قصة المكفوف بابا عبد الله أو (The Story of the Blind Baba-Abdalla) قصه خيالية من سلسلة حكايات ترفيه الليالي العربية، تم اختيار هذه الحكايات الشعبية وتحريرها بواسطة أندرو لانج، وقد تم تبسيطها واختصارها ممّا يجعلها أكثر ملاءمة للأطفال، وتاريخ نشرها عام( 1918)
الشخصيات:
- بابا عبد الله.
- أمير المؤمنين.
- الدرويش.
قصة المكفوف بابا عبد الله:
تحدث المكفوف بابا عبد الله بقصته لأمير المؤمنين وقال: وُلدت يا أمير المؤمنين في بغداد، وُتركت يتيماً وأنا صغيرًا جدًا، لأنّ والديّ ماتا في غضون أيام قليلة من بعضهما البعض حيث ورثت عنهم ثروة صغيرة عملت بجد ليلاً ونهارًا لزيادتها حتى وجدت نفسي أخيرًا أملك ثمانين من الإبل، وظفتهم لتجار مسافرين، وكنت أرافقهم كثيرًا في رحلاتهم المختلفة، ودائمًا ما كنت أعود معهم بأرباح كبيرة.
وذات يوم كنت عائدًا من بالسورا حيث كنت قد أخذت مخزونًا من البضائع، كان مخصصًا للهند وتوقفت ظهرًا في مكان منعزل والذي يمتلئ بمراعي غنية لجمالي، كنت أرتاح في الظل تحت شجرة وعندما جلس رجل درويش بجانبي كان يسيرعلى قدميه ، وسألته من أين أتى وإلى أي مكان كان ذاهبًا، وسرعان ما تحولنا لأصدقاء، وبعد أن سألنا بعضنا البعض الأسئلة المعتادة، أخرجنا الطعام الذي لدينا، وتناولنا طعامنا وأشبعنا جوعنا.
وبينما كنّا نأكل، حدث أن ذكر الدرويش أنه في مكان بعيد قليلاً عن المكان الذي كنا نجلس فيه، كان هناك كنز مخفي كبير لدرجة أنّه إذا تم تحميل جمالي الثمانين به لا يستطيعوا حمله وهذه الكنوز تبدو ممتلئة كما لو لم يتم لمسها، بعد سماع هذا الخبر، شعرت بداخل نفسي تقريبًا بفرح وجشع، ورفعت ذراعي حول عنق الدرويش، وصحت: أيها الدرويش الجيد، أرى بوضوح أنّ ثروات هذا العالم لا تعني لك شيئًا، وبالتالي ما فائدة معرفتك بهذا الكنز حيث إذا ذهبت وحدك سيراً على الأقدام يمكنك حمل حفنة منه فقط.
لكن قل لي أين هو؟ وسأُحمل به جمالي الثمانين، وأعطيك واحدة منها عربون امتناني ومن المؤكد أنّ عرضي لا يبدو رائعًا للغاية، لكنّه كان رائعًا بالنسبة لي، لأنّه في كلماته اجتاحت قلبي موجة من الطمع وشعرت كما لو أنّ الإبل التسعة والسبعين المتبقية لا تُقارن بأي شيء، وحين رأى الدرويش جيدًا ما كان يمر في ذهني، لكنّه لم يُظهر رأيه في اقتراحي.
أجاب بهدوء: أخي، أنت تعلم كما أعلم أنّك تتصرف بشكل غير عادل، لقد كان خيارًا مفتوحًا لي الاحتفاظ بسري والاحتفاظ بالكنز لنفسي، ولكن حقيقة أنّني أخبرتك عن وجودها يدل على أنّني أثق بك، وأنّني تمنيت أن أكسب امتنانك إلى الأبد، من خلال تكوين ثروتك بحجم ثروتي، ولكن قبل أن أكشف لك سر الكنز، يجب أن تقسِّم تلك الثروة بعد أن نحمل الإبل بها بقدر ما تستطيع أن تحمله بحيث ستعطيني النصف، لذلك دعنا نذهب للحصول عليه، أعتقد أنّك سترى أن هذا أمر عادل، لأنك إذا قدمت لي أربعين جملاً ، فأنا من جانبي سأمنحك وسيلة لشراء ألف أخرى.
لم أستطع بالطبع أن أنكر أنّ ما قاله الدرويش كان معقولًا تمامًا، ولكن على الرغم من ذلك، فإنّ فكرة أنّ الدرويش سيكون ثريًا بقدر ما كنت أنا ثريًا لم أكن أحتملها، ولكن لم يكن هناك فائدة من مناقشة الأمر معه، وكان علي قبول شروطه أو الندم حتى نهاية حياتي على خسارة الثروة الهائلة، لذلك جمعت الجمال وانطلقنا معًا تحت إشراف الدرويش.
بعد مرور بعض الوقت وصلنا إلى ما يشبه الوادي، ولكن بمدخل ضيق لم يكن بوسع جمالي المرور إلّا واحدة تلو الأخرى حيث كان الوادي الصغير، وكان الفضاء المفتوح مغلقًا على جبلين حيث تشكل جانباهما منحدرات مستقيمة لا يمكن لأيّ إنسان أن يتسلقها، وعندما كنا بالضبط بين هذه الجبال توقف الدرويش، ثمّ قال: اجعل جمالك مستلقية في هذه المساحة المفتوحة حتى نتمكن من تحميلها بسهولة، ثم نذهب إلى الكنز.
فعلت ما قاله الدرويش، وانضممت مرة أخرى إليه حيث وجدته يحاول إشعال النار في بعض الأخشاب الجافة، وبمجرد أن اشتعلت النيران، ألقى عليها حفنة من العطور ونطق بضع كلمات لم أفهمها، وعلى الفور ارتفع عمود كثيف من الدخان عالياً في الهواء حيث قام بفصل الدخان إلى عمودين، ثم رأيت صخرة تقف كعمود بين الجبلين وتنفتح ببطء ويظهر داخلها قصر رائع ملئ بالذهب.
عند رؤية هذا المنظر، استحوذ حب الذهب على قلبي لدرجة أنّني لم أستطع التوقف حتى أدخل لأفحص الثروات، لكنّني سقطت على الكومة الأولى من الذهب التي في متناول يدي وبدأت في تكديسها في كيس أحضرته معي، ثمّ بدأ الدرويش أيضًا في العمل، لكنني سرعان ما لاحظت أنّه اقتصر على جمع الأحجار الكريمة وشعرت أنّه يجب أن أحذو حذوه، وبعد فترة طويلة كانت الإبل محملة بقدر ما تستطيع حملها، ولم يبق شيء سوى إغلاق الكنز والسير في طريقنا.
وقبل أن يتم ذلك، صعد الدرويش إلى مزهرية ذهبية كبيرة وتناولها بشكل جميل وأخذ منها صندوقًا خشبيًا صغيرًا، أخفاه في حضن ثوبه، واكتفى بالقول إنّه يحتوي على نوع خاص من المرهم، ثم أشعل النار مرة أخرى وألقى بالعطر وتمتم بالتعويذة المجهولة، وانغلقت الصخرة ووقفت كاملة كما كانت من قبل.
كان العمل التالي هو تقسيم الجمال وشحنها بالكنز، وبعد ذلك تولى كل منا قيادة جماله الخاصة وخرجنا من الوادي، حتى وصلنا إلى المكان في الطريق السريع حيث تتباعد الطرق، ثم افترقنا أنا والدرويش حيث كان متجهًا نحو بالصورة وأنا إلى بغداد، ثمّ عانقنا بعضنا البعض بحنان، وأعطيت امتناني للشرف الذي قدمه لي حيث خصني بهذه الثروة العظيمة، وبعد أن قلنا وداعًا أدرنا ظهورنا وسارعنا وراء جمالنا.
بالكاد كنت قد توصلت إلى نفسي عندما ملأ شيطان الحسد روحي، وقلت؟: ماذا يريد الدرويش بثروات كهذه؟ ثمّ قلت لنفسي: هو وحده لديه سر الكنز، ويمكنه دائمًا الحصول على ما يشاء، وأوقفت جمالي على جانب الطريق وركضت وراءه، وكنت عداءً سريعًا ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للوصول إليه.
صرخت: أخي، ربما يكون جديدًا بالنسبة لك امتلاك الثروة الكبيرة فأنت درويش بالمهنة بطبيعتك، وتعيش كثيرًا حياة هادئة وتهتم فقط بفعل الخير وتتجاهل كلّ هذا العالم، وأنت لا تدرك العبء الذي تضعه على عاتقك عندما تجمع بين يديك مثل هذه الثروة العظيمة، إلى جانب حقيقة أنّه لا يوجد أحد تعودت عليه الإبل منذ ولادتها غيري، إذا كنت حكيماً فلن ترهق نفسك بأكثر من ثلاثين، وستجد أنّها لن تسبب لك الكثير من المشاكل.
فأجابه الدرويش الذي فهمه جيدًا، ولكنّه لم يرغب في مناقشة الأمر معه: أنت على حق، أعترف أنّني لم أفكر في ذلك، اختر أي عشرة تحب وادفعهم أمامك، ثمّ اخترت عشرة من أفضل الجمال وسرنا على طول الطريق للانضمام إلى أولئك الذين تركتهم خلفي، كنت قد حصلت على ما أريد، لكنّني وجدت أنّ التعامل مع الدرويش سهل للغاية لدرجة أنّني ندمت على أنّني لم أطلب عشرة أخرى.
نظرت إلى الوراء، لقد قطع بضع خطوات فقط، ثمّ لحقت من بعده وقلت: أخي، أنا لا أرغب في الانفصال عنك دون الإشارة إلى ما أعتقد أنك بالكاد تفهمه، أنّ الخبرة الكبيرة في قيادة الجمال ضرورية لأيّ شخص ينوي الاحتفاظ بقوات مكونة من ثلاثين فردًا، أنا متأكد من أنك ستكون أكثر سعادة إذا عهدت بعشرة أخرى منهم إلي، لأنّه من خلال ممارستي بقيادة الجمال سيكون الأمر كله بالنسبة لي إذا أخذت مائة.
كما كان من قبل، لم أواجه مع الدرويش أي صعوبات وقد نجحت في أخذ عشرة جمال أخرى منتصراً، ولم أترك له سوى عشرين جملاً مقابل نصيبه، كان عمري الآن ستين عامًا، وربما كان أي شخص يتخيل أنّني يجب أن أكون راضيًا، ولكن، يا أمير المؤمنين، لم أستطع الراحة طالما بقي جمل واحد للدرويش، ثمّ عدت إليه وضاعفت معانقاتي ووعودي بالامتنان الأبدي له إذا أعطاني آخر عشرين جملًا في يدي.
قال الرجل المسكين: خذها يا أخي، وتذكر أنّ الثروات لها أجنحة أحيانًا إذا احتفظنا بها لأنفسنا، والفقراء على أبوابنا الذين يطمعون بمساعدتنا، ولكن أعمى الذهب عيني لدرجة أنّني لم أهتم بمشورته الحكيمة، وبحثت فقط عن شيء آخر لأستوعبه، وفجأة تذكرت علبة المرهم الصغيرة التي كان الدرويش قد أخفاها والتي تحتوي على الأرجح على كنز أغلى من البقية، وعند إعطائه احتضانًا أخيرًا، قلت له: ما الذي ستفعله بهذه العلبة الصغيرة من المرهم؟ يبدو أنّها لا تستحق أن تأخذها معك، ربما تسمح لي أيضًا بالحصول عليها.
ثمّ قال بلباقة: خذها يا صديقي، وإذا كان هناك أي شيء آخر يمكنني القيام به لإسعادك يجب أن تخبرني، ومباشرة كان الصندوق في يدي، ثمّ قلت:بما أنكِ لطيفًا جدًا، قل ما هي فضائل هذا المرهم؟ أجاب الدراويش: إذا قمت بتطبيق القليل منه على عينك اليسرى، فستشاهد في لحظة كل الكنوز المخبأة في أحشاء الأرض، ولكن احذر من أن تلمس عينك اليمنى، لأنّه سيدمر بصرك إلى الأبد.
أثارت كلماته فضولي وصرخت وأنا أمسك الصندوق للدرويش: جربه لي، أتوسل إليك، ستعرف كيف ستفعلها أفضل مني! أنا أحترق بفارغ الصبر لاختبار سحرها، ثمّ أخذ الدرويش العلبة التي مدّدتها إليه، وأمرني بإغلاق عيني اليسرى، ولمس بلطف بالمرهم، وعندما فتحت عيني مرة أخرى رأيت أمامي كنوزًا من كل نوع وبدون عدد، ولكن نظرًا لأنّني كنت مضطرًا طوال هذا الوقت إلى إبقاء عيني اليمنى مغلقة ، الأمر الذي كان مرهقًا للغاية فقد توسلت إلى الدرويش أن يضع المرهم على تلك العين أيضًا.
أجاب الدرويش: إذا أصررت على ذلك فسأفعل ذلك، لكن يجب أن تتذكر ما قلته لك الآن، أنّه إذا لمست عينك اليمنى فسوف تصاب بالعمى على الفور، ولسوء الحظ ، على الرغم من إثباتي لحقيقة كلام الدراويش في العديد من الحالات ، كنت مقتنعًا تمامًا بأنّه كان يخفي عني الآن بعض الفضائل الخفية والثمينة للمرهم، لذلك أدرت أذني صماء لكل ما قاله.
أجبته مبتسمًا: أخي، أرى أنّك تمزح ليس من الطبيعي أن يكون لنفس المرهم تأثيران معاكسان تمامًا، فأجاب الدرويش: سيكون من الجيد لك أن تصدق كلامي، لكنّني لم أصدق وتملكني الجشع، اعتقدت أنّه إذا تمكنت إحدى العينين من أن تريني ثروات، فقد تعلمني الأخرى كيفية الحصول عليها، وواصلت الضغط على الدرويش لمسح عيني اليمنى، لكنّه رفض ذلك بحزم.
ثمّ قال: أنا أكره فعلاً أن أعمل معك مثل هذا الشر، فكر في معنى أن تكون أعمى، ولا تجبرني على فعل ما ستندم عليه ما دمت تعيش، ولكنّي قلت بحزم: أخي، افعل ما أطلبه ولن ألومك أبدًا، ثمّ أجاب بحسرة: بما أنك عازم على ذلك، فلا فائدة من الكلام، وأخذ المرهم ووضع بعضه في عيني اليمنى التي كانت مغلقة بإحكام، وعندما حاولت فتحها طفت سحابات كثيفة من الظلام أمامي، و كنت أعمى كما تراني الآن!
والآن أعلم أنّ كل معاناتي سببها نفسي وحدي! ثمّ صرخت للدرويش: ولكن، أيها الأخ الصالح أنت أيها اللطيف والخيري وتعرف أسرار هذا التعلم الواسع، ألّا تملك شيئًا يعيد لي بصري؟ فأجاب الدرويش: ليس ذنبي أنّ هذا قد أصابك، لقد تسبب عمى قلبك في عمى جسدك، نعم، لدي أسرار، ولكن ليس لدي أي شيء يعيد لك البصر، ولقد أثبتت أنّك لا تستحق الثروات التي أعطيت لك.
لم يقل الدرويش أكثر من ذلك وتركني عاجزًا عن الكلام مع الخجل والارتباك، وبائسًا جدًا لدرجة أنني وقفت على الفور، بينما كان يجمع الإبل الثمانين ويتقدم في طريقه إلى بالصورة، وكان عبثًا أنّني ناشدته ألّا يتركني، ولكن على الأقل أن يأخذني على مقربة من أول قافلة عابرة، ولكنّه لم يسمع صرخاتي ، وكان من المفترض أن أموت قريبًا من الجوع والبؤس لو لم يأت بعض التجار على طول المسار في اليوم التالي وأعادوني إلى بغداد.
ومن رجل ثري صرت متسولًا في لحظة واحدة، وحتى هذا الوقت كنت أعيش فقط على الصدقات التي منحت لي. ولكن، من أجل التكفير عن خطيئة الجشع التي كانت بمثابة تدميري، ألزمت كل عابر سبيل أن يضربني، وهذه قصتي أمير المؤمنين.
عندما انتهى الأعمى خاطبه الخليفة وقال : بابا عبد الله، حقًا ذنبك عظيم، لكنّك عانيت بما فيه الكفاية، و من الآن فصاعدًا سأعطيك ما يكفيك من المال يومًا بعد يوم لجميع احتياجات، وبهذه الكلمات ألقى بابا عبد الله بنفسه عند قدمي الخليفة، وتمنى أن يكون هذا الشرف والسعادة نصيبه إلى الأبد.