تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول نمر انتقل من موطنه إلى مكان وبلد آخر، ولكنه باستمرار كان يشعر بالحزن على فراق وطنه، إلى أن اكتشف بالنهاية أن الحزن على فراق الوطن سمة تشترك بها كافة الحيوانات.
الشخصيات
- النمر البنغالي
- الفهد زودي
- والدة النمر
قصة النمر البنغالي أحارسي
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة البنغال، حيث أنه هناك في يوم من الأيام كان هناك إحدى حدائق الحيوانات التي يعيش بها نمر ويدعى أحارسي مع والده ووالدته، وقد كان ذلك النمر يفكر جيدًا في فصل الشتاء القادم، حيث أن ذلك الفصل من السنة في تلك الحديقة التي يعيش بها قارس جداً، إذ كان الشتاء على الأبواب، وفي يوم من الأيام قررت عائلته الانتقال إلى مكان آخر يحصلون به على الدفء.
وبعد أيام قليلة انتقل إلى واحدة من حدائق الحيوانات الموجودة التي تقع في مملكة بريطانيا، وحينما وصل إلى تلك الحديقة برفقة والدته ووالده، كان كل شيء مثيرًا للغاية، لقد فتن بكل شيء واشتعلت عيناه الكهرمانيتان بفضول وبدأ يقفز من شجرة إلى أخرى ويشتم كل زهرة ويخدش كل حشرة صغيرة يقابلها.
وفي تلك اللحظة طلبت منه والدته الهدوء قليلاً، إذ أنهم ما زالوا متعبين جراء تلك المسافة الطويلة التي قطعوها، وقالت: هناك متسع من الوقت للاستكشاف، الآن يجب أن ترتاح، ولكن ذلك النمر الصغير كان لا يرغب بالراحة، إذ أنه هناك حيوانات جديدة يريد أن يتعرف عليها، وأشجار جديدة يريد أن يتسلق عليها، فقد أراد أن يتعلم كل شيء حول مكانه الجديد.
وقبل غروب الشمس في ذلك اليوم الأول كان أحارسي يتجول حول جميع أقفاص الحيوانات ويسألها سؤالًا تلو الآخر، كما أنه انجذب للألوان الغريبة للطيور، ويشم روائح الطعام الزكية والتي كانت غير المألوفة، وكلما استكشف ذلك المكان أكثر أدرك أحارسي مدى اختلاف بين مكانه الجديد والمكان الذي جاء منه، ولكنه في لحظة ما خشي أن ينسى كامل الذكريات التي عاشها في ذلك المنزل القديم، كما كان قلقًا من أنه ينسي كل شيء يميزه كونه نمر بنغالي.
وتوجه أحارسي إلى المكان المخصص له، وبدأ في محاولة تذكر كل لحظة عاشها في منزله القديم، وفجأة سمع صوتاً يقول له: ماذا تفعل أنت؟، وقد كان الصوت قادم من ذلك الفهد الذي يقيم بالقرب من منزله ويدعى زودي، فأجاب أحارسي: إنني أتذكر، إن لم يكن لديك مانع، وأغلق أحارسي عينه مرة أخرى وحاول التركيز أكثر، وعاد الفهد وسأله: هل تذكرت؟.
فرد عليه أحارسي: نعم ولكن القليل، لقد نسيت كل شيء عن كوني نمر بنغالي، ومن أين أتيت، لذلك أحاول أن أتذكرها قبل أن تنتهي تلك الذكريات إلى الأبد، وعاد مرة أخرى وأغمض أحارسي عينيه وحاول استدعاء الصور من وطنه، وهنا عاد الفهد وسأله: وماذا تستفيد من إغلاق عينيك؟ وهنا فتح أحارسي عينيه على مصراعيه وبدا منزعجًا جدًا، وقال: سوف أذهب إلى أي مكان آخر ما لم تتركيني وحدي لأفكر!، ففي جميع الأحوال لن تفهم، فأنت لست نمر بنغالي! أنت فقط مجرد نمر.
وهنا شهق الفهد وضحك بأعلى صوته وقال: يا لك من حيوان سخيف، انظر هناك، وقد أشار إلى بقعة لامعة من الجليد على أرض صلبة، وهنا انزعج أحارسي من كلام زودي وحدق به وهو يعتريه الارتباك، وقال: أعتقد أنك مجنونًا زودي، فقال زودي بصوت لطيف: إذا كنت تريد أن تتذكر كيف تكون نمرًا، فقط انظر، فرد عليه أحارسي: حسنًا، إذا تركتني وشأني فسوف أنظر.
وفي تلك اللحظة حينما أثنى أحارسي عنقه قليلاً ونظر إلى بقعة الجليد الزجاجية على الأرض والتي تبدو وكأنها مرآة، تنخر زودي على كتفه، وقال: ما هي الخطوط الجميلة التي لديك؟، وهنا كان الصمت يسيطر على أحارسي، وفجأة قال: حينما نظرت إلى تلك المرآة الجليدية رأيت نقاط ضعفي، وهنا تحدث الفهد قائلاً: لا يوجد مكان في هذا الكون يشبه موطني، على الرغم من أن سلالتي جابت كل البلدان حتى أنها ذات مرة وصلت إلى جنوب إفريقيا.
وفي تلك الأثناء لاحظ أحارسي أن عيني الفهد تزداد سطوعًا وهو يحدثه عن السافانا المشمسة والغابات الخضراء المورقة في منزله القديم، وتابع حديثه بقوله: حينما أتذكر الأماكن الخاصة بي والتي أعيش بها أفتخر بتاريخي، وسوف تكون كل الأماكن التي عشت بها في السابق تستوطن ذاكرتي، وتوجه أحارسي نحو الفهد وسأله: ألا تشعر بالحنين إلى الوطن أو بالحزن؟ فكل شيء مختلف هنا.
فأجاب زودي: نحن جميعًا نشعر بالحنين إلى الوطن، ولكن انظر هنا إلى انعكاساتنا، نحن لسنا مختلفين كثيراً، فأنت من البنغال وأنا من إفريقيا، ولكن انظر كيف لدينا ذات السمات والشوارب، واستطرد الفهد حديثه بقوله: انظر هنا وقام برسم خط مسنن مثير للإعجاب في بقعة الجليد بخالبه الحاد ثم رفعه لأعلى حتى يتألق في الضوء الباهت، وقال وهو مبتسم: كلانا لدينا إيزيس.
وفي ذلك الوقت فجأة سمعا صوت هتاف كبير قادم من حظيرة الأفيال والذي كان في الركن الشرقي من حديقة الحيوانات، وتحدث أحارسي قائلاً: حسنًا، ولكن ذلك الأمر ليس جيد، فهذا يعني أن كلانا قطط، لكننا لسنا مثل تلك الأفيال التي هناك، أليس كذلك؟ فضحك زودي وقال: قد نبدو مختلفين بعض الشيء، ولكن أراهن أنه حتى الأفيال تشعر بالحنين إلى الوطن أيضًا، هذا شيء مشترك بين الجميع.
وهنا بدا أحارسي وكأنه غير متأكد من كلام زودي، إذ اعتقد أن الأفيال كبيرة جدًا وقوية، بحيث لا يمكن أن تحزن أبدًا، وقال: لكنني أراهن أنهم ما زالوا يتذكرون من أين هم، لقد أخبرتني والدتي أن الفيل لا ينسى أبدًا، وحينما سمع زودي بذلك تدحرج على الأرض الصلبة وقال: هذا صحيح! وأخيراً اعترفت أن الفيل لا ينسى أبدا، وتابع أحارسي حديثه بقوله: وأراهن أن الحمير الوحشية لا تخاف كذلك، وهنا تحدث الفهد قائلاً: ألم تراهم يركضون من جرار حارس الحديقة؟ وهنا سأله أجارسي: والتماسيح هل يخافون ويحزنون؟
فأجابه زودي: ألم تراهم يختبئون تحت الماء؟ وأردف حديثه بقوله: نحن نفتقد الوطن أحيانًا يا أحارسي، وهذا هو السبب في أننا جميعًا نبدو مختلفين، نحن مختلفون لنتذكر، انظر إليَّ لدي هذا الذيل الجميل الذي يذكرني بأننا الفهود الأفضل في تحقيق التوازن، فأجابه أحارسي: نحن النمور أفضل صيادين في كل ولاية البنغال، فقال زودي وهو تعتريه الابتسامة: إن شرائطك تذهب معك أينما ذهبت يا أحارسي.
وفي النهاية قال أحارسي: حينما تشعر الأفيال بالحزن، يمكنها أن تنظر إلى جذوعها لتتذكر أنها الأفضل في رش الماء، وحينما تشعر التماسيح بالحزن أو الخوف، يمكنها أن تنظر إلى أقدامها المتشابكة وتتذكر أنها الأسرع في النهر.
وفي تلك اللحظة أخذ نظرة حول كافة الحيوانات الموجودة في الحديقة، وإذ به يرى بعضها مخططًا، وبعضها كان متقطعًا، لم يكن أي منهم مثل الآخر، ومع حلول الليل وملأ مليون نجم السماء، بدأ أحارسي يدرك أنه على الرغم من اختلاف جميع الحيوانات، إلا أنهم جميعًا شعروا بنفس الشعور في بعض الأحيان، وأدرك أنه لن يكون بمفرده أبدًا، وسوف يحمل منزله دائمًا في قلبه إلى الأبد.
العبرة من القصة هي أن الحنين إلى الوطن هي صفة مغروزة بداخل كل كائن على وجه الكرة الأرضية، فالوطن بالنسبة لأي أحد هو أغلى ما يملك.