قصة المهد

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الأديب والشاعر والمترجم عبدالله قحور وهو من مواليد دولة أوزبكستان من أبرز المؤلفين الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، وقد خاضوا في العديد من مجالات الأعمال الأدبية، فقد صدر عنه العديد من القصص والروايات التي تمت ترجمتها إلى اللغة الأوزبكية، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة المهد.

قصة المهد

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول رجل كان يدعى غني جان، إذ كان هو وزوجته ينتظران قدوم مولود جديد بفراغ الصبر، فقد كان في ذلك الوقت قد مضى على زواجهما فترة طويلة، وحينما اقترب موعد الولادة، كان يرى غني جان أن أمر ولادة طفل ليس بأمر جديد فهو أمر يحدث بشكل يومي في القرية وفي أي مكان في العالم، ولكن أمر ولادة مولوده بدا له أنه حدث مهم، لم يحدث على الاطلاق في أي زمان وفي أي مكان، وبدا يعتقد أن الجميع من حوله ينتظرون بشغف هذا اليوم، وعند وصول المولود جاء إليه كل أهل القرية يحملون له الهدايا ويهنئونه بقدوم مولوده.

وبعد مرور شهر من ولادته بدأ الطفل ينطق بكلمة أبوه، وما سمع غني جان بتلك الكلمة إلا شعر بإحساس غريب وجميل داخله، وهنا عزم على الذهاب إلى المدينة وشراء أجمل مهد صغير لابنه، وبالفعل اختار أجمل مهد في المدينة وحمله على حصانه وعاد إلى المنزل، وفي إحدى الليالي الباردة كانت قد تجمدت المياه السائبة في الشوارع على جانبي الطريق من شدة الصقيع وتكسرت الأشجار وأصبحت تشبه المكانس المكسورة، وكان السماء قد امتلأت بالعتمة والظلام باختصار لم يكن هناك شيء يسر بال شخص، وبالرغم من كل تلك الظروف المحيطة كان غني جان مستمر في طريقه، وهو يغني على صوت أقدام حصانه.

وعند وصول جان إلى مخرج القرية كان هناك رجل يجلس على حافة الطريق، وقال شيء ما جان، وفي تلك اللحظة مرت من جانبهم سيارة، وهذا ما جعل غني جان لا يسمع ما قاله له الرجل، وعلى أثر صوت السيارة جمح الحصان بسبب ضجيجها، ثم فرّ مسرعاً على الطريق، لم يريد غني جان الرجوع وواصل طريقه باتجاه المنزل، وحينما كان قد قطع جزء من المسافة، سمع صوت طلقة من مكان قريب جداً، وهذا ما جعل مجموعة الغربان التي تختبئ داخل الشجرة من شدة الصقيع تفر من صوت البندقية.

وفي لحظة ما تذكر ذلك الرجل الذي كان يجلس على طرف الطريق، وأخذ يتساءل يا ترى من يكون؟ ولماذا يجلس هناك في هذا الجو البارد جداً؟ ولماذا قام برفع يده؟ وماذا كان يريد أن يقول لي؟ وهنا اعتقد أنه رجل أراد أن يسافر ولكنه وقته كان غير مناسب، ربما كان يريد أن أحمله على جوادي؟ وإذا كان كذلك إذن لماذا لم يقف من مكانه، نظر غني جان بشكل مفاجئ إلى الخلف فلم يرى شيئاً، فتابع في طريقه، لكنه لم يتمكن أن ينسى ذلك الرجل، وهذا ما جعل تفكيره يشوش  ولم يتذكر أي أغنية من الأغاني التي كان يرددها على مسامعه.

وفي تلك الأثناء وجه غني جان جواده إلى الخلف وحثه على الركض، وتوجه إلى المكان الذي كان يجلس فيه ذلك الرجل، فلم يكن أحد في ذلك المكان، وأخذ بالنداء لكن لم يرد أحد، فبحث عنه فترة طويلة بعض الشيء لكن دون أن ينزل عن حصانه، لكن لم يجده على الاطلاق، وهنا اعتقد أنه ذهب إلى قريته، وعاد غني جان في طريق القرية معتلي حصانه، وأثناء الطريق أوقف عدة أشخاص وسألهم عنه، لكن لم يذكره أحد فعاد غني جان إلى منزله.

وعند وصول جان إلى منزله كان الوقت قد دخل على منتصف الليل، حيث كان متعب مرهق لدرجة كبيرة، سألته زوجته عن حاله دون النظر إلى المهد الجميل الذي يحمله بيده، ولكنه استحى من ذكر ما حدث معه، خلدت زوجته إلى النوم، بينما هو لم يغمض له طرف، إذ بقي يفكر في ذلك الرجل وكأنه يرى أمامه الرجل الأعرج يتكئ على عصا.

وبينما أخذ يتجول في المنزل ويعتريه الغضب جراء ما حدث معه، صحيت زوجته من منامها وبدأت تسأله عن سبب غضبه، وهنا ثار عليها، مما أوقع الحيرة في قلبها وتفكيرها، إذ لم يسبق له أن يصيح بها، وهنا سألته لماذا تأخر في مشواره؟ وماذا حصل معه؟ وهنا أخبرها أنه قد قابل شخص في الطريق أثناء مشواره وأنه كان يؤشر له بيده لكنه لم ينهض من مكانه على الاطلاق، وهنا جراء كثرة التفكير في الموضوع قال جان: هل من الممكن أن يكون رجل مشوه قدم من الحرب.

وهنا سألته الزوجة عن السبب الذي منعه عن حمل الرجل معه على الحصان، فأشار إلى أنّ الجواد هو من منعه من ذلك، ولكنني سرعان ما عدت إلى ذلك المكان لكن دون جدوى لم أرى له أي أثر، وهنا أخبر زوجته أنه يشعر بالقلق والخوف على ذلك الرجل، فلربما كان عائد من الخدمة العسكرية وينتظر من يمر ويحمله معه، هنا بدأت زوجة جان تهدئ من روعه وقلقه على الرجل، لكنها أيضاً بدأت تفكر في ذات التفكير في ذلك الرجل، فقد اعتقدت أنه من الممكن أن يكون جريح حرب وقد أغمى عليه في مكان ما جراء التهاب جرحه في هذا الجو البارد، وهنا نعتت الزوجة جان وسألته لماذا لم يقوم بالنزول عن الجواد والبحث عن ذلك الرجل، وأنه ربما يتأوه في مكان قريب هناك.

وهنا انتفض جان من مكانه وارتدى ثيابه وعزم على الذهاب إلى ذات المكان من أجل أن يبحث عن هذا الرجل، وهنا سرعان ما توجه نحو سايس الخيل في القرية وطلب منه أن يعيره حصان جيد، أثار ذلك الطلب في وقت متأخر الفضول لدى سايس الخيل، وبدأ يسأل عن السبب خلف ذلك الطلب في هذا الوقت المتأخر، فأجاب جان: أن أحد أقاربه كان قد رجع من خدمته العسكرية ويريد أن يطمئن عليه.

وبينما كان جان يضع السرج على الحصان دخل رجل يدعى نصيب علي إلى حظيرة الخيل، وهو من الأصدقاء المقربين لجان، حيث قام بإرجاع حصاناً كان يقوده من تلك الحضيرة، وهنا أشار نصيب إلى جان وقال له:  يجب على الإنسان أن يكون حذر جداً حينما يعتلي حصان فقد شاهدتك كدت أن تصدم بسيارة، هنا تفاجأ جان وسأل: متى كان ذلك؟ فرد علي: هذا المساء بينما كنت على مقربة من مخرج قرية، فسأل جان: هل أنت ذات الشخص الذي لوح بيده لي، وماذا كنت تعمل في ذلك المكان، فرد علي: ذهبت من أجل أن أحضر شعير، ولقد سلمك الله، هناك أوقف جان صديقه علي عن الحديث واعتذر عن الجواد الذي كان قد طلبه وطار باتجاه منزله.

اندهش علي من تصرف جان، لكن جان أسرع باتجاه بيته وهو يصيح بأعلى صوته: لقد كان صديقي علي، وعند وصوله أخبر زوجته أن ذلك الرجل كان صديقه علي، وكانت في تلك اللحظة زوجته ترضع الطفل، نهضت وحمدت الله، وتناول جان المهد من طرفه وقال لزوجته: هل رأيت ماذا فعل بنا هذا المهد؟ هكذا تكون المهود غالية جداً وتحتاج إلى معاناة من أجل الوصول إليها فعليك أن تنجبي أولادًا كُثر، وعليّ شراء المهود.


شارك المقالة: