تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية التي صدرت من الأدب الروسي، وقد تطرقت للحديث حول فتاة فقيره ذهبت لتطلب تذكرة سفر مجانية من أحد السادة المحترمين في المدينة، إلا أنه أضاع لها وقتها من أجل الاستماع إلى أحاديثها والتي شعر أنها شيقة وتطرد الملل الذي يستوطن بداخله منذ فترة، كما أضاع عليها فرصة الحصول على التذكرة من السيد المقصود، والذي تاهت في عنوان منزله، ولم يدلها هذا السيد على منزل الشخص المقصود إلا بعد أن تخلص من الملل.
قصة الكبش والآنسة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهو ما يعرف بين الجميع باسم السيد المحترم، وقد كان ذلك السيد صاحب الوجه اللامع المشرق، إلا أنه في تلك اللحظات تشير ملامحه إلى أنه يشعر بذلك الملل القاتل، وعلى الرغم من أنه متزوج من سيدة تدعى مور فيوس وسعيد في حياته الزوجية، إلا أنه في لحظة من اللحظات كان الملل يطغو على ملامحه لم يعرف ماذا به يفعل، فلم تكن لديه هناك أي رغبة في التفكير أو الخلود إلى النوم.
وعلى الرغم من أنه كان مدمن على القراءة والمطالعة، إلا أنه أصبح يكره تلك الهواية، وحين فكر في أن يذهب إلى إحدى دور السينما، وجد أن نفسه قد عزف عن مشاهدة الأفلام السينمائية، كما أنه لم يبقى بداخله أي شغف للذهاب للمسارح كما كان يرتادها في السابق، وأخذ يفكر بماذا يسلي نفسه الآن؟
وفي تلك الأثناء دخل عليه الخادم الذي يعمل لديه والذي يدعى ايجور غرفة المكتب؛ وذلك من أجل إخباره بأن هناك آنسة بانتظاره في الخارج وتنتظر رؤيته، وهنا سمح لها بالدخول، وحينما دخلت الفتاة إلى غرفة المكتب رأى أنها فتاة جميلة، تتميز بذلك الشعر الأسود الذي يستدلي بين أكتافها، كما كانت ترتدي ثياب بسيطة جدًا، وأول ما دخلت الفتاة ألقت التحية، ثم بعد ذلك بدأت تتلعثم بالكلمات وقالت: في الحقيقة أنني أعلم أنه لا يمكن لأي شخص مقابلة حضرتكم إلا في تمام الساعة السادسة تماماً فقط، أنا ابنة مستشار القصر والذي يدعى السيد بالتسيف، وهنا رد عليها بقولة: تشرفت بمعرفتك أهناك خدمة من الممكن أن أقدمها، وطلب منها للجلوس.
وفي تلك اللحظات جلست الفتاه وقد تبدو ما زالت تشعر بالارتباك وتتلعثم في حديثها قائلة: لقد قدمت إليك يا سيدي من أجل أن أطلب منك أن تمنحني تذكرة سفر مجانية إلى بلدي، حيث أنني سمعت أن حضرتكم تقدمون تذاكر سفر مجانية، وأنا أرغب في السفر إلى بلدي ولا أمتلك الأموال لذلك، فأنا لست فتاة ثرية وأرغب في الحصول على تذكرة سفر من مدينة بطرسبرج إلى مدينة كوسك، وهنا سألها السيد المهذب: ولماذا ترغبين في السفر إلى كورسك، ألم تعجبك الحياة في هذه المدينة؟
وفي ذلك الوقت ردت الفتاة وهو يعتريها الخجل: لا أنه يعجبني، وكل ما أرغب به هو السفر إلى عائلتي، إذ وصلني خبر بأن والدتي قد تعرضت إلى وعكة صحية وهي طريحة الفراش، وهنا سألها السيد مرة أخرى: وأنت هنا موظفة أم طالبة؟، وهنا أخبرته الفتاة عن المكان التي كانت تعمل به، وكم كانت تتقاضى راتب، وعن حجم العمل الذي يتم تكليفها به.
وهنا رد عليها السيد بقوله: إذا هكذا كنتي تعملين؟! لديك حق لا يمكن الجزم بأن راتبك كبير، كما أنه من منطلق الإنسانية يجب أن يتم صرف لك تذكرة سفر مجانية، إذا فأنت ترغبين في السفر إلى تلك المدينة التي يقيمون بها أهلك، كما أنه لا يوجد ما يمنع في أن يكون لديك في كوسك حبيب أو خطيب على سبيل المثال، فلا بأس بأن تسافرين فقد حان الوقت لأن تتزوجي، إذا سافري إلى مدينة كوسك.
وقد أردف حديثه قائلاً: إنني أعلم أننا على مسافة تقارب على مئة فرسخاً من مدينة كوسك، وفي تلك المدينة تبقى حياة الأفراد يشتمون رائحة الكرنب، كما أن الصراصير تصول وتجول هنا وهناك في كل مكان، فكم هي مملة الحياة في تلك المدينة، ولكن على وجه العموم لا عليك، فهذا الأمر غير مخجل وما عليك إلى أن تنزعي قبعتك والانتظار قليلاً، ثم بعد ذلك قام السيد بالنداء إلى الخادم، وأول ما وصل اعتقدت الفتاة أنه سوف يطلب منه أن يؤمن لها تذكرة السفر المجانية، إ أن السيد قد طلب منه أن يحضر كوباً من الشاي ويقدمه للفتاة.
وفي تلك الأثناء لم تتوقع الفتاة أن يستقبلها السيد المهذب ذلك الاستقبال اللطيف وبدأت ملامح وجهها تشع بالسرور والفرح، وبدأت تشعر بالراحة وتتحدث بكل راحة واطمئنان مع السيد عن مدينة كوسك، كما تحدثت عن كل الأمور الجمالية فيها وأن هناك الكثير من الأمور المسلية والممتعة للغاية، كما أخبرت السيد أن لها شقيق موظف يعمل كمدرس، وأن أبناء شقيقها الآخر تلاميذ عنده.
وفي تلك اللحظة قدم الخادم الشاي لها وأخذت ترتشف الفتاة الشاي بكل لباقة وتهذيب، إذ لم تصدر أي صوت، وفي هذه اللحظة كان السيد يحدق النظر بها ولكن ليس من باب الإعجاب بما تتحدث به، وإنما من باب السخرية من أحاديثها، ولكن على الرغم من ذلك فقد شعر بالتسلية واختفى ذلك الملل الذي كان يسيطر عليه، وبعد أن انتهت من حديثها سألها السيد: هل خطيبك شاب وسيم وكيف تم التعارف بينكم؟ فأجابته الفتاة وأخذ الخجل يطغو على ملامحها من جديد، كما سردت عليه كيف تقدم لها العديد من الشبان من مدينة بطرسبرج لخطبتها وأنها رفضتهم، تحدثت لفترة طويلة وطوال تلك الفترة كان تضفو الابتسامة على وجهها وتكمن بحديثها الثقة الكاملة.
وفي نهاية الحديث قامت الفتاة بإخراج رسالة من جيبها وصلت إليها من والدها وأخذت تقرأها على السيد، وقد استمر الحديث بينهم إلى أن دقت الساعة الثامنة تماماً، ثم بعد ذلك قال السيد لها: لاحظت أن خط والدك جميل إلى حد ما، وأردف حديثه بقولة: لقد حان وقت مغادرتي، فإن وقت المرح قد بدأ الآن، ثم ودعها قائلًا: وداعا أيتها الفتاة سررت بلقائك، قالت الآنسة وهي تنهض من على الكرسي: أأستطيع أن آمل أن أحصل على تذكرة سفر مجانية؟
وهنا رد عليها قائلًا: تذكرة سفر مجانية، أنا لا أمتلك تذاكر سفر مجانية، لقد أخطأت العنوان أيتها الفتاة اللطيفة، إذ أنه بالقرب مني يقيم هناك أحد العاملين بالسكك الحديدية، أعتقد أنك تقصدينه، أما أنا فأعمل في أحد البنوك وقام بتوديعها منادي على الخادم؛ وذلك حتى يجهز له العربة، وأخيراً خرجت الفتاة وتوجهت إلى مدخل المنزل المجاور، وقد تم الرد عليها من قِبل الخدم في المنزل المجاور أن سيدهم قد سافر إلى مدينة موسكو في تمام الساعة السابعة والنصف.