تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية التي صدرت عن الأديب تشارلز ديكنز، وقد تناولت القصة في مضمونها الحديث حول حياة الإنسان ومشوار حياته، حيث أن مشوار الحياة في البداية يبدو أنه طويل، ولكن الأيام تسير بسرعة هائلة، فيجد نفسه الإنسان أنه أصبح في نهاية المطاف.
قصة الطفل
في البداية كانت وقائع وأحداث القصة تدور في قديم الزمان، حيث يحكى أن هناك من عدة سنوات قديمة رجل قرر أن يسافر في إحدى الرحلات التي تعرف بأنها رحلة سحرية، وأول ما بدأ ذلك الرجل في الرحلة شعر أنها سوف تكون طويلة المدى، ولكن حين توصل إلى منتصف الرحلة بدأت من وجهة نظره أنها أصبحت قصيرة بعض الشيء، وفي بداية تلك الرحلة سار الرجل في طريق كانت شائكة للغاية ومضى بعض الوقت ولم يقابل الرجل أي شخص في تلك الطريق على الاطلاق، إلا أنه بعد فترة التقى بطفل، وقد كان ذلك الطفل يتميز بجمال فائق، وحينها سأله المسافر: ماذا تفعل هنا؟ فأجاب الطفل: إنني أمضى جل وقتي بالعب في هذه المنطقة، أيمكنك أن تلعب معي.
وفي تلك اللحظة أثار الطفل شفقة الرجل وحبه ووافق على طلبه، وبالفعل لعب معه طوال ذلك اليوم، وأثناء اللعب كانا يبدوان أنهم فرحان للغاية باللعب سوياً، وخلال ذلك النهار كانت السماء صافية وأشعة الشمس مشرقة وأوراق الشجر تشع بالخضار، والماء تتدفق من الينابيع والورود مزهرة، وفي لحظة من اللحظات تغيرت كافت تلك الأجواء البديعة وأصبحت الغيوم تنتشر في كل مكان بالسماء وتوحي بأن الأمطار سوف تتساقط عما قريب، وقد بدا كلاهما يراقبان سقوط الأمطار، وكل ما هبت الرياح يسعدان ويتخيلان بأنها تندفع مقبلة عليهما.
وفي تلك اللحظة بدا يتساءلان عن السر الذي يكمن خلف نشوء تلك الرياح؟ وكيف أنها تدفع السحب في السماء وتهز المنازل كما أنها كانت باستمرار تثير غضب البحار، وفي تلك الأثناء بدأت الأمطار بالتساقط وتوجها بأنظارهم للاستمتاع بمناظر الأمطار المتساقطة، ولم يمضي الكثير حتى بدأت الثلوج بالتساقط كذلك، وبينما كانا يستمتعان بمنظر الثلوج الناعمة المتساقطة، أخذا بتكوير الثلوج بين أيديهم واللعب وكأنهما يمسكان بين أيديهم أجمل الألعاب في العالم.
ومع حلول المساء خلدا كلاهما بالنوم، وحينما استيقظ الرجل من النوم لم يجد الطفل إلى جانبه، وقد حاول البحث عنه في مختلف الجوانب وأخذ بالنداء عليه مرات ومرات عدة، ولكن دون جدوى، وهنا قرر أن يتابع مسيره في الرحلة، وقد سار مسافة لا بأس بها ولم يشاهد أحد في طريقة، ولكن بعد قليل التقى بفتى، وقد كان ذلك الفتى جميل الملامح، وهنا أخذ الرجل بسؤال الفتى وقال: ماذا تفعل هنا أيها الصبي؟ أجابه الفتى: إنني أتعلم، هل بإمكانك أن تتعلم معي.
وهنا قرر الرجل أن يتعلم مع الفتى، والذي كان تعلمه يختص بالعلم حول الكواكب والشعوب الإغريقية والشعوب الرومانية، كما قاما كلاهما بممارسة بعض أنواع الألعاب الرياضية، وقد كانا يتنقلان من كوكب لآخر، ففي بعض الأحيان يسبحان في البحار في الكوكب التي يكون الوقت فيها فصل الصيف، وفي أحيان أخرى يتوجهان للكواكب التي يكون الوقت فيها فصل الشتاء ويقومان بالتزلج على الجليد في الشتاء، وأخذا بممارسة شتى أنواع الرياضة، حتى أصبحا لا يفوقهما فيها أحد، وأصبح لهما عدد كبير من الأصدقاء الرياضيين.
ولكن حين خلدا إلى النوم وجاء الصباح واستيقظ الرجل من نومه لم يجد الصبي إلى جانبه، وقد شعر بالألم على فقدانه كما شعر اتجاه الطفل، وأخذ بمناداته في كل مكان، ولكن دون جدوى، ومن هنا قرر أن يكمل رحلته وسار وحيداً من جديد دون أن يشاهد أحد حتى قابل شاب، وأول ما التقى به سأله الرجل: ماذا تفعل أيها الشاب هنا؟ فأجابه الشاب: إنني أستشعر الحب لكل فتاة أقابلها على الدوام، بإمكانك أن تنظم إلي وتستشعر الحب معي.
وبالفعل سار المسافر مع الشاب في الطريق وفي البداية قابلا فتاة، وقد كانت تلك الفتاة من أجمل الفتيات الموجودات على سطح الأرض، وسرعان ما وقع الرجل في عشقها، وبدأت تحدث بينه وبين تلك الفتاة العديد من اللقاءات وبدأن يتسامران تحت ظلام الليل، ويكتبان الرسائل في كل يوم لبعضهم البعض، وفي أحيان يتشاجران ثم بعد ذلك يتصالحان، وفي يوم من الأيام قررا أن يقيمان حفل الزواج في أقرب وقت.
ولكن جاء اليوم الذي نام واستيقظ فيه المسافر ولم يجد الفتاة من حوله كما أنه لم يعثر على الشاب، وأخذ بالمناداة ولكن لم يتلقى أي إجابة، وهنا سار من جديد حتى التقى برجل كان في متوسط العمر، وهنا سأله المسافر: ماذا تفعل هنا؟ فأجاب الرجل: إنني أبقى على الدوام مشغول، بإمكانك أن تنظم إلى جانبي وتشغل نفسك معي، وبالفعل جلس المسافر إلى الرجل، وفعلاً تعددت مشاغله.
ولكن ذلك الرجل لم يكن الرجل بمفرده بل كان برفقته زوجته، كما أنه كان لديه عدد من الأبناء، وفي لحظة من اللحظات ساروا جميعهم باتجاه الغابة وينقشون الكلمات على جذوع الأشجار، وفي تلك الغابة كان يقابلهم طريق أخضر مكشوف في غابات كثيفة، وفي تلك الطريق كان هناك صوت ينادي باستمرار ويقول: يا أبي، ثم بعد ذلك شاهدوا شخص صغير في العمر، حيث أنه ذلك الشخص يأخذ بالنمو بينما يكون مقبل باتجاههم ويعدو ليلحق بهم، ولكنهم تركوه وشأنه واستمروا في متابعة مسيرهم.
وفي ذلك الوقت قام الابن الأكبر وقال لوالده أنه يرغب في السفر إلى دولة الهند، والابن الثاني صرح أنه ير غب في السفر للبحث عن الثروة ويجمع المال، أما الابن الثالث فقد أشار إلى أنه يرغب في الرحيل إلى السماء، وهكذا افترقوا الأبناء الثلاثة وقد اشتعل رأس والدهم شيباً على فراقهم.
ومنذ ذلك الوقت بقي المسافر مع الرجل وزوجته وقد أكملوا طريقهم، ولكن لم يعد يشعرون بالراحة والاطمئنان كما في السابق، وفي لحظة من اللحظات توقفت الزوجة وقالت: إن هناك أحد من أبنائي يناديني، وإنني أرغب في تلبية نداءه، حاول زوجها أن يمنعها، ولكنها ودعت زوجها وهمت بالرحيل.
وفي ذلك الوقت لم يتبقى سوى الرجل والمسافر يسيران وحدهما في الطريق التي أصبحت أكثر وحشة، وحينما اقتربا من نهاية الغابة جلسا لبرهة من الوقت يتمعنان في أشعة الشمس والتي كانت عند وقت الغروب، ثم بعد ذلك توجها لإكمال مسيرهم فقد المسافر الرجل، وقد حاول الصراخ بأعلى صوته ومناداته باسمه، إلا أن لم يكن هناك من مجيب.
وفي نهاية رحلة المسافر التقى مع رجل كهل، وسأله حينها: ماذا تفعل أيها العجوز، فأجاب الرجل العجوز وهو تعتري شفتاه ابتسامة: إنني على الدوام أحاول استعادة ذكرياتي، هيا يا عزيزي أقبل وتذكر معي، وبالفعل قبل المسافر الدعوة وجلس إلى جانب العجوز، وفي تلك اللحظة أقبل نحوه مجموعة من الأصدقاء القادمين من الزمن الماضي ووقفوا إلى جانبه بكل هدوء، وقد كانت بينهم محبة كبيرة وهم الطفل والفتى والشاب والعاشق والأب والأم والأبناء، وقد كانوا جميعهم حوله دون غياب أحد منهم، ونادوه بالجد.