قصة العالم ينظر إلى العالم

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من الإبداعات الأدبية التي صدرت عن الأديب العالمي الشهير ايتالو كالفينو، وقد تطرق من خلال القصة إلى الخوض في الحديث في موضوع الفكرية التي تكمن داخل الإنسان، وإلى أي مدى تقود الشخص في حال تعمّق بها.

قصة العالم ينظر إلى العالم

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول مجموعة من المغامرات التي تخص فكر الإنسان، حيث أنه في أحد الأيام توصل شخص يدعى السيد بالمار أن الحقيقة تكمن في النظر إلى الأشياء من الجهة الخارجية، وأن ذلك الأمر مهم يُعتبر ركيزة من أهم ركائز النشاط الرئيسي للإنسان، وبما أنه شخص لديه مشكلة قصر النظر وعلى الدوام يبدو شارد الذهن ومنعزل وانطوائي، فإنه عزم على أن ينتمي بمزاجه إلى ذلك النموذج البشري الذي يعرف عادة بالمراقب.

منذ ذلك الوقت بدأت تبدو له الأشياء وكأنها عبارة عن جدار من الحجارة أو ما يشبه إلى حد كبير قوقعة المحار، وفي الكثير من الأحيان كانت أبسط الأشياء الذي يقع نظره عليها مثل ورقة شجر أو إبريق الشاي الموضوع أمامه تقدم نفسها له وكأنها تطلب منه أن يعيرها جل اهتمامه وانتباه، ومن الأجدر أن يكون ذلك الانتباه دقيق ولفترة طويلة، حينما ينهمك في مراقبة الأشياء من حوله لا يأخذ بالحسبان الوقت الذي يقضيه وهو يفكر بها يأخذها، وفي بداية تمعنه بالشيء يبدأ بالنظر ثم بعد ذلك يقوم بتتبع كافة التفاصيل ولا يفلح بعدها بالانفصال عنها أو نزع تفكيره عنها.

وفي أحد الأيام قرر السيد بالمار أن يهم بمتابعة مدى قوة الانتباه والإدراك لديه وأول ما فكر به هو أن لا يعزف عن التفكير في تلك الإشارات التي تصله من الأشياء التي يفوته التفكير والانتباه لها، وثانياً قرر السيد بالمار بأن يقدم لعملية المراقبة تلك الأهمية التي تستحقها في الحقيقة، ولكن حينما وصل إلى تلك النقطة بالتحديد حدثت بشكل مفاجئ أول أزمة من الأزمات التي تعرض لها، إلا أن ذلك الأمر لم يجعل السيد بالمار يكف عن المحاولة من جديد، حيث أنه كان متيقن من أن هذا العالم من حوله سوف يكشف له من تلك اللحظة غنى لا محدود من الأشياء التي يحدق النظر ويتمعن بها، لذلك توقف عن تلك الحالة لبرهة من الوقت، ثم بعد ذلك انتقل إلى مرحلة ثانية وفي تلك المرحلة كان مقتنع بشكل كامل بأن الأشياء التي ينبغي تحديق النظر إليها هي الأشياء المتواجدة من حوله، وليست أشياء أخرى يتوجب البحث عنها.

وقد تسبب له ذلك الأمر بالعديد من المشاكل في الاختيار، وفي أحيان أخرى مشاكل في الاستبعاد، وفي بعض الأحيان تحدث لديه العديد من المشاكل في تصنيف الأشياء إلى الأفضلية، وفي لحظة من اللحظات بدأ ينتبه إلى أنه يتذوق كل شيء، وكل ما عليه فعله أن يقوم بوضعه الوسط المحيط به في جهة، وكل المشاكل التي تحكم علاقته وتواجهه في جهة أخرى، ولكن بدأ يفكر في أنه كيف له أن ينظر لشيء ما من جهة الطرف؟ ولمن هاتان العينان اللتان تنظران؟

حيث أنه كان يعتقد في الكثير من الأحيان حينما يحدق النظر بشي ما ويوجهه عينيه نحوه، أنه هو ذلك هناك من ينظر إليه من حافة النافذة، وفي لحظة ما أخذ بالنظر إلى العالم الممتد الواسع بكامل سعته أمامه، وقد بدأ يفكر في حال كان هناك نافذة تطل على العالم فمن المؤكد أنه هناك في الطرف الآخر من ينظر إلى هذا العالم.

وفي لحظة من اللحظات بدأ يتساءل أنه في حال كان هناك عالم آخر: ما الشيء الآخر الذي يمكن أن يكون؟ وبعد أن أجهد نفسه بقليل من الجهد والتركيز أفلح السيد بالمار بتغيير مكان العالم الذي ينظر إليه ووضع نفسه وتقدم للأمام واقترب من نافذة غرفته وبدأ يحدق النظر في العالم الخارجي، إلا أنه أخذ في السؤال مرة أخرى وقال في نفسه: إذاً ماذا بقي من عالم خارج النافذة؟ وقد انقسم بذلك إلى عالم ينظر وعالم ينظر إليه.

فقد كان هو كذلك جزء من هذا العالم الذي يتم النظر إليه من قِبل جزء آخر من العالم؟ كما وضع في احتمالاته بأن النظر يحدث بين العالمين؛ لأن هنا يوجد عالم وهناك عالم آخر خارج النافذة، فإنه لا بد وأن يكون هذا العالم هو بذات شخصه، وأنه ليس هناك شيئاً سوى النافذة التي يتم النظر من خلالها للعالم الخارجي، ومن أجل أن ينظر إلى ذاته فإن العالم الخارجي سوف يكون بحاجة للعينان اللتان تعودان للسيد بالمار بالإضافة إلى نظارتيه.

ولكن في ذلك الوقت فكر في أنه إذا كان سوف ينظر السيد بالمار منذ تلك اللحظة التي هو فيها إلى الأشياء من الناحية الخارجية وليس من الجهة الداخلية، ولكن من وجهة نظره أن ذلك الأمر غير كافي، وقد بدأ يفكر أنه من الأفضل في البداية أن ينظر إليها من الخارج لا من داخله، ومن هنا حاول القيام بإجراء التجربة على الفور، وفي تلك اللحظة توصل إلى أن في مثل تلك اللحظة ليس هو ذاته من ينظر، وإنما العالم الخارجي هو من ينظر إليه.

وفي ذلك الوقت ما أن أثبت تلك النظرية حتى حول بصره بانتظار تغير الهيئة العامة الخارجية المحيطة به، ويعود السبب في ذلك إلى اللون الرمادي، والذي كان من الأمور المعتادة له بشكل يومي ويحيط به من مختلف الجوانب، وأنه ينبغي عليه عمل دراسة من جديد لكل شيء منذ البداية، إذ من وجهة نظره أنه لا يكفي أن يكون من هو في الخارج من الأصل، بل أن يتم النظر إلى  ذاته من قِبل الخارج، حيث يجب أن ينطلق المسار البصري الذي يربطه بالشيء الذي ينظر إليه.

وفي تلك الأثناء توصل إلى أنه من مدى الأشياء الصامتة ينبغي أن تنطلق إشارة ما، فعلى سبيل المثال نداء أو غمزة عين أو أي شيء آخر ينفصل عن الأشياء الأخرى، والهدف من ذلك هو أن يلمح إلى شيء ما، ولكن هنا أخذ بسؤال نفسه حول ما هو ذلك الشيء؟ وفي النهاية توصل إلى أن يكون هو ذاته، وقد أصبح مسرور بأنه يتم النظر إليه من قِبل الأشياء الأخرى، وأخيراً أشار إلى أنه تلك المصادفات التي توجد في هذا العالم تجعل الإنسان يشعر بالسعادة، إذ حينما تجد نفسك في وسط الأشياء والجميع ينظر إليك وكأنك شيء فريد ومميز هي السعادة بحد ذاتها.


شارك المقالة: