قصة العظام المقدسة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من القصص الأدبية التي صدرت عن الأديب غي دي مواباسان، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول رسالة تم إرسالها إلى أحد القسيسين من قِبل أحد الشباب؛ وذلك حتى يشفع له القسيس عند خطيبته ووالدها، إذ خاصمته لأنها اعتقدت أنها يكن لها محبة عظيمة لأنه سرق لها عظام مقدسة، إلا أنه في الحقيقة لم يفعل ذلك.

قصة العظام المقدسة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول شاب حدث بينه وبين خطيبته سوء تفاهم، وعلى إثر ذلك السوء فكر في أن يقوم بكتابة رسالة إلى يتوسل بها أن ويوسط القسيس التابع إلى كنيسة المنطقة، حيث بدأ الشاب الرسالة إلى الأب العزيز قائلاً: سيدي الفاضل إنه في الحقيقة يؤلمني أن أنهي عقد القران الذي كان قائم بيني وبين ابنة عمك، إذ أن الأمر قد وصل منتهاه وأن تلك العلاقة قد انقصمت عراها، وأن السبب خلف هذا الانفصام إنما يعود إلى أسباب تافهة إلى حد ما.

حيث أنه كنت في الحقيقة أقوم بلعبة وحسب معتقدي أنها لعبة خاطئة وتصرف سيء، إلا أن الأمر كان عن غير عمد وقصد، لذلك بعد التفكير الجلي لم يعد أمامي سوى اللجوء إليك يا سيدي العزيز؛ وذلك من أجل أن طلب المساعدة وإنقاذي مما أوقعت به نفسي، وإنني يا سيدي لن أنسى لك ما حييت ما قدمته لي من مساعدة.

وفي ذلك الوقت بدأ الشاب بالحديث عن خطيبته والتي تدعى جيلبرت، وقال يا أبي إنك في الحقيقة تعرفها تمام المعرفة أو بالأحرى تعتقد أنك تفهمها، ولكن في حقيقة الأمر من ذا الذي يفهم امرأة، ومن ذا الذي لديه ثقة كاملة بآراء النساء وأفكارهم ومعتقداتهم في هذه الحياة، ألا ترى أنهن لا يثبتن على وضع محدد، كما أنني أدرك أنك لست في حاجة إلى أن أوضح لك مدى تمسك ابنة عمك بأمور الدين، ولكني على ثقة تامة من أنه قد غاب عن ذهنها في هذا الصدد أكثر مما أعلم، ولكني كذلك على ثقة تامة بأنه غاب عن ذهنك أنها امرأة، وأنت تعرف النساء على الدوام تكون عواطفهن جياشة ومندفعة كالريشة في مهب الريح.

فأنا في حقيقة الأمر لا أنكر أنني أكن لها محبة كبيرة جداً، وفي الكثير من الأحيان بدا لي أنها تحمل ذات الصفات في شخصيتي، إلا أنه في إحدى الأمسيات وصلت إلي رسالة طلب مني فيها أن أتوجه في الحال إلى مدينة كولونيا؛ إذ أنه كان ينبغي علي أن أقوم هناك بإجراء إحدى العمليات المستعجلة، وأول كما خطر ببالي أن اسرع إلى جيلبرت من أجل أن أودعها واعتذر لها عن عدم استطاعتي تناول العشاء مع والديها في تلك الليلة، كما أنني كنت أرغب في أن أطلب منها تأجيل حفل الزفاف، إلا أنني حينما التقيت بها وأخبرتها عن عزمي على الذهاب برحلة سرعان ما بدأت تذرف بالدموع، على الرغم من إخباري لها أنني سوف أعود في القريب العاجل، حينها أجابتني وقالت: حسنًا حسنًا، ولكن أريد منك أن تجلب معك هدية مميزة لي.

ثم بعد ذلك أردفت قائلة: ولكنني أمانع من أن تشتري هدية بما يزيد من عشرين فرنك، فأنا في الحقيقة لا أنظر إلى عظم قيمة الهدية، بل كل ما يهمني هو حقيقة شعورك تجاهي، وفي تلك اللحظة قمت بتوديعها وفي صباح اليوم التالي سافرت إلى المدينة من أجل إجراء العملية، وأول ما وصلت إلى المستشفى وجدت أن المصاب هو رب عائلة فقيرة، كما أنني بعد الكشف على جراحه شاهدت أنها من الدرجة الخطيرة وأنه يستدعي إجراء عملية على الفور، وسرعان ما توجهت إلى محطة القطار من أجل إحضار الأدوات اللازمة للعملية، إلا أنني كنت أفكر في حالة ذلك المريض البائس.

وفي لحظة ما تقدم مني رجل يتحدث اللغة الألمانية التي كنت في ذلك الوقت لا أفهم منها إلّا القليل جداً، وهو كذلك لا يفهم أي شيء من اللغة الفرنسية، إلا أنني بعد محاولات في فهم ما يرغب بقوله أدركت أنه يعمل في بيع آثارا تعود للقديسين، وفجأة حضرت ببالي جيلبرت، فحينها تذكرت أنها شديدة التعلق بأمور الدين وتحب مثل تلك الأمور، وبالفعل ذهبت مع التاجر إلى مكان المتحف الذي يبيع به الآثار واخترت من بين مقتنياته عظمة صغيرة، وقد كان قد حدثني بكلمات قليلة أدركت من خلالها أن تلك العظمة تعود إلى عظام إحدى القديسات، وأنه قام بالاحتفاظ بتلك العظمة في علبة صغيرة مصنوعة من معدن الفضة، ثم بعد ذلك قمت بإجراء العملية للمريض وسافرت إلى منزلي.

وأول ما وصلت إلى المنزل رغبت في رؤية العظمة مرة أخرى من جديد والتمعن فيها جيداً، وحينما فتحت العلبة فإذا بي أراها خالية تماماً، فقمت بالبحث عنها في جيوبي، إلا أنني لم أعثر على تلك العظمة قط، وواصل الطبيب كلامه للقسيس وقال: أنت تعلم يا عزيزي أن معتقداتي الدينية ليست متينة إلى ذلك الحد، كما أنك تعلم أني لا أعتقد في آثار القديسين، ولذلك لم أشعر بالحزن على فقدان العظمة، وما إن جاءت جيليرت لتهنئني بالسلامة ودخلت علي الحجرة حتى سرعان ما سألتني وقالت: ماذا أحضرت لي هدية، في البداية تظاهرت بأني نسيت، ولكنها رفضت أن تصدق ذلك.

وبعد أن ألحت علي كثيراً في النهاية أظهرت لها العلبة وقد كانت بداخلها عظمة صغيرة، وأول ما رأتها كادت تطير من الفرحة، كما أنها بدأت تقبل العلبة في خشوع، وسألتني هل أنت واثق من أنها تعود لإحدى القديسات، فقلت لها: كل الثقة، وفي تلك اللحظة طلبت مني أن أقدم لها دليل على أن العظمة تعود للقديسة، وهنا دار بعقلي فكرة جنونية وقلت لها: لقد سرقتها من أجل أن أقدمها كهدية لك، فثارت بي وقالت: ماذا؟ سرقتها من أين؟!.

وفي ذلك الوقت أجبتها: من تلك الكنيسة المخصصة لآثار القديسين، وهنا أخذ قلبها يدق بشكل متسارع ويكاد يغمى عليها من شدة الفرح، فقالت: أريد منك أن تسرد علي القصة كاملة، وفي تلك اللحظة لم يعد يمكنني التراجع، حينها أجبتها: لقد قمت بتقديم رشوة للحارس ولهذا سمح لي بالدخول، وفي تلك اللحظات كان العمال يقومون بعدد من الإصلاحات، فاستغليت الفرصة وقمت بفتح إحدى العلب وسرقت منها عظمة صغيرة، حينها كانت جيليرت تصغي إلي في ذهول وسعادة.

ومنذ تلك الأثناء بقيت العلبة ما يقارب الشهرين إلى جوارها، وقد كانت تعتبرني من أخلص العاشقين، وما إن جاء الصيف حتى انتابها الشوق لرؤية المكان الذي قمت بجلب العظمة منه، ولكني كنت في الحقيقة لم أدخل كنيسة طوال حياتي، كما أنني لم أعرف ما بها من الداخل، ولهذا كانت قد ذهبت برفقة والدها إلى المكان، وبعد ذلك كنت قد تلقيت وثيقة من والدها يشرح لي ما يحدث معهم، حيث أشار إلى أنهما دخلا الكنيسة وسألا الحارس عما إذا وقع سرقة أم لا، إلا أن الحارس أكد مراراً وتكراراً أنه لم تحدث أي سرقة، وقد اعتبرتني غير جدير بحب ابنته، وقد ختم الرسالة بأنه يريد من القسيس أن يتوسط بالأمر ويشفع له عندها وعند والدها.

المصدر: كتاب الحلية المفقودة مجموعة قصصية مختارة من الأدب الفرنسي ل غي دي موباسان


شارك المقالة: