قصة المتواسيان

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والأديب فرنسوا ماري أوريه المشهور باسم فولتير، وقد تناول في مضمون القصة الحديث عن موضوع المواساة وكيف أن لها الكثير من التأثير على النفس البشرية في حالة الوقوع في المصائب، كما أشار من جانب آخر أنه حينما يكون الجرح عميق لا توجد أي مواساة في الدنيا تقوى على إلغاءه أو مسحه من الذاكرة.

قصة المتواسيان

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهو أحد العلماء والفلاسفة ويدعى سيتوفيل، وقد كان ذلك الفيلسوف من كبار الفلاسفة في ذلك الوقت، وفي أحد الأيام التقى بسيدة مفجوعة، وقد كان لدى تلك السيدة أسباب وجيهة ومنطقية للشعور بالفجيعة وقد صرحت بها للفيلسوف حين سألها عن سبب قنوطها بتلك الحالة، وفي ذلك اللقاء قال لها الفيلسوف يا سيدتي إن ملكة إنجلترا وهي ابنة هنري الرابع كانت قد مرت في يوم من الأيام بمثل حالتك تلك من الشقاء، إذ أن أهلها كانوا قد طردوها من ممالكها.

وفي تلك الأثناء كانت على وشك أن تصاب بالانهيار كما أنها كانت على حافة الهلاك، إذ أن العواصف بدأت يحيط بها من جميع الجوانب، كما أنها قد رأتها زوجها يموت أمام نصب أعينها على منصة الإعدام، وحين سمعت السيدة هذا الكلام شعرت بالحزن على حالة الملكة، ثم بعد ذلك عادت من جديد تندب حظها السيء، وكانت تشير إلى أن هي بالذات من دون النساء يلازمها الحظ السيء.

وحين سمع منها الفيلسوف هذا الحديث أعاد سرد قصة أخرى عليها وقال: هل تتذكرين ما حدث مع من تدعى ماري ستيوارت، حيث أنها في يوم من الأيام عشقت بكل شرف وأمانة وصدق أحد الرجال الذين يعملون في مجال الموسيقى، وقد كان ذلك الموسيقي رجل مقدام وصاحب صوت عذب وجميل، وحين علم زوجها بذلك سرعان ما همّ بقتل ذلك الرجل الموسيقي أمام نصب أعينها.

ومن بعد ذلك طلبت من إحدى صديقاتها المقربات والتي كانت صديقة مسؤولة أن تزعم أنها عذراء وأن تقوم بقطع رأسها فوق منصة مكللة بالسواد، ولكن ما فعلته صديقتها هو أن قامت بحبسها ما يقارب على ثماني عشرة سنة، وهنا تحدثت السيدة المنكوبة وقالت: إن هذا أمر في غاية القسوة، ومن ثم عادت من جديد وتذكرت مأساتها وبدأت تندب حظها وغرقت في حالة من الكآبة.

وهنا تطرق الفيلسوف إلى قصة أخرى لمواساة السيدة فقال لها: من المؤكد أنكِ سمعتي عن الفتاة الحسناء التي تدعى جان دونابولي، حيث أنه تم إلقاء القبض عليها وخنقها، وهنا قالت السيدة المفجوعة: أتذكر تلك الحادثة ولكن بصورة مشوشة بعض الشيء، وهنا أضاف الفيلسوف: ينبغي علي أن أقص عليك مأساة عاشتها سيدة حاكمة، حيث أن تلك السيدة قد قاموا بإزاحتها عن العرش في أحد الأيام بعد تناولها وجبة العشاء، ثم بعد ذلك توفيت في إحدى الجزر المهجورة، وهنا ردت السيدة المفجوعة: أعرف تلك القصة بكامل تفاصيلها.

وهنا رد الفيلسوف وقال: جيد إذن سوف أخبرك بما حدث مع إحدى الأميرات العظيمات الشأن والقدر، وقد كانت تلك الأميرة ذات وجه وملامح وردية، حيث أن تلك الأميرة قد خضعت عندي لأخذ العديد من الدروس حول الفلسفة، وتلك الأميرة كان لديها عشيق، حالها كحال جميع الأميرات الجميلات والعظيمات الشأن، وفي يوم من الأيام دخل والدها إلى غرفتها وإذ به يجد عشيقها عندها في الغرفة، وقد بدأ وجهه كاللهب الأحمر، وبدأت عيناه وكأنه يقدح الشرار منهما وكأنهن ياقوت متوهج.

وفي تلك اللحظة لم يرتاح الأب أبدًا لوجه عشيقها، وسرعان ما قام بضربه صفعة قوية جداً، إلى حد أنه تم سماع صوت تلك الصفعة في كافة أرجاء المنطقة، وهنا سرعان ما همّ العاشق بتناول قطعتين ضخمتين من الحديد وعزم على كسر بهما رأس والد الأميرة، ولم يتماثل والد الأميرة إلى الشفاء من تلك الضربة إلا بصعوبة بالغة، كما أنه ما زال حتى الوقت الحالي وفي رأسه العديد من الندب والجروح بسبب تلك الضربة.

أما بالنسبة إلى الأميرة ففي تلك اللحظة التي حدثت بها المشاجرة بين والدها وعشيقها سرعان ما همت بالقفز من النافذة، وقد كانت تلك القفزة قد تسببت في خلع إحدى قدميها، ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا بدأت تعرج عرجًا ظاهرًا لجميع من يراها، على الرغم من أنها تتميز بقوام رائع، وعلى أثر تلك المشاجرة قد حكم على العاشق بالإعدام شنقاً؛ وذلك لأنه حطم رأس أمير من أصحاب العظمة، وهنا يمكنك تخمين وتخيل الحالة التي أصيبت الأميرة بها حينما اقتادوا عشيقها أمام أعينها ليتم تعليقه على حبل المشنقة، ولطالما ذهبت إلى زيارتها في الحبس، ولكنها في كل مرة كانت لا تحدثني إلا عن مآسيها.

وهنا قالت السيدة المفجوعة: لماذا إذاً أيها الفيلسوف العظيم لا تريديني أن أفكر بالمآسي التي أحلت بي؟ فرد الفيلسوف: لأنه لا ينبغي التفكير بها، فالتفكير في المآسي ووقوع النكبات بهذا الكم الهائل والمفرط يجعل الكثير من الأميرات العظيمات يسهل وقوعهن في اليأس والقنوط.

ولكن ما عليكِ فعله هو التفكير في المآسي التي عاشها الكبار والعظماء وكيف أنهم أخرجوا أنفسهم منها بسبب عزيمتهم وإصرارهم، فعلى سبيل المثال فكري بالمأساة التي عاشها هيكوب، والمأساة التي عاشتها نيوبي، وحين سمعت السيدة المفجوعة ذلك الكلام تنهدت وقالت: آه .. يا ليتني عشت في ذلك الزمان، أو في الزمن الذي كانت تعيش به تلك الأميرات الجميلات، إذ قمت بمواساتهن بسرد قصة مأساتي عليهن، وهنا سألت الفيلسوف: فهل تظن أنهن سوف يستمعن إلي؟ أو يا هل ترى لو أنك قمت أنت بقص مأساتي عليهن، فهل سوف يستمعن إليك.

وفي اليوم التالي فقد الفيلسوف ابنه، وقد كان ذلك الابن هو الابن الوحيد له، وبسبب وفاة ابنه كاد أن يموت من شدة الألم والحرقة عليه، وهنا عزمت السيدة المفجوعة على تنظيم جدول له سردت به كافة أسامي جميع الملوك الذين فقدوا أبناءهم، وقدمت الجدول إلى الفيلسوف فقرأه، ووجده أنه يحتوي على ضبط ودقة في كامل المعلومات، ولكن ذلك الأمر لم يخفف أبداً من غزارة دموعه، وفي النهاية وبعد مرور ما يقارب على الثلاثة أشهر التقى الفيلسوف والسيدة، وقد أدهشهما أنهما كليهما شديدا الميل إلى المرح والمزح والابتهاج، وقد اتفقا على رفع تمثال جميل للزمان، كما أمرا بالنقش على قاعدة ذلك التمثال إلى من يرغي بالمواساة.

المصدر: كتاب قصص وحكايات فولتير من الأدب العالمي


شارك المقالة: