتي بومينون أن نجنبك تعب كل الأحداث القادمة عندما دخلت القلعة لأول مرة، لم تكوني تعلمتي شيئًا، ولا حتى كيف تقرأين، لقد جعلتك تنامين لمدة سبع سنوات، وقد قضينا هذا الوقت أنا وبومينون في إرشادك أثناء نومك وتعليمك.

أرى من خلال الإعجاب المعبر عنه في عينيك أيتها الأميرة الحلوة أنّك تشكين في كل هذا، تعال إليّ وطمئني نفسك بشأن هذه النقطة، تبعت بلوندين أنثى الأيل التي اخبرتها ان تناديها باسم بوني بيتش إلى الغرفة الصغيرة، ركضت أولاً إلى البيانو، وبدأت العزف ووجدت أنّها عزفت بشكل جيد، ثمّ جربت القيثارة وأصدرت منها أكثر الأصوات جاذبية، وغنّت بشكل ساحر.

أخذت قلمها وأوراقها ورسمت الصور التي تدل على موهبة حقيقية، كتبت ووجدت خط يدها واضحًا وأنيقًا، نظرت إلى الكتب التي لا حصر لها والتي كانت متراصة حول الغرفة وعرفت أنها قرأتها جميعًا، كانت متفاجئة، ومبتهجة، ألقت بنفسها بين ذراعي بيني بيتش، واحتضنت بومينون بحنان وقالت لهما: أوه! صديقاتي العزيزات الحقيقيات، أدين لكما بالامتنان لأنني بذلك حرصت على عدم ضياع طفولتي وتطور عقلي وقلبي.

أشعر بمدى تحسني، وأنا مدينة لكما بكل الاحترام، أعادت بوني بيتش مداعباتها وربتت على يدها برفق، وبعد مرور اللحظات السعيدة الأولى، ألقت بلوندين عينيها وقالت بخجل: لا تظنوا أنني جاحدة، صديقاتي العزايزات، إذا كنتم ترغبون في إضافة واحدة أخرى إلى الفضائل التي منحتموها لي بالفعل، أخبرنني شيئًا عن والدي،  هل ما زال يبكي على غيابي؟ هل هو سعيد منذ أن فقدني؟

فقالت بيني بيتش: عزيزي بلوندين، إنّ قلقك بشأن هذه النقطة طبيعي للغاية وسيزول، انظري في هذه المرآة، وسترين الملك والدك وكل ما مر به منذ أن تركت القصر، رفعت بلوندين عينيها إلى المرآة ونظرت إلى قصر والدها، بدا الملك غاضبًا جدًا وكان يسير إلى الوراء والأمام، بدا أنّه يتوقع شخصًا ما، ثمّ رأت الملكة فوربيت، ورأت انّها استولت على زمام الأمور وقادت النعام الذي كان خائفًا، وانطلقت في اتجاه غابة ليلاك وقلبت العربة وتركتها هناك.

ثمّ ألقت بلوندين فوق الحاجز الذي يحد الغابة، وذكرت أنّ غورمانديت أصيب بالجنون من الرعب والحزن وأرسلته إلى والديه، كان الملك في حالة من اليأس الشديد عند سماع خبر انقلاب عربة بلوندين في الغابة المسحورة، وركض إلى غابة الليلك وكان الحرس يقومون  بمنعه بالقوة من رمي نفسه عبر الحدود من أجل البحث عن بلوندين العزيزة، حملوه إلى القصر حيث استسلم لأخطر حزن ويأس، وكان يتحدث بلا توقف عن عزيزته بلوندين، طفلته الحبيبة.

أخيرًا، تغلب عليه الحزن، ونام ورأى في حلمه بلوندين في قلعة الأيل والقطة وأعطته بوني بيتش في حلمه التأكيد الجميل على أنّه يجب استعادة بلوندين يومًا ما، وأنّ طفولتها  كانت أثناء فترة غيابها هادئة وسعيدة، ثمّ أصبحت المرآة ضبابية واختفى كل شيء، ثمّ أصبحت واضحة مرة أخرى حيث رأت بلوندين والدها مرة ثانية، كان قد تقدم في السن وشعره أبيض كالثلج ووجهه حزين.

كان يحمل في يده صورة صغيرة لبلوندين، تسقط دموعه عليها ويضغط عليها كثيرًا في شفتيه، كان الملك وحده، ولم تر بلوندين الملكة ولا سمراء، فبكت بلوندين بمرارة، ثمّ قالت: يا للأسف لماذا أبي العزيز وحده؟ أين الملكة؟ أين سمراء؟  قالت بوني بيش: الملكة ، لم تظهر سوى القليل من الحزن على موتك، يا أميرتي حتّى أنّ قلب والدك كان مليئًا بالكراهية والشك تجاهها وقام الملك المضطرب والحزين في حبسها في برج حيث ماتت من الغضب.

كان كل العالم يفترض أنك ميتة، أما بالنسبة لأختك سمراء، فقد أصبحت شريرة جدًا، ولا يمكن تحملها لدرجة أنّ الملك سارع إلى تزويجها العام الماضي من الأمير فيولنت الذي كلّف نفسه بواجب إصلاح شخصية الأميرة القاسية والحسودة، كان الأمير صارماً وقاسياً، ورأت سمراء أنّ قلبها الشرير سيمنعها من الشعور بالسعادة، لذلك بدأت في محاولة تصحيح عيوبها.

ثمّ قالت بوني بيتش: سترينها مرة أخرى في يوم من الأيام، عزيزتي بلوندين وقد يكون المثال الرائع لشخصيتك مؤثراً في شخصيّتها، شكرت بلوندين بوني بيتش بحنان على كل هذه التفاصيل، ودفعها قلبها لتسأل: لكن متى أرى أبي وأختي؟ لكنّها كانت تخشى أن تبدو جاحدة وقلقة للغاية لمغادرة قلعة أصدقائها المقربين، ثمّ قررت بعد ذلك انتظار فرصة أخرى أكثر ملاءمة لطرح هذا السؤال.

مرّت الأيام بهدوء وسرور، وكانت بلوندين مشغولة كثيرًا، لكنّها كانت أحيانًا حزينة، لم يكن لديها من تتحدث معه سوى بيني بيتش وكانت معها فقط خلال ساعات الدروس والعروض، لم تستطع بومينون التحدث، وكان بإمكانها فقط أن تجعل نفسها مفهومة بالإشارات، وخدم الغزلان بلوندين بحماسة وذكاء لكنّهم لم يكن لديهم موهبة الكلام.

كانت بلوندين تسير كل يوم، وكانت بوني بيتش قد وعدت بلوندين رسميًا بعدم مغادرة سياج الحديقة وعدم دخول الغابة أبدًا، وفي كثير من الأحيان، سألت بلوندين بوني بيتش عن سبب هذا الحظر من تعدي حدود الغابة، ثمّ تنهدت بوني بيتش بعمق، فأجابت: آه، بلوندين! لا تسعي إلى اختراق الغابة، إنّها بقعة قاتلة، أرجو ألا تدخليها أبدًا.

سمحت لها بالتجوّل على مكان بارز ومحدد بالقرب من حدود الغابة، كانت تنظر بإعجاب وشوق إلى الأشجار الرائعة، والزهور الجميلة والعطرة، والألف طائر الرشيق الذي يطير ويغني ويبدو أنه ينادي اسمها، ثمّ قالت: واحسرتاه! لماذا لا تسمح لي بوني بيتش بالسير في هذه الغابة الجميلة؟ ما الخطر المحتمل الذي يمكن أن أواجهه في ذلك المكان الجميل وتحت حمايتها؟

وكلما ضاعت في هذه الأفكار، كانت بومينون التي بدت وكأنها تفهم ما كان يمر في قلبها، تتأرجح بحزن، وتسحب رداءها وتحاول سحبها  إلى الخلف، فابتسمت بلوندين بلطف، واتبعت رفيقها اللطيف واستأنفت مسيرتها في الحديقة الانفرادية.


شارك المقالة: