يُعتبر الشاعر والأديب هانس كريستيان أندرسن وهو من مواليد دولة الدنمارك من أبرز وأشهر الكُتاب على مستوى الأدب الدنماركي، وقد كان الأدباء والعلماء يطلقون عليه لقب شاعر الدنمارك الوطني الأول، إذ برع في كتابة القصص التي تتميز بالخرافة ومن أشهر القصص التي اشتهر بها قصة الظل.
قصة الظل
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شاب عالِم في مقتبل العمر كان يمضي وقته في البحث داخل الكتب حتى يلقى أجوبة إلى الألغاز الموجودة في هذا الكون العظيم، وكان هذا قد قدم من بلاد الصقيع، ومن الأقطار الباردة التي يقطن فيها الناس داخل بيوتهم الدافئة ويقضون معظم وقتهم في الدراسة.
شعر الشاب الذي كان قد تعود على الحرارة في منزلة، إذ كان يبدو وكأنه داخل فرن ساخن، وما زال يبحث في الكتب ويذوي جسده حتى أن ظله ذاته قد بدأ يتلاشى، إلى أن أصبح أصغر مما كان عليه في بلاده، وهنا أخذ يفكر إن استمر على حالته هذه سوف يتضاءل ظله بشكل كامل ولن يتمكن من إعادته مرة أخرى، إلا حين تغيب الشمس أو يضاء المصباح، فينعكس ظله على الأرض أو على الجدار وهو يتبعه ويسبقه في الطريق على ضوء مصابيح الشوارع، لكنه يشعر أن ذلك أمر عارض.
وفي أحد الأيام حينما كانت الشمس في ذروتها تشع على الطرقات والسماء ترمي بضيائها، هنا أخذ ظل العالم يصبح ناحل وضئيل تحت قدميه، فأخذ يردد: يا ظلي البائس لم يبقى منك شيء، ولكنني لا أتمكن من مغادرة هذه المنطقة؛ لأنّ دراستي ترغمني على البقاء فيها، وبالنسبة لك لست مجبر على البقاء فيها، ولا يوجد شيء يجبرك على الإقامة في هذا الحر، أذهب فإني أسمح إليك في الرحيل، فإذا استمريت على تلك الحالة من الذبول سوف تختفي تماماً بعد قليل.
وهنا شعر الشاب العالِم أن ظله قد أشار له برأسه دلالة على القبول، وما أكد له شعوره أنّ الظل تلاشى تماماً من تحت قدميه، وهنا قال في نفسه: ها هو قد اختفى، لأنه غير ملائم لتلك البلاد الشديدة الحرارة التي لا ظل فيها، ولكني سوف لن يكون لي ظل في هذه الحالة، ويجب أن لا يدرك ذلك أي أحد، إذ قرأ في كتاب قديماً أن هناك رجل قد فقد ظله، فعاقبوه كما أنه سوف يتهم بمحاكاته أيضاً، وأخذ يتساءل فيما إذا كان قراره جيد في أنه سمح له أن يذهب، ولكن سرعان ما جاءه الرد على سؤاله، حيث لم ما ينقضي سوى أسبوع حتى شاهد أسفل قدمه بداية لظل جديد.
وأخذ يشكك فيما إذا كان ذلك بعض الجذور المخلفة من الظل السابق، ثم بعد ذلك بدأ كل شيء يكبر ويتمدد بسرعة في هذه البلاد، وعندما رجع إلى بلاده الواقعة في الجهة الشمالية كان ظله مناسب لجسده، فتوجه إلى تأليف كتب عظيمة إذ كانت تتناول مواضيع عن الحق والجمال في هذا العالم، وبقي لسنوات على هذا الوضع.
وفي إحدى الليالي كان يجلس في غرفته الخاصة، وهنا بدأ يسمع أحداً يطرق بابه، وتوجه نحو الباب وفتحه إذ وجد أمامه رجل طويل القامة نحيل الجسد، وهنا سأله العالم: من أنت؟ كان الرجل مهيب وثيابه تدل على أنه ميسور الحال، وذو ابتسامة مشرقة، فأجاب: ألم تعرفني.
لكنك لن تتخيل أن تراني على هذا الحال، فقد أصبحت ثرياً كما أصبح لي جسم مليء باللحم والعظام، إنني ظلك السابق، كنت أفكر فيك ولم أنساك وهذا ما جعلي قدمت إليك الآن، لكنني أرى أنك استبدلتني بظل آخر رأيته أسفل قدميك وهذا لا يزعجني، إن كنت قادر أن أقدم لك خدمة، فسوف أفعلها بطيب خاطر.
قال العالِم: أحقاً أنت ظلي السابق، رد الظل: نعم أنا ظلك السابق وهذا من دواعي سروري، ثم استأذن منه بالجلوس، وعندها وضع الظل السابق حذاؤه على الظل الجديد بشكل متعمد، ثم قال: أرجوك أن تناديني باسمي، فأنا لم أعد ظلك السابق الذي كان يتبعك واعتذر منك لقد اعتدت على البساطة معك في الحديث، ولكن الآن تغيرت والغاية من زيارتي السؤال عن وضعك المادي، من الواضح عليك أنك لست في وضع جيد.
فرد العالِم: بالفعل، فقد ألفت كتب عن الحق والخير والجمال، ولكن لم يتطرق لقراءتها أحد، فرد الظل: على الرغم من كثرة علمك وفصاحتك إلى أنك إنسان تافه، فأنا قد حصلت على الأموال من خلال الاطلاع على أسرار الناس وخفاياهم، إذ كنت أعبر من تحت الأبواب وعبر الشبابيك، لذلك اطلعت على ما في عقولهم وقلوبهم، وكان الناس يدفعون لي الكثير؛ حتى لا أفضح أسرارهم وخفاياهم، وبذلك أصبحت غنيًا.
فقال العالِم فذ ذهنه: إن ظل الرجل الشريف يتغذى بالفساد، وحينما تركته يسير على هواه خفّ عقله، ولكنه لم يصرح برأيه أمام الظل؛ وذلك حفاظًا على مشاعر زائره الذي تابع حديثه بكل ثقة، أيها العالم إنّ مؤلفاتك لم تدر عليك المال، فمن يهتم بالحق والخير والجمال في هذا الزمن فلك عندي حلّ.
اقترح عليه الظل أن يقوم بجولة معه حول العالم، وأن يسافر العالِم معه كظله، وافق العالِم واطلقا سوياً حتى وصلوا إلى المصيف التي كان يقطن به إحدى الأميرات والتي كانت قادمة حتى تستريح من آلم الحب الذي طالما عانت منه، حاول الظل بشتى الطرق لفت نظر الأميرة في أي مكان تذهب إليه، أدركت الأميرة أن ذلك الظل ذكي، وهنا فكرت في محاولة أن تختبر ذكاؤه من خلال دراستها في علم متخصص بذلك، وفي ذلك الاختبار سخر الظل من طبيعة الأسئلة التي طرحتها عليه، ورد عليها أن تلك الأسئلة حتى ظلي يتمكن من الإجابة عليها، وهنا دنت الأميرة من العالم وسألته، وبالفعل أجاب على أسئلتها بكل عمق وحكمة.
وعندما شاهدت الأميرة شدة الذكاء التي يتمتع بها العالم فكرت في أن يصبح زوجاً لها ويساعدها في حكم البلاد، وسرعان ما وسطت الظل حتى يقنع العالم بذلك، رفض العالِم أن يكمل تلك الخدعة وقال للظل: إنك تجاوزت حدودك، فلن استمر في أن أخدع العالم أكثر من ذلك، كله إلا الأميرة، سوف أذهب إليها وأكشف لها الحقيقة ، أنني في الحقيقة رجل، وأنت ظل يسير على هيئة بشر.
وهنا سرعان ما ذهب الظل إلى الأميرة وأخبرها أنّ الظل الذي يتبعه مجنون إذ يدعي أنه إنسان وأنه عالِم كذلك، ولا يمكن أن يتخلص من تلك الحالة إلا إذا تم قتله، وبالفعل تم قتل العالِم بعد أيام قليلة، ثم بعد ذلك حظي الظل بالأميرة وتزوج منها وأصبح أمير حاكم للمنطقة بأكملها.