قصة المغفلة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية التي صدرت عن الأديب الروسي أنطون تشيخوف، وقد تطرق من خلال محتوى القصة الحديث حول الإنسان الذي يتسم بالضعف والخجل في هذه الحياة، إذ دارت الأحداث حول مربية أطفال تم تكليفها بمهمة تعليم طفلين لإحدى العائلات، مرّ على تعيينها شهرين ولم تقم بطلب راتبها على الإطلاق، وبعد أن لاحظ سيد المنزل هذا الأمر، حاول أن يلقّنها درساً ينفعها في حياتها، وقد نصحها في النهاية أنه ينبغي عليها أن تدافع عن حقوقها في حال تعرضت للتهكم.

قصة المغفلة

في البداية تدور وقائع وأحداث القصة حول سيدة تعمل كمربية أطفال في أحد المنازل وتدعى يوليا، حيث أنه في أحد الأيام قام صاحب المنزل الذي تعمل به بدفع راتبها لها، إذ أن السيدة يوليا مضى شهرين على عملها في ذلك المنزل، وقد شعر صاحب المنزل أن المربية يعتريها الخجل باستمرار، وهذا الأمر منعها من طلب المال لمدة شهرين على التوالي، وفي تلك الأثناء قام سيد المنزل باستدعاء يوليا إلى غرفة المكتب الخاصة به.

وأول ما دخلت يوليا غرفة المكتب قال سيد المنزل: تفضلي بالجلوس يا يوليا، إذ يجب علينا أن نتحاسب، في بداية عملك في هذا المنزل اتفقنا أن أدفع لكِ ثلاثين روبلا في كل الشهر، وهنا اندهشت يوليا من ذلك وقالت: يا سيدي لقد اتفقنا على أربعين، فرد سيد المنزل: لم نتفق على ذلك، وكل ما اتفقنا عليه تم تسجيله عندي، وإنني كنت على الدوام أدفع المبلغ ذاته لكل مربية تعمل في منزلي، فردت عليه المربية: حسنًا يا سيدي، وهنا تحدث السيد وقال: لقد عملت لدينا منذ شهرين تماماً، وهنا ردت عليه بكل هدوء: شهرين وخمسة أيام يا سيدي.

وفي تلك اللحظة اندهش السيد وقال: بل شهرين بالتمام، والتاريخ مدوّن عندي في عقد الاتفاق، ولهذا استحقاقاتك تبلغ ستين روبلا، بالإضافة إلى خصم منها تسعة أيام، وهذه الأيام كانت تصادف يوم أحد، وأنت في يوم الأحد كنت لا تعليميهم أي شيء بل كنت في الحقيقة تذهبين معهم في التنزه، بالإضافة إلى ذلك هناك صادفت ثلاثة أيام أعياد يتم خصمها كذلك.

وفي تلك الأثناء حينما سمعت المربية ذلك تغيرت ملامح وجهها وأمسكت بأصابعها أطراف فستانها ودون أن تنطق بكلمة واحدة حاولت أن تغادر الغرفة، إلا أن السيد واصل حديثه بقوله: وبناءً على كل ذلك يصبح المجموع راتبك اثنا عشر روبلا، ومن هذا المبلغ هناك عدة أمور كذلك تترتب عليه، إذ أن كان ابني الذي يدعى كوليا قد أصيب بوعكة صحية لمدة أربعة أيام ولم يكن يتلقى أي تعليم، وفي تلك الأثناء كنت تدرسين ابنتي التي تدعى فاريا فقط، كما أن هناك ثلاثة أيام كنت تعانين بها من ألم الأسنان، فسمحت لكي زوجتي بعدم التدريس بعد فترة الغذاء.

وهنا بدأ السيد بالحساب فقال: إذا اثنا عشر روبلا بالإضافة إلى سبعه روبلا ثم تسعه روبلا، يتم خصمهم، فيتبقى واحد وأربعين روبلا بالضبط، وهنا شعرت يوليا بالغضب الشديد فارتعش جدها وامتلأت عيناها بالدموع، وأمسك بها سعال قوي، ولكن مع كل ذلك لم تنطق بكلمة.

وعلى الرغم من أن سيد المنزل شاهدها بتلك الحالة المزرية، إلا أنه لم يتوقف عن الحديث في حساب راتب المربية، فأكمل بقوله: في إحدى الليالي بينما كنت تتواجدين في مطبخ المنزل كسرت بعضاً من أدواته، ولهذا سوف تيم خصم روبلين، ففي الحقيقة الأدوات أغلى من ذلك بكثير، لكن لا بأس ليسامحك الرب ويعوضنا، ثم أردف السيد حديثه بقوله: وبسبب عدم انتباهك تسلق ابني كوليا على الشجرة ولهذا مزق سترته، وهنا سوف نخصم عشرة روبلا، وجراء بسبب اهمالك كذلك قامت إحدى الخادمات بسرقة حذاء ابنتي فاريا، وهنا علينا أن نقوم بخصم خمسة روبلا آخرين.

فمنذ هذا اليوم ينبغي عليك أنت تراعي كل أمر يخص الأولاد، فأنت تتقاضين راتب ولا تعملي بالمجان، وهكذا نقوم بخصم خمسة روبلا آخرين، ففي تاريخ العاشر من شهر يناير استقرضت مني عشرة روبلات، وهنا تحدثت المربية قائلة: لم آخذ منك أي نقود، فأجابها السيد: أنني أدون كل أمر يختص بالنقود، فهيمن الإحباط على المربية وقالت: حسناً ليكن كما قلت.

ثم بعد ذلك واصل السيد حديثه وقال: إذاً هنا علينا أن نخصم من واحد وأربعين روبلا سبعة وعشرين روبلا فيتبقى أربعة عشر روبلًا، وهنا سيطر الحزن على يوليا وفاضت عيناها بالدموع وظهر العرق ينساب على أنفها الجميل، وقالت للسيد: لقد أقرضتني زوجتك ثلاث روبلات لمرة واحدة ولم آخذ غيرها قط.

وهنا بدا أنه انشرح صدره ورد عليها: حقاً، أنا لم أدون ذلك، فلنخصم إذاً من المبلغ المتبقي ثلاث روبلات، وهكذا يبقى لديك أحد عشر روبلا بالتمام، وهنا مد يده إلى جيوبه وأخرج النقود وتقدم منها وقال: ثلاثة، ثلاثة، ثلاثة، واحد، واحد، تفضلي يا سيدة، فمدت المربية يدها وتناولت النقود ووضعتها في جيبها، وقالت له: شكرًا لك.

وبعد أن أتم سد المنزل أمور حساب الراتب اشتد غضبه فجأة وأخذ يذهب هنا وهناك في الغرفة، ثم قال وقد استولى عليه الغضب الشديد: شكراً على ماذا؟ فأجابته المربية قائلة: شكرًا على الراتب، وهنا رد عليها السيد وهو يبدو عليه العنف: لكنني نهبتك وسرقتك وبعد كل ذلك تقولين شكرًا على ماذا؟ وهنا ردت عليه المربية قائلة: في العديد من المنازل التي عملت بها لم أتقاضى أي راتب.

وهنا قال السيد وهو تعتريه الدهشة والتعجب: لم يعطونك! أليس هذا الأمر غريب؟ ولكن أنا في الحقيقة كنت أمزح معك؛ وذلك من أجل أن ألقنك درس قاسي، أنا سوف أقدم لك كامل مستحقاتك الثمانين روبلا، وها هو الظرف فقد أعددت لكي فيه كامل نقودك، ومد يده وناولها الظرف وقال: لماذا أنت مربية عاجزة إلى هذا الحد؟، لم لا تعترضين؟

فهل من المعقول أن تكوني في هذه الدنيا بدون أنياب تدافعي بها عن حقك، هل يعقل أن تكوني مغفلة إلى هذا الحد؟ فردت عليه المربية وهو يعتريها الخجل: من الممكن يا سيدي، وفي النهاية طلب منها السيد أن تسامحه على ذلك الدرس القاسي وعلى تلك الدموع التي ذرفتها بسبب مزاحه، وهنا شكرته في خجل وغادرت غرفة المكتب، وبعد أن غادرت فكر السيد في نفسه وقال: من أكثر الأمور بشاعة في هذه الحياة أن تكون إنسان ضعيف.


شارك المقالة: