تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب التي صدرت عن الأديب أنطونيو رودريغيز ألمودوفار، وقد تناول من خلال مضمون القصة الحديث حول الموت وفلسفته بالنسبة للمتقدمين في السن الفقراء، وكيف أنه على الرغم من حياة البؤس والفقر التي يعيشونها، إلا أنهم لم يرغبوا في الموت، ومع كل ذلك هم يدركون أنه من الأمور الحتمية.
قصة كمثرى العمة ميسريا
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول سيدة عجوز تدعى العمة ميسريا، وقد كانت تلك السيدة تعيش حياة فقيرة جداً، إذ أمضت حياتها وهي تحصل على قوت يومها من تلك الصدقات التي يقدمها لها بعض الأشخاص، لدى تلك السيدة ابن يدعى آمروي، وقد كان هذا الابن منذ الصباح حتى المساء يجول هنا وهناك في القرية ويطلب الحسنة والصدقة من المارة، وكان على الدوام يرافق هذا الابن كلب، ويقيم هذا الابن مع والدته العجوز والكلب في ذات الكوخ، وإلى جانب الكوخ كان هناك أحد أنواع الأشجار التي تعرف باسم الكمثرى، أو ما يشار إليها في الكثير من الأحيان بشجرة الإجاص.
وفي ذلك الوقت من السنة كانت الشجرة على وشك الاستواء، إلا أنها لم تبقى عليها سوى القليل من الثمار؛ وذلك لأن أبناء الحي في كل مرة حين تبدأ الثمار بالنمو على الشجرة سرعان ما يهموا من أجل التقاطها وسرقتها قبل أن يكتمل نضجها، وفي يوم من الأيام قدم إلى مدخل الكوخ الذي تقيم به العمة رجل، وقد كان ذلك الرجل من الواضح من ملابسه وحالته سيئة من شدة الفقر، وحينما رأته العمة في هذه الحالة عزمت عليه بالدخول إلى داخل الكوخ، وسرعان ما توجهت إلى الأغراض الموجودة في الكوخ من أجل أن تعد له وجبة طعام، وأول ما وضعت وجبة الطعام أمامه بدأت بتجهيز مكان بينهم من أجل أن يمكث عندهم تلك الليلة، وبالفعل مكث معهم ذلك الرجل الفقير.
وفي صباح اليوم التالي حينما استيقظ الرجل الفقير من نومه همت بتجهيز الإفطار ووضعته أمامه، وقد كان ذلك الفقير بين اللحظة والأخرى يتشكر العمة لبديع صنعها، وبعد أن أتم طعامه، توجه نحوها قائلًا: إنك يا سيدتي سيدة ذات قلب رحيم ورؤوف، ومن أجل كل ما قمت به من أجلي سوف أقوم بتحقيق حلم لكي لطالما حلمتِ بتحقيقه، فأنا ملاك وليس إنسان بشري، وإنني أدركت من خلال إقامتي في كوخك ليومين أنك سيدة فقيرة، إذ أن ملابسك تشير إلى ذلك.
وعلى الرغم من أن العمة قد أصرت أنها لا ترغب في أي شيء في هذه الحياة سوى أن تعيش بسلام، إلا أنه أصر عليها أن تقوم بطلب أمنية منه، وحينها استسلمت العمة لإصراره تذكرت العمة تلك شجرة التي تقع بجوار كوخها، وحينها نظرت إليها وقالت له: هذه هي أمنيتي الوحيدة، إذ أريد أنه حينما يصعد أي شخص إلى هذه الشجرة، لا يتمكن من النزول عنها إلا بأذن مني.
وبالفعل قام الرجل الملاك بتحقيق أمنيتها على الفور وفي ذات اللحظة، وبعد أن شاع الأمر بالقرية لم يجرؤ أي من السكان على أن يتسلق إلى الشجرة ولا حتى مجرد الاقتراب منها، وبقي الحال هكذا حتى مرور بضع سنوات، وفي يوم من الأيام جاء إلى كوخ العمة رجل طويل القامة ويحمل بين يديه منجل ذو حجم كبير، وبعد أن طرق باب الكوخ وخرجت إليه العمة، قال لها: لقد حان الوقت أيتها العمة، وقد كان ذلك الرجل في هذه المرة هو ملاك الموت.
وعلى الرغم من أن العمة باستمرار كانت ترحب بالموت، إلا أنها في هذه المرة بدت مترددة؛ وقد كان السبب الذي كان يكمن خلف ذلك هو أنها للتو بدأت تستمتع بحياتها، فقالت له: الآن، ولكنني ما زلت في بداية الاستمتاع بحياتي، وهنا طلبت من الرجل أن تقوم بالتقاط آخر ثمرات موجودة على الشجرة وقد كان عددهن أربع ثمرات؛ وقد بررت طلبها بأنه من أجل أن تقيتها في رحلتها.
وفي تلك اللحظات بينما كانت تستعد العمة من أجل أن تلتقط تلك الثمار التي بدت أنها بعيدة كالعادة، أخذت العمة تتمتم قائلة: إن الموت لا يختار الوقت المناسب، فالآن تذكر أن يطرق بابي، وقد حاولت أن تجد حلًا كي تتسلق على الشجرة بذاتها، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، وحينها سمعت أصوات قهقهة من هنا وهناك تصدر من كافة النوافذ للبيوت المجاورة لها، وقد رأت أنها تعرضت للسخرية من قِبل الأهالي في الحي، قالت: كف عني أيها الموت، لا أرغب في الذهاب معك، سوف أبقى حيث أريد، فأنا أرغب في أن أعيش حياة طويلة، وإنني عشت هنا لسنوات طويلة وقد تحملت كافة الظروف التي مررت بها من برد وحر، والموت ليس له عمر أو زمن محدد فهو يأتي ضمن مسببات فقط.
وأردفت حديثها قائلة: ففي هذا العالم هناك الكثير من المسنين الذين تصل أعمارهم إلى أكثر من ثلاثمئة عام، ويكونون في أكثر أوقات حياتهم ألماً، وهذا ما يدفع بهم إلى أن يبحثوا عن أي طريقة من أجل أن يضعوا نهاية لحياتهم؛ وذلك من أجل التخلص من ذلك الألم العسير، فهناك من يقوم منهم بالإلقاء بنفسه من فوق أعلى المنحدرات، وهناك آخرون ينهون حياتهم ويتخلصون من ألمهم من خلال رمي أنفسهم في البحر، كما أن هناك الكثير منهم ممن يقومون بالارتماء أمام السكك الحديدة التي تمر بها القطارات بشكل مسرع دون توقف، والأهم من ذلك كله أنه هناك الغالبية العظمى منهم من قاموا بذلك، إلا أنهم لم يحصلوا على الموت، وكل ما وصلوا إليه هو أن امتلأت المستشفيات بهم.
وبقيت العمة تتحدث بتلك النظريات والمعتقدات التي حتى أصبح الموت بالقرب منها إلى حد كبير، إذ للتو قدمت الإسعاف وأخذ أحد أصدقائها المقربين جداً، وهو رجل عجوز، وأول ما وصلت به الإسعاف إلى باب المستشفى حتى سرعان ما توفي، وهنا بدأت تذرف الدموع عليه وتقول: آه يا صديقي العزيز، لقد أخذك الموت الذي يراقبني من قريب، فعلى الرغم من أن تلك الحياة تؤلمني! ولكن لا أرغب في الخلود إلى الموت، انظر يا صديقي إلى هنا وهناك من أهل القرية، فجميعهم جاؤوا من أجل أن يهموا بقطع تلك الشجرة.
وبالفعل بعد لحظات قليلة قدم جمع كبير من سكان الحي مسلحين بأفضل ما لديهم من معدات والآلات، إذ عقدوا النية على قطع الشجرة ولكنها أبت أن يتم قطعها؛ حيث لم يتمكنوا من الوصول إلى جذعها حتى، وكل من قام بمحاولة قطع أحد أغصانها بقي معلق عند ذلك الغصن.
وفي النهاية كان الكثير من الحشود المتواجدة تصلي بسبب شفقتهم على المعلقين على تلك الشجرة، ولكن اشترطت العمة بالسماح بنزولهم أن يوافق الموت أن يبقى مكانهم، وأن لا يحضر لها ولا لابنها، إلا بعد أن تقوم بمناداته ثلاث مرات، وهنا وافق الموت وسمحت العمة للجميع بالنزول عن تلك الشجرة.