تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول إحدى السيدات التي فقدت زوجها وهي ما زالت في سن مبكر، وحينما أحبت رجل غيره قام بخيانتها وغدرها مع فتاة أخرى أصغر منها سناً، ومنذ ذلك اليوم وقد انقلبت حياتها رأساً على عقب وأخذت بتعذيب الخدم العاملين لديها، وعلى وجه الخصوص فئة النساء والفتيات.
قصة الكونتيسة السفاحة داريا سالتيكوفا
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة روسيا، حيث أنه في يوم من الأيام كانت هناك سيدة تدعى داريا، تزوجت تلك السيدة في سن مبكر من عمرها من رجل يدعى السيد جليب، ولكن بعد مرور عدة سنوات على زواجهما توفي السيد جليب، وأصبحت داريا أرملة وهي في سن مبكر كذلك، إذ كانت تبلغ السادسة وعشرون من عمرها، كان السيد جليب من أكبر ملاكي الأراضي في المنطقة وبعد وفاته أصبحت كافة الأراضي من حق زوجته.
ومن بين تلك الأملاك كانت هناك إحدى المزارع الموجودة بالقرب من مدينة موسكو تعرف باسم مزرعة ترويستي، وفي تلك المزرعة كانت تقيم السيدة داريا مع أطفالها وحوالي ما يقارب على الست مئة من الخدم والعبيد، وطوال فترة زواج السيدة داريا من السيد جليب لم يلاحظ أي شخص أي شيء غريب في شخصيتها، وكل ما كان يبدو عليها أنها سيدة قاتمة ومكتئبة في أغلب الأوقات، كما أنها كانت ورعة جدًا وباستمرار تتبرع للكثير من الكنائس.
وفي يوم من الأيام حدث لقاء بين كل من داريا وأحد الشبان ويدعى نيكولاي، وقد كان ذلك الشاب وسيم وأنيق ويتمتع بمظهر جذاب، وبما أنها كانت وحيدة بعد وفاة زوجها وقعت في غرامه وبدأت بينهم علاقة غرامية، ولكن بعد مرور فترة علمت أن ذلك الشاب مرتبط في علاقة غرامية أخرى مع إحدى الفتيات الأصغر منها في السن، وأنه تزوج منها في إحدى الكنائس بشكل سري دون علم أحد، وحينما علمت بذلك شاط الغضب بداخلها، وأصبحت وكأنها لا ترى أمامها من شدة حقدها عليه بسبب خيانته، ومنذ ذلك اليوم قررت أن تقوم بقتله هو وزوجته، ولكن نيكولاي علم بوصول خبر زواجه لها وعرف بما تخطط له، وعلى الفور أخذ زوجته وهرب إلى مدينة موسكو، وبهذا فقدت فرصة داريا في قتلهما.
ومنذ ذلك الوقت بدأت تفرغ غضبها وتصب به على خدمها وعلى وجه الخصوص النساء منهن، فقد كرهتهن وحقدت عليهن لدرجة كبيرة، وكلما كانت الخادمة أصغر سنًا كلما عذبتها السيدة أكثر، ومرت فترة على حالتها تلك واعتادت بها على ضرب النساء الحوامل والأطفال بقسوة تصل بهم إلى تكسير عظامهن، كما كانت في الكثير من الأحيان تقوم بوضعهن خارج المنزل في البرد القارس والصقيع وتجردهن من الملابس وتصب فوق رؤوسهن الماء المغلي على أجسادهن، وتطرقت السيدة داريا إلى استخدام العديد من طرق التعذيب الوحشية الأخرى.
وأغلب ضحاياها دائمًا من فئة النساء، ولم يتم ذكر أنها قتلت من فئة الرجال سوى ثلاثة فقط، ولكنها كانت تعذبهم بطريقة مختلفة عن الطرق التي استخدمتها في تعذيب النساء، فقد كانت تقوم بقتل السيدات التي يحبونهم، وذات مرة قامت بقتل ثلاثة من النساء اللواتي تزوجهن واحد من خدمها واحدة تلو الأخرى.
وفي تلك الأثناء كانت أعمال العنف والإجرام التي تقوم بها السيدة نحو خدمها غير مبررة على الإطلاق، فقد كانت تقوم بتعذيب وقتل الخادمات حتى أن يلقن حتفهن لمجرد أنها لم تعجبها الطريقة التي يتم بها تنظيف البيت، والتفسير الوحيد لتلك التصرفات هو أنها كانت سادية تشعر بالمتعة أثناء تعذيبها للآخرين.
وبعد أن قامت بالعديد من الجرائم تم تقديم مجموعة من الشكاوى إلى السلطات بشأنها، ولكن ما كان يمنع محاكمتها هو أنها ترتبط بعلاقة قوية مع البلاط الملكي، وعلى إثر ذلك كانت السلطات تتجاهل تلك الشكاوى، وأول ما كانت السيدة تعلم بواحد من الأسماء التي قدمت ضدها الشكاوي كانت على الفور تقوم بقتله والانتقام منه.
وفي يوم من أيام فصل الصيف تمكن أحد الفلاحين الفرار من الأراضي التي تملكها السيدة داريا مع زوجته، ومن هناك على الفور توجه إلى إحدى المدن والتي تعرف باسم مدينة سانت بطرسبورغ، وأول ما وصل الفلاح إلى هناك سرعان ما قام بتقديم عريضة إلى الإمبراطورة وتدعى كاثرين الثانية، وفي تلك العريضة تحدث عن الأعمال والتصرفات التي تقوم بها السيدة داريا مع الفلاحين، وعلى إثر تلك العريضة قامت الإمبراطورة بالإيعاز إلى أحد المحققين بفتح تحقيق في القضية ومحاكمة السيدة داريا بشكل علني على الملأ.
وبالفعل تم إلقاء القبض عليها والحكم عليها مبدئياً بالسجن لمدة ست سنوات، وفي ذلك الوقت استمرت التحقيقات وقامت عناصر الشرطة بجمع معظم ضحاياها أولئك الذين نجوا من القتل بالإضافة إلى عائلات القتلى؛ وذلك من أجل الوصول إلى الأدلة الكافية ضد داريا، ومن كان يمسك بزمام الأمور هو محقق يدعى ستيبان، وهو ما تولى كافة أمور تلك القضية وجمع الأدلة حولها، كما قام بإجراء فحوصات طبية لعقل السيدة داريا، ولكن لم تظهر عليها أي علامات على المرض أو ما يدل على مرض الجنون، وما كان يثير استغراب المحقق أنها لم يبدر عنها أي شعور بالندم جراء أفعالها الإجرامية البشعة؛ وذلك لأنها كانت على يقين كامل بأنها سوف تفلت من يد العدالة.
وقد أظهرت نتائج التحقيقات أن السيدة في خلال فترة تتراوح ما بين ست إلى سبع سنوات قتلت حوالي مائة وتسعة وثلاثون شخص ومعظمهم من فئة النساء، وقد كان من بينهن فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين عشرة إلى اثنتي عشر عام فقط، ولكنها في النهاية أدينت بقتل فقط ثمانية وثلاثين أنثى فقط عن طريق ضربهن وتعذيبهن حتى الموت.
وفي تلك الفترة كانت عقوبة الإعدام قد تم العمل على إلغائها في دولة روسيا، ولذلك لم تكن الإمبراطورة واثقة تماماً من الطريقة المناسبة من أجل عقابها، وفي النهاية تم الحكم عليها بالسجن مدى الحياة في دير، وقبل زجها في السجن تعرضت لما يعرف باسم بالإعدام المدني، وهو ما يتمثل في عرضها وهي مقيدة على منصة أمام أعداد هائلة من الحشود في الميدان الأحمر لمدة ساعة تقريباً، مع وضع لافتة حول عنقها مكتوب عليها عبارة هذه المرأة عذبت وقتلت، ثم بعد ذلك ثم نقلتها إلى الدير.
وأخيراً أول ما وصلت إلى الدير تم وضعها في غرفة خالية من النوافذ ومقيدة بالسلاسل تحت الحراسة المشددة، وكانت الراهبة تحضر لها الطعام مع شمعة وبعد أن تنتهي من تناول الطعام تؤخذ الشمعة بعيدًا عنها، وظلت في تلك الزنزانة المظلمة حوالي إحدى عشر عامًا، ثم بعد ذلك تم نقلها إلى زنزانة أخرى بها نافذة واحدة، ولكنها في تلك الفترة كانت قد فقدت عقلها؛ وذلك بسبب بقائها في الظلام لفترة طويلة، وفي تلك الزنزانة كانت تبصق من تلك النافذة على المتفرجين من النافذة وتسبهم، وقد توفيت في تلك الزنزانة بعد قضائها ثلاثة وثلاثين عامًا في السجن.