قصة المكان والناس أو (The Place and the People) هي قصة من الحكايات الشعبية الأفريقية حيث رويت هذه القصص بعد يوم طويل من العمل ليلاً على النار، وهي وسيلة للتواصل ونقل مختلف العادات والتقاليد والحقائق الأفريقية شفهيًا.
الشخصيات:
- الأب.
- ابن العم.
- أوتا كوريل.
- الابن الأكبر بيتي.
- الابن الأصغر جان.
- الابن الأوسط ويليام.
قصة المكان والناس:
كان الشتاء في كارو العظيم وكان هواء المساء هشًا ومتقطعًا لدرجة أنّ المرء بدا وكأنه يسمع صوت الصقيع حيث تشكل على الغطاء النباتي الضئيل وهبت رياح صخرية من الجبال البعيد جالبة معها رائحة مختلطة من أشجار كارو وغنم كرالس، ودخان من أكواخ الكافير، وكان كل ذلك يبدو نقيًا في ذلك الصفاء النادر للجو في مثل هذا الوقت.
كان بيت عائلة فان دير ميروي مضاءً، وكان بيتي فان دير ميروي الابن الأكبر قد أشعل عدة شمعات وهو يحدق في ضوء القمر الباهت فوق النصف السفلي من الباب، ثمّ بدأ يشعر بقليل من الارتعاش وأغلق الجزء العلوي من الباب وعاد ليجلس بجانب النار الدافئة والمتوهجة بينما كان ويليم الأخ الأوسط يتناول بعض الطعام من السلة المجاورة له، وجلس جان الصغير في زاوية المدفأة التي كانت صدئة وقديمة.
وكانت عيناه الرماديتان الكبيرتان تنظران بحزن إلى قلب النار الأحمر بينما كانت يده تداعب الكلب توري الذي كان ملتفًا بجانبه، في تلك الأثناء تثاءبت الأم وهي جالسة على كرسيها الكبير على الطاولة الجانبية وكانت قليلاً ما تجلس لتقرأ كتابها وتكرر قراءة نفس الكتاب في الشتاء أو الصيف حيث بعد يوم مليء بالأعمال والانشغالات، تجدها نهاية اليوم جاهزة للراحة والقراءة.
أمسك بيتي يديه وبدأ بفركهما باتجاه النار، وأدار رأسه بين الحين والآخر نحو الباب في نهاية الغرفة ينتظر والده وفي الوقت الحاضر انفتح هذا وظهر الأب بشكل مريح كمّا لو أنّه كان مستلقياً طوال اليوم في سريره ولم يقم بأعماله الشاقة مثل قص الشجر وزراعة شجر آخر، وحراثة الأرض والتي كانت جزءًا من عمله اليومي، فقط السمرة والكتفين العريضتين هي التي تكشف عن حياته الشاقة.
ثمّ استقرت عيني الأب بسرور على المشهد الذي أمامه حيث النار الساطعة والتي تعطي جوًا عامًا من الراحة لكل شيء بالنسبة للأب، ووضع الطعام حولهم لتناول العشاء، ثمّ تبعته في لحظة ابنة العم ميني المربية الشابة ذات الوجه اللامع حيث أثار مجيئها ضجة بين الأطفال، قام جان الصغير بسحب نفسه ببطء من جانب النار، وقام على الفور بدفع كلبه النائم على جانب المدفأة لإفساح المجال لابنة العم ميني.
ثمّ قفز بيتي إلى جانب والده وقال بلهفة: الآن هل يمكنني أن أذهب وأنادي أوتا كاريل؟ فقبل والده وقال: نعم يا بني أسرع، كان أوت خادم المنزل وهو شخصية غريبة وحين جاء انحني مثل غوريلا عجوز، كان ارتفاعه أربعة أقدام وكانت كتفيه عريضين بشكل غير متناسب وذراعان طويلتان، وبلغت يديه منتصف المسافة بين الركبة والكاحل، وكانت أطرافه السفلية مغطاة بملابس مصنوعة من جلود القط الوحشي.
ويرتدي معطف بني باهت، وكان من الواضح أنّه من حجمه كان ملكًا لسيده وعندما أزال قبعته التي لا شكل لها، كان هناك أثر لجرح أحمر حول رأسه حيث لم يسبق لأحد أن رأى أوتا كاريل بدون قبعة، وقد اعتقدوا أنّ الرأس الذي غطته القبعة كان خاليًا من الشعر، وكان وجهه ذو اللون الأصفر والبني عبارة عن شبكة من التجاعيد تمتد عبر أنفه المسطحة بين عظام وجنتيه المرتفعة.
كانت عيناه الغارقتين في رأسه متلألئة مظلمة مثل العيون الصغيرة الشريرة لأفعى تسترق النظر من ظل حفرة في الصخور، والتوى فمه الواسع في ابتسامة جذابة بينما كان يغمز ويومض عينيه الصغيرتين اللامعتين، قام بتدوير قبعته القديمة في يديه الشبيهة بالمخالب وحاول أن يحيي سيده، ولكن لم تنجح المحاولة بسبب تصلب مفاصله، مما أدى إلى ضحك الموجودين.
حيث على الرغم من شكله الغريب وغير المتناسب، ولكنّه كان مثيرًا للفضول، لأنّه يتمتع بالفكاهة واللطف بينما كانت عيونه مصممة للتعبير عن الحقد والمكر فقط، لكن على الرغم من غرابة مظهره، كان هناك شيء ما حول أوتا كاريل لفت انتباه الجميع وهو إخلاصه الحقيقي لسيده وعائلة فان دير ميروي الجميلة، ولا يمكن أن يكون هناك شك في هذا الإخلاص.
كان أوتا كاريل منبوذًا، ويعتبر من السكان الأصليين البوشمان القلائل الذين نجوا من فترة العبودية عندما كانت القبائل لا يعرفون أي قانون سوى قانون الامتلاك، كان الناس مثله خائفين ومطاردين من مناطق سكنهم السعيدة من قبل البانتو الأقوياء وبعد ذلك من قبل القبائل الأكثر رعباً من فوق البحار، وعلى الرغم من ضياع أصل البوشمان في ضباب العصور القديمة.
فإن غزو الهوتينتوت لهم جعل المنتصرين في العادة يقتلون الرجال، أو يتخذوا لأنفسهم زوجات من بين نساء العرق المهزوم، ومن هنا تأتي حقيقة أنّه ورث عينة كاملة من البوشمان، وبالكاد يمكن أن يُطلق على أوتا كاريل أنّه من العرق الأصلي، لأنّه على الرغم من أنه تحدث دائمًا عن نفسه على أنه بوشمان بالكامل إلا أنّه كان هناك تأثير قوي من الهوتينتوت ملحوظ بشكل رئيسي في بناء جسمه.
وكان يتحدث باللغة الهولندية بصوت معبر، سحب بيتي كرسياً منخفضاً له، وقال: عذراً أن هذا البوشمان العجوز لا ينحني ليحييكم، لأنّ ركبتيه متصلبتان للغاية، فقال أوتا: شكرًا لك، وجلس على الكرسي ببطء وحذر مع الكثير من صرير المفاصل ورتبت العائلة الصغيرة نفسها من جديد، كان ابن العم ميني في الزاوية المريحة بالقرب من الحائط، وبجانبه جان الصغير ورأسه مواجه له.
ورأس توري في حضنه بينما كان الأب مع مجلته في الجانب الآخر مما يتيح له التحدث إلى الأم بنبرة منخفضة، أو إلقاء نظرة سريعة على كتابها ليرى كيف كان كتابها يسير، دفع ويليام السلة بعيدًا ليستقر بشكل أكثر راحة على ركبة ميني بينما كان جالسًا على الأرض، وكان بيتي على كرسي صغير أمام النار مباشرة، كان محور اهتمام العائلة هو العجوز الغريب الذي عاش كخادم متميز في عائلة فان دير ميروي.
والتي خدمها بإخلاص لمدة ثلاثة أجيال وقد كان ضوء النار ينير شخصيته الجذابة ويظهر يديه الصغيرتين بشكل مذهل وأصابعه الملتوية وهو يشير ويومئ باستمرار، كانت هذه هي الساعة التي يحبها الأطفال، حيث سُمح لعزيزهم أوتا كاريل بالدخول ليروي لهم القصص، وكانت قصصًا غريبة ورائعة مثل حكايات الأشباح والعمالقة، وعن الأرواح الطيبة والسيئة.
وعن الحيوانات التي تتحدث وعن الطيور والوحوش والحشرات التي كان لها تأثيرًا رائعًا على مصائر البشرية، ولكن الأكثر إثارة ربما كانت تجارب أوتا كاريل الشخصية، كان الأطفال يستمعون بعيون واسعة ولا يتنفسون، وحتّى الكبار كانوا يشعرون بهذه الإثارة غير قادرين على تحديد أين تنتهي الحقيقة ويبدأ الخيال ثمّ قال جان الصغير: والآن أوتا أخبرنا بقصة لطيفة، أجمل ما تعرفه.
فقال بيتي: ولكن هذا الرجل الأسود الغبي العجوز لا يعرف قصصًا جديدة فقط القصص القديمة، وكيف يمكنه أن يخبرنا قصة عندما يكون حلقه جافًا، ثمّ فجأة بدأ بمفاجأة مصطنعة وابتسم لبيتي الذي وقف بجانبه ومعه إبريق زجاجي من الماء الدافئ، كان هذا الأبريق ليشرب منه أوتا عندما يستخدم ذريعة للفت الانتباه إلى حقيقة عدم تقديمه القصص مثل التهاب الحلق.
والصداع وآلام المعدة، والبرد والحرارة، والروماتيزم والشيخوخة، ثمّ رفع إبريق الزجاج وابتلع المحتويات، وصفع شفتيه باستحسان وقال: الآن أنا قوي مرة أخرى، أنا الآن مستعد لسرد قصة.